الإثنين - 03 حزيران 2024

إعلان

من نحن؟

المصدر: النهار - ليليان خوري
سؤال ما برح يقلق راحتي ويسطو على أفكاري، علّني أجد جواباً يفك لغز هذا السؤال المحيّر.
سؤال ما برح يقلق راحتي ويسطو على أفكاري، علّني أجد جواباً يفك لغز هذا السؤال المحيّر.
A+ A-
سؤال ما برح يقلق راحتي ويسطو على أفكاري، علّني أجد جواباً يفك لغز هذا السؤال المحيّر.
ومجرد الولوج في التفسير، يستدعي مني طرح أسئلة تكون بدورها أكثر صعوبة وأعمق لغزاً وسراً.
ليبدأ شلال من التساؤلات يتدفق في عقلٍ ما برح يتألم من مجرد فكرة واحدة، فكيف إذا بات في مواجهة ذاتٍ لمّا تزل تكتشف نفسها وتنكشف على رؤى وأفكار وواقع يلفّه الغموض وعلامات استفهام بقيت يتيمة من دون إجابات واضحة.
وأنا أسترجع ما تلقيته من علمٍ ومعرفة في الجامعة، أجد وكأننا موجودون في كل المواد التي اكتسبت.
وأشعر وكأن الإنسان إذا أراد تكسير صورته الحالية كما يفعل رسامو المدرسة التجريدية، ومن ثم إعادة تركيبها من جديد، يجد نفسه وكأنه مخلوق مكوّن من جزيئات صغيرة متواجدة في تلك المواد المختلفة. فهو جزء لا يتجزأ من مادة علم الاجتماع الذي يهتم بمواضيع متنوعة، ومن بينها الإنسان وكيف يجمع هذا الأخير في شخصيته كل تلك الأفعال الاجتماعية التي تطغى بسلطة الإكراه لتتفوّق على الفرد وتسيّره من دون أن يدرك ذلك بفعل موروثات وأفعال وأفكار نتبناها ونعتاد القيام بها.
وكيف نصبح أسرى أفكار وأفعال ليست من صنع ضميرنا الفردي، بل تبعاً للضمير الجمعي الذي يفتك بالمجتمع. وحين أستذكر مادة اللغة العربية التي أعشقها باعتبارها الملاذ الوحيد لأعيش حريتي وأطلق أفكاراً كما يفعل رسامو المدرسة السوريالية، فأنشد من خلال بعض النصوص البعد عن الواقع، وأستحضر حالات عفوية وتصورات خيالية، أرسم أشكالاً غير مترابطة تفتقد واقعيتها خصوصاً حين تلتمس كتاباتي الحب، فأرتقي بكلماتي إلى العشق المجنون لدرجة يظن معها القارئ أنه في حضرة عشق حقيقي، كيف لا وأننا نشتهي حالة الحب أكثر من الحب ذاته.
وحين أغوص في مادة تاريخ الفنون التي تلقفتها باستحسان، أجدني في كل المدارس الفنية. فتارةً في المدرسة الواقعية أحكّم العقل في الواقع، وطوراً أنساق مع المدرسة الانطباعية بانفعالية أو نكون وأكون مزيجاً من تلك المدارس، ويبقى السؤال نفسه حقاً من نكون ومن نحن؟
أما في مادة الكتابة الصحافية، فأنتقي الكلمات وأعمل على صياغتها، لأكوّن الخبر الصحيح بشفافية عالية، في محاولة لإبراز الأهمّ في الموضوع، ثم المهم وهكذا دواليك، وكأنك تبرز نفسك، فأحياناً يطغى الشكل على المضمون، وأحياناً يسبق المضمون الشكل أو يسيران جنباً إلى جنب. ونتساءل هل يرتقي الإنسان مع العلم والوقت إلى مرتبة فكرية متقدمة يجيب من خلالها عن أسئلتنا في الحياة أم تبقى أفكارنا وأجوبتنا نتيجة ما قد يصادفنا في الحياة وما تعلمناه سابقاً وما سنتعلّمه، عندها يبقى الإنسان واحداً وكلاًّ لا يُختزل بصفة واحدة "كالهوية" في كتاب أمين معلوف، بحيث يبقى السؤال هو نفسه يُطرح من نحن ومن نكون من دون أن نعثر على جوابٍ واحد ومحدّد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم