الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

المدللة

المصدر: النهار - محمد سعيد حميد - اليمن
على زورق نغم وحبّ ودلال سارت حياتي
على زورق نغم وحبّ ودلال سارت حياتي
A+ A-
على زورق نغم وحبّ ودلال سارت حياتي. وكآخر عنقود في الأسرة تسابق الأقارب لدلالي، وحصدت هذا الدلال بامتياز من كلّ حدب وصوب، بعد رحيل أبي إلى دار البقاء في إحدى دورات العنف الوطنية.
بذلت أمي قصارى جهدها، من دون كلل أو ملل لإثبات أنوثتي ومهارتي على إدارة شؤون البيت. لكن الدلال الزائد عن الحدّ حدّ من إثبات ذلك. فأخواتي الستّ يقمن بالواجب وزيادة في ترتيب شؤون الأسرة، التي تضاعفت أعدادها بمتوالية هندسية.
الآن، تحققت فرضيّة أمي التي كانت تتوقّعها: ماذا ستعملين حين يكون لك عشرات الأفواه الجائعة؟ وكيف ستديرين شؤونهم؟
حقاً يا أمي! من أين سأطعمهم؟ وكيف أدير شؤونهم؟ وكيف لي أن أبرهن أنّني ابنتك التي حلمتِ أن تكون؟
أنا المدلّلة عليَّ أن أجيب عن كلّ هذه الأسئلة، وعن غيرها، بعد أن رُميت في فوهة التحدّي. بل أنا سيّئة الحظ، والوحيدة التي بقيت على قيد الحياة منهارة القوى العقليّة والجسديّة من آثار القصف المجنون.
دقائق في الجامعة، وأخرى في زحمة الطريق، جعلتني خارج أنقاض البيت، الذي أُخرجت من تحته أجساد متفحّمة وأخرى مشوّهة ومشلولة.
الحروب والأفراح هي التي تجمعنا دائماً تحت سقف واحد. امتحانات الجامعة اللعينة أخرجتني هذه المرة عن الجمع. فهل أواجه التحدّي؟ أم أدفن رأسي في الوسادة واختار الجنون؟!
هل ألجأ إلى تجارة الجسد لإطعام الأفواه الجائعة وعلاجها؟ وستمضي الأيّام، وستأتي لحظة لم يعد لي بعدها فائدة تُرجى، وسأرمى على رصيف الحياة.
عليّ أن أقتلعك أيّها الجوع! بأيّ طريقة لا يهم! لن أسمح لجذورك أن تتسرّب بيننا، فأنا جاهزة لكلّ الاحتمالات لمواجهتك.
يا إلهي! كيف تهاوى كلّ شيء جميل بداخلي؟ لحظات صهرتني حتى صدأت أحاسيسي، نيران خامدة بداخلي تستعر بمجرد نفخة.
فلماذا أيها الصاروخ لم تنتظر قليلاً؟
لماذا تركت لي أفواهاً جائعة وأجساداً مشوهة؟
لماذا تُركت أنا بالذات المدللة أغتسل بدم أمي، وأجمع أشلاء أسرتي، وأنقذ من يمكن إنقاذه؟
أنا التي لم أذبح يوماً دجاجة، أحييكم الآن عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وأنا أذبح بكل فخر واعتزاز رؤوساً آدمية بقبلة وبدون قبلة، وبهوية أو من دون هوية كي أطهر وأطهر هذا الكون، مستلذةً بحلاوة هذه المهنة الجليلة التي انتزعتها من بين الركام.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم