العلم والجهل في بلادنا تآخيا (موضوع للنقاش)

كنت مقتنعة بالمعادلتين الآتيتين: العلم لا يعادل الجهل، وبأنّ العلم هو سلاح نحو التطوّر الإيجابيّ... أمّا الجهل يجرّنا إلى الانهيار.... وأنا أؤمن أيضاً بمبدأ: كلّ شيء نسبيّ، نسيت أَن أطبّقه عَلى هاتين المعادلتين... سأسرد ما أعنيه.
حسب ما نرى وما يجري في عالمنا العربيّ، رأينا أنّ كلّ المعادلات تتغير وتنقلب رأساً على عقب... ففي عالمنا اليوم العلم والجهل متوازيان ومترافقان، حيث أصبحت هناك مدارس تزهر وتتكاثر لتعلّم الجهل، وأصبح للجهل صفوف ودرجات وشهادات تقدير نتقدّم بها، والتقدّم نسبيّ أيضًا، ونرى في أعلى درجات الشهادة في الجهل، حين يتمكّن الجهل من الطائفية والعنصرية واستعمالها لعملية غسل الأدمغة، وهنا يكون في ذروة نجاحه... والمعرفة في الجهل أيضًا هي علم يتطوّر فيها الجاهل تمامًا كما في العلوم الأخرى... ونحن للأسف أصبحنا في عصر تطوّر علم الجهل. والعلم الحديث يجتمع فيه التطوّر الإيجابيّ والتطوّر السلبيّ، وفي اندماجهما بطريقة غشيمة تحصل زوبعة تحصد كلّ شيء...
كيف؟
رأينا أنّ من كانوا يظنّون أنفسهم يملكون الذكاء والعلم وهم في مراكز السلطة، وأصحاب المؤسسات الكبيرة يعتقدون بأنّ ذكاءهم أكبر من أن يفلت متعلّم الجهل من سيطرتهم، فيستخدموه لجهله للحفاظ على مواقعهم، ويعتقدون بأنّهم يستطيعون أن يتحكّموا به بذكائهم ناسين بأنّ المتعلّم الجاهل اكتسب ذكاء في الجهل واستطاع في وقت معيّن أن يجعلهم يقعون في فخّ هم نصبوه... وأنّه سيتمرّد عليهم وسيكتسب فنونًا لم يكونوا يتوقّعونها...
ولكن غطرستهم وعدم قبولهم بالاعتراف بذلك يستمرّون باستخدام المتفوّقين بالجهل بمدّهم بأحدث المعدّات، وترسيمهم في مراكز سيادية من دون أن يكون عندهم أيّ كفاءة... لذا نراهم يتخبّطون في هذه المراكز بوقاحة ويعيثون فيها فسادًا لعدم كفاءاتهم... هذا ما أدّى بنا إلى ما نحن عليه الآن... فمن يحكمنا هم هؤلاء الأذكياء في علم الجهل... لذا فالإنسانية في تراجع...
الأذكياء في العلم والأذكياء في الجهل أصبحوا اليوم مواكبين لبعضهم بعضاً، لسبب وجوديّ، وكلاهم بحاجة إلى الآخر ليستمرّ... وسيأتي اليوم الذي سيسيطر فيه أذكياء الجهل على كلّ مرافق الحياة، لأنّ تطوّرهم يتسارع تصاعديًّا ليقضي على مستخدميهم.... وسيتكوّن جيل قاسٍ يفتقر إلى المبادئ الإنسانية وستختلف كلّ المعايير... وستكون هناك نقلة نوعية مختلفة للحياة...