الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إستقلالية القضاء في لبنان

المصدر: النهار - سوسن جمال عزالدين
القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الانسان الاجتماعية
القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الانسان الاجتماعية
A+ A-
القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الانسان الاجتماعية، ولقد وعت المجتمعات الحديثة أهمية السعي لإرساء مبادئ العدالة وحكم القانون. فكان ظهور مبدأ فصل السلطات الذي تمت تبلور ابتداء من القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا فبرزت السلطة القضائية كإحدى السلطات الأساسية في صون حرية الأفراد وحقوقهم وتالياً في إرساء حكم القانون.
والإعلانات العالمية الصادرة منذ الثورة الفرنسية إلى ما أصدرته الأمم المتحدة من إعلان شرعة حقوق الانسان عام 1948 إلى إعلان ميلانو عام 1985 الخاص باستقلالية القضاء والذي تبنته الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى إعلانات إقليمية عديدة حول الموضوع نفسه سوى تعبيرعن الأهمية التي يوليها المجتمع الإنساني المتحضر لمركزية العدالة ودورها في تطويرالمجتمعات البشرية إنسانياً واقتصادياً وأخلاقياً.
إن مبدأ استقلال السلطة القضائية في الدولة الدستورية الحديثة، يعني أن السلطة القضائية بوصفها مؤسسة والقضاة بوصفهم أفراداً يبتون في دعاوى بعينهـا يجـب أن يتمكنوا من ممارسة مسؤولياتهم المهنية دون تأثير السلطات التنفيذية أو التشريعية أو أية مصادر غيـر ملائمة أخرى.
وفي لبنان يعتبر الدستور اللبناني هو النص الأساسي الذي يحدد عمل النظام القضائي اللبناني، وتكرّس المادة 20 من الدستوراللبناني استقلال السلطة القضائية اللازمة لإحقاق الحق. إنّ أحكام الدستور اللبناني تعكس بشكل عام أحكام الصكوك الدولية ذات الصلة، خاصة المبدأ الأوّل من المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال القضاء حيث جاء فيه أنّ "الدولة تضمن استقلال القضاء الذي ينبغي النص عنه في الدستور أو التشريع الوطني (...)". خاصة أن الفقرة الثانية من مقدمة الدستور تنص على أنّ لبنان هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتنص الفقرة التالية على أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة. أما الفقرة الخامسة من المقدمة ذاتها فتنص على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها. وبذلك فإنّ الدستور يكرّس من حيث المبدأ التوازن بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، ويرفض هيمنة إحداها على الأخرى.
إلا أنه في حين تعترف بعض النصوص القانونية باستقلال السلطة القضائية، فإنّ البعض الآخر يجعلها موضع شك. فحين كرّست المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات المدنية مبدأ استقلال السلطة القضائية حيث نصت على أنّ: "القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الأخرى في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، لا يحد من استقلالها أيّ قيد لا ينص عليه الدستور".
وتؤكد أحكام الدستور اللبناني في مجملها على الحق في التقاضي واللجوء الفعال أمام المحاكم. فالدستور هو إذن، متوافق نظرياً مع المعايير الدولية. لكن في الممارسة، فإنّ عمل النظام القضائي هو ضحية التدخلات المستمرة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وللأفراد الذين تتكوّن منهم هاتان السلطتان. فالقضاء اللبناني يعاني من خروقات منتظمة لمبدأ فصل السلطات من خلال تدخل السياسة والزبائنية في شؤونه.
ويعتبر الفساد السياسي من أخطر الظواهر التي يمكن أن تعوق التنمية السياسية والبشرية، وتحول دون تحقيق الديمقراطية وحماية الحقوق والحريات وبناء دولة القانون. وتعد إساءة استخدام السلطة اللبنانية الموكلة إلى الحكام والقوى السياسية الناشطة في الدول من قبيل الفساد السياسي، سواء اتخذت صور المحسوبية، أو الرشوة، أو الابتزاز وممارسة النفوذ، أو الاحتيال ومحاباة الأقارب أو غيرها من الممارسات المشبوهة بهدف تحقيق مصلحة شخصية وأهداف غير مشروعة. وهذا الفساد قد طال الجسم القضائي اللبناني.
إنّ تنظيم السلطة القضائية في لبنان هو نتيجة التطوّر التاريخي لمؤسساته القضائية ومختلف مصادرقوانينه. فقد استلهم لبنان على نطاق كبير من النموذج الفرنسي، سواء على مستوى المحاكم المدنيةأو الإدارية (مجلس شورى الدولة).
يشكل موضوع استقلال السلطة القضائية حديث الساعة في لبنان، لا بل المستمر، إنطلاقاً من كونها مهددة بصورة دائمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من عدة جوانب، ومجموعات، ومؤسسات، وهيئات حكومية، حيث إنّ التأثير الأهم على عمل السلطة القضائية ينجم عن عوامل سياسية واجتماعية وتاريخية وثقافية وإيديولوجية ودينية أيضاً.
وفقاً لدراسة استقصائية حول معدل الفساد أجرتها الأمم المتحدة تم الاستماع إليهم يعتقدون أن القضاء اللبناني غير مستقل في اتخاذ القرار. وقد أدّت بعض الملفات القضائية (القليلة نسبياً لكن حظيت بتغطية إعلامية كبيرة) إلى تقويض ثقة الرأي العام بالسلطة القضائية. إنّ ما يهدد استقلال القضاء لا يكون دائماً وبالضرورة من الخارج، ولكن أيضاً، وبطريقة أشدّ إيذاء من داخل الجهاز القضائي نفسه.
إضافة إلى ذلك إن تدخل السياسيين في عمل المحاكم اللبنانية لم يتوقف يوماً والأدلة على ذلك كثيرة. فقد أثار الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز والرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى، القاضي أنطوان خير، هذه المسألة في الكلمة التي ألقاها (بتاريخ 8 ــ 6 ــ 2006): "لماذا أنا في الموقع الذي هو اليوم موقعي؟ ولماذا قبلت؟ قبلت أملاً في أن تستكمل إعادة الاستقلال إلى البلاد دورتها وأن يعود القضاء ليتمتع بكل استقلاليته. هكذا وعدت، ولكن الوقائع الراهنة، ويا للأسف لا تشجع. وها أن صفوف القضاة متراصة إلى جانبي أصرّح: إرفعوا أيديكم عن القضاء. اتركوه يتخلص من أوحال السياسات الصغيرة ومحاولي إبقائه تابعاً ذليلاً لأهل السياسة"، جريدة النهار، (تاريخ 9/6/2006) " كما أنّ تعيين نصف عدد أعضاء المجلس الدستوري من قبل مجلس النواب والنصف الآخر من قبل مجلس الوزراء يسمح لهما باختيار قضاة مقرّبين منهم، ما يجعل التأثير في أعضاء المجلس الدستوري ممكناً ويفقده بالتالي استقلاله وحياده.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم