الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الرئيس المقبل يجب أن يكون متحرراً من الفساد وقادراً على توحيد البلاد

المصدر: "النهار"
قصر بعبدا (أرشيفيّة).
قصر بعبدا (أرشيفيّة).
A+ A-
جبران الخوري
 
في اليوم الأول من شهر أيار الماضي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية تصريح تحت عنوان: "الوضع في لبنان"، أشار من خلاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، "... أن الولايات المتحدة تثق بأن لبنان بحاجة الى رئيس متحرر من الفساد وقادر على توحيد البلاد...".
 
لقد مرّ حوالي شهرين على هذا التصريح ولم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وفي 20 حزيران الحالي، وبمناسبة العيد الوطني الأميركي جاء خطاب السفيرة الأميركية دوروثي شيا ليسلط الضوء على الموقف الأميركي لجهة ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية غير ملوث بالفساد، إلا أنها أشارت إلى إيمانها بروحية الشعب اللبناني وقدرته على توحيد نفسه لما فيه مصلحة البلاد.
 
طبعاً، الدبلوماسية الأميركية تختار عباراتها بعناية فائقة لإيصال الرسائل التي تعبِّر أفضل تعبير عن مواقفها، إلا أن قيام الشعب اللبناني بتوحيد نفسه من القاعدة باتجاه القمة وفقاً لكلمة السفيرة الأميركية، لا يتجانس مع التصريح السابق لوزارة الخارجية الأميركية لجهة الطلب من رئيس الجمهورية العتيد توحيد البلاد من القمة باتجاه القاعدة، بل هنالك تناقض نافر بين الأمرين.
 
هل الحل للمعضلة الحالية التي يمر بها لبنان يبدأ من وعي الشعب وإيجاد رؤية مشتركة لبناء مستقبل الوطن؟ وكيف؟ من خلال حراك شعبي؟ أو ثورة؟ أو إنتخابات نيابية؟
 أم أن الحل هو بانتخاب رئيس يوحّد البلاد؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ هل حقاً يستطيع من هو متحرر من الفساد أن يوحّد البلاد؟
 
الدبلوماسية الأميركية تعرف تمام المعرفة أن البلاد مكونة من مجموعات وأحزاب وتيارات متكافلة ومتضامنة بمعظمها على نهج لِلحُكم تتبعه منذ عشرات السنين، تختلف في ما بينها في الظاهر وفي بعض الأحيان. بينما تتآلف مع بعضها البعض في الباطن وعلى الدوام، بهدف تمرير الصفقات والتلزيمات والتعيينات وفقاً للقاعدة الذهبية "مرّر لي، كي أمرّر لك". تبدأ المحاصصة بالوزارات (تصبح الوزارة مِلكاً من أملاك هذا الحزب أو ذاك التيار) مروراً بالمجالس والهيئات والمؤسسات العامة، ولا تنتهي بالتلزيمات والصفقات على أنواعها، وطبعاً كل ذلك قائم على تغليب المصلحة الشخصية والحزبية على المصلحة العامة. وعليه، فإن البلاد قائمة على الفساد وتقاسم المغانم كنهج متبع، في الأصل، البلاد موحدة على الفساد، من خلال معظم قادتها.
 
أما إذا أراد الرئيس المقبل أن يحرر البلاد من الفساد، فالتصادم مع المسؤولين عن هذه المجموعات والتيارات والأحزاب شبه حتمي.
 
محاربة الفساد ومواجهة الفاسدين تخلق أعداء، وتُوحِّدهُم في مواجهة الرئيس الإصلاحي المفترض، وبالنتيجة تتوحد البلاد فعلاً، ولكن بالمفهوم العكسي، تتوحد ضد الرئيس، وهذا بالتحديد ما تناوله الشاعر الاسكتلندي شارلز ماكاي عن خلق الأعداء لمجرد إداء الواجب ومحاولة تحويل الخطأ إلى صواب، وذلك من خلال رائعته "أتقول إنه ليس لديك أعداء؟"
 
طبعاً، ولاستقامة العمل الديمقراطي، لفت بيان وزارة الخارجية الأميركية أن هؤلاء القادة اللبنانيين الذين يقع على عاتقهم تشكيل حكومتهم وانتخاب رئيسهم، هم منتخبون من الشعب. طالما هم منتخبون من الشعب، ومعظمهم فاسد، فهل الشعب اللبناني هو الفاسد؟
 
الجواب هو قطعاً لا، وهنا نصل إلى تصريح السفيرة الأميركية عن ثقتها بقدرات الشعب اللبناني. هذا الشعب الذي أثبت على الدوام أنه شعب مثقف وواعٍ ويسعى دائماً إلى التحرر من الفساد والمفسدين، وذلك خلال المفاصل الأساسية من تكوين لبنان الحديث. إلا أن السلطة الحاكمة كانت له دائماً بالمرصاد من خلال قوانين الانتخابات (وليس قانون ثابت)، هذه القوانين التي جاءت دائماً، وتحت عناوين فضفاضة كالانصهار الوطني ووحدة الشعب ونبذ التطرف والابتعاد عن الخطاب الطائفي، إلا أنها في الحقيقة كانت جميعها من دون استثناء قوانين إنتخابية بعيدة كل البعد عن التمثيل الصحيح، بل هدفت فقط إلى التجديد لنفس الطبقة السياسية الفاسدة. لن ندخل هنا في تعداد الأنظمة الانتخابية المختلفة مع إيجابياتها وسلبياتها، إلا أنه بالنظر إلى المجتمع اللبناني المؤلف من عدة جماعات، ونظامه السياسي البعيد عن أنظمة الأحزاب الحاكمة من خلال التنافس الديمقراطي مثل النظام الأميركي أو الفرنسي، يبقى إيجاد النظام الانتخابي الأمثل لتحقيق التمثيل الفعلي الصحيح هو من الأولويات الضرورية للعهد الجديد. التمثيل الفعلي الصحيح هو وحده الكفيل بسحب البساط من تحت أرجل الطبقة السياسية الفاسدة، خصوصاً أن النتائج العملية للحراك الشعبي في لبنان والثورات الشعبية في دول المنطقة جاءت متواضعة بمعظمها.
 
أما ما هو مشترك بين بيان وزارة الخارجية الأميركية في أيار الماضي وخطاب السفيرة الأميركية في حزيران الحالي فهو يشبه خارطة الطريق للرئيس المقبل تبدأ بالالتزام بالشفافية والمحاسبة ووضع مصلحة الشعب اللبناني أولاً، كما تطبيق إصلاحات اقتصادية، خصوصاً تلك المطلوبة من صندوق النقد الدولي.
 
هل بإمكان الرئيس المتحرر من الفساد تحقيق كل ذلك وإزاحة الفاسدين واستئصال الفساد؟
 
لا شك أن المهمة صعبة، وصعبة جداً، لكنها غير مستحيلة، وبانتظار صدور قانون الانتخاب الإصلاحي الذي تكلمنا عنه والعمل بموجبه، يبقى الدور الأساسي للرئيس المقبل هو المباشرة بالعمل على إعادة بناء لبنان الجديد، ولذلك، عليه أن يتمتع بالحنكة والمعرفة والقدرة على قيادة البلاد نحو الحداثة والرقي، من خلال مواجهة ذكية مع الطبقة الحاكمة الحالية، يفرض من خلالها استصدار وتنفيذ قوانين إصلاحية، واتخاذ قرارات تنفيذية حكيمة، طبعاً، بالاشتراك مع رئيس حكومة منزّه عن الفساد ومجلس وزراء متجانس معهما ويحظى بثقة الشعب.
 
من الأهداف الأساسية لهذه القوانين الإصلاحية والقرارات التنفيذية العمل على تحقيق إضعاف تسلّط المنظومة الحاكمة على الإدارة العامة والبدء بفكفكتها من جميع مفاصل الدولة، والانطلاق نحو تأسيس لبنان الجديد.
 
لبنان الجديد الذي سيقوم على ثلاث ركائز رئيسية غير قابلة للمساومة، وهي:
 
أولاً، تأمين الاستقرار، الذي هو أساس النمو والتطور، بما يتضمن الوصول إلى إستراتجية دفاعية تقوم على توحيد سلطة اتخاذ القرار، وبناء المناعة الوطنية، وكيفية استخدام التقاطعات الدولية والإقليمية (في تصارعها أو تصالحها) لمصلحة إستدامة الاستقرار الداخلي.
 
ثانياً، استئصال الفساد المستشري من أعلى الهرم إلى القاعدة.
 
وثالثاً، الإيمان بقدرة موارد لبنان البشرية، وهي أغلى ما يملك، والتي تتمتع بالطاقات والإمكانيات الحقيقية لنقل لبنان إلى مصاف الدول المتقدمة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم