الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ذكاء التلاقي... أي لبنان نريد؟

"منذ زمن بعيد، يجترح اللبنانيون حلولاً ومخارج للإرباكات المستدامة على مستوى الهوية-الوطن" (تعبيرية- تصوير مروان عساف).
"منذ زمن بعيد، يجترح اللبنانيون حلولاً ومخارج للإرباكات المستدامة على مستوى الهوية-الوطن" (تعبيرية- تصوير مروان عساف).
A+ A-
 
كتب محمد دبوق*
 
لبنان الأبجدية، بلد التجانس والتلاقي، إنه أرض غنية بالتناقضات "الإيجابية"، فيه تتعدد الأهواء والاتجاهات، والمواهب والمذاهب، والحضارات.

أيام هذا اللبنان تضج بالمعاني والعِبر. كل يوم يحمل في طياته جديداً. لقد تسارعت في الآونة الأخيرة الأحداث؛ من أزمات معيشية-اقتصادية ومتفرعاتها إلى انفجار مرفأ وباب بيروت، وقبل كل هذا وذاك كانت الأخطار الأمنية التي أحاطت بهذا الوطن وعصفت بمناطقه وكادت تطيح ما هو عزيز على قلب جميع اللبنانيين "لبنان السلم والسيادة".

فلبنان تتجاذبه، ومنذ النشأة الأولى، مجموعة عناوين: وطن نهائي لكل اللبنانيين، عربي، فينيقي المولد، حيادي ولاحيادي، قومي الهوية... يحار أهله في ما بينهم، يجتمعون، يُجمعون على بعض من هذه العناوين ويسقطون بعضها الآخر، يلتقون، يأتلفون ولا يأتلفون. 
هكذا، ومنذ التاريخ، يتغنى اللبناني بهذا اللبنان، يمارس هذه اللبنانية حتى صار نمطيَّ الأداء. كل فريق يتغنى بلبنانه ويغنّيه على هواه، المهم أن الأمور كانت ماشية والبلد "مقطّع"، كيف؟ لا يهمّ!
البراغماتية السياسية تحكم وتتحكّم في أكثر الأحيان بحركة الأقطاب المفترضين. الواقع الجيوسياسي والديمغرافيا السياسية يلعبان دور البيئة الحاضنة لشتى أنواع الانفعالات السياسية، وكأن لبنان مرآة ولوحة تفاعلية مع المتغير الإقليمي. والأحداث الأخيرة على أطراف ودواخل الوطن، كما الكثير مما عايشه لبنان، يعزز ما نرمي إليه.

منذ زمن بعيد، يجترح اللبنانيون حلولاً ومخارج للإرباكات المستدامة على مستوى الهوية-الوطن، وغالباً، لا بل في مطلق الأحيان، يُجرّون ـ كأن الآخَر يفهمنا أكثر من فهمنا لذاتناـ مقهورين إلى الالتقاء والتلاقي تحت ضغط قرقعة الشارع وأزيز الانفجارات، وطبعاً بقوة دفع خارجية، ليست بالمطلق بريئة من حيث السناريوهات وتسلسل الأحداث.

لقد اعتاد اللبناني على هذه النمطية السالبة لمقدرات الأجيال الناشئة حتى إننا، على سبيل المثال لا الحصر، بتنا نفتش على "أين نحن" من حسن الإدارة في الدولة، والحق العام، والعدل، والبيئة... بالمقارنة طبعاً مع الآخر، النموذج. أقول هذا وفي القلب غُصة ونحن الذين تغنينا بأننا في بلد تلاقي الأديان والألوان والحضارات، في بلد الجرافيا والتاريخ. مَثَلُنا كمثَل الأرنب الذي تسابق مع السلحفاة فاستخف بجدّها وجهدها، فنام طويلاً، وحين استيقظ أدرك نتيجة الغرور والاعتداد المفرط بالنفس، والأهم الاستخفاف بقدرة الآخر. 
لم يفت الأوان بعد، ففي البلد الكثير الكثير من الإيجابيات يمكن الركون إليها والاستفادة منها؛ ألسنا نحن اللبنانيين "شاطرين، وأذكياء؟!"، ونحن إلى حد ما كذلك. بيت القصيد أن نعمل على الاستفادة من الإبداعات ونعتمد، وإذا احتاج الأمر نجتلب وننسخ ونعمم التجارب الإيجابية على كل المستويات، فتجربة المقاومة في الدفاع عن تراب الوطن وبشره كأداء ونتيجة - المُحرِّرة للجزء الكبير من أرض لبنان- لهي واحدة من إبداعات هذا اللبناني الذي آمن بقوته. 

نعم، حق هذا الوطن أن يستريح، وحق هذا اللبناني أن يعيش بواقعية - وهو محبّ للحياة - دون مطبات وتراتبية مصطنعة. آن لهذا اللبناني أن ترتسم له هوية دون اقتطاع، وإقطاع صنعوه، وهم له مُكرّسون.

بكلمة، يا أصحاب العقول النيرة والقلوب المنفتحة، يا كل ملائكة وحكماء الأرض في هذا اللبنان، تعالوا نخرج من أنانيتنا، من خوفنا، من وهمٍ اسطنعناه.
تعالوا نخرج من ذواتنا ونذوب في ذات الوطن "الوطن". 
فلتضيق المساحات وتقصّر المسافات الفواصلَ والتواريخ.
تعالوا نرسم معاً ونحوك الثوب الذي نريد... تعالوا نلتقي بذكاء وفطنة.
تعالوا نكتب "أيّ لبنانٍ نريد؟".

وللمتحفزين والمتحذلقين أقول: أليست الدعوة إلى "مؤتمر وطني تأسيسي"، أو الدعوة ، من أي صوب أتت، إلى "عقد سياسي جديد" تستبطن السعي إلى اجتراح صيغة عيش عادلة وشاملة؟ أليست هكذا دعوة هي شكل من أشكال المبادرة إلى "استيلاد لبنان الحاضر... لبنان التلاقي"؟ ألا تخدم هكذا دعوات قيامة واستمرار هذا اللبنان الذي نحب حتى النخاع؟

أيها الشركاء، المقدس هو الوطن والعدل بين الرعية، وما دون ذلك "فلمَ لا!" حتى "الطائف، لمَ لا؟"، ألسنا راشدين مؤهلين لنكتب ونعيد كتابة لبناننا الذي يجب، بدل أن نُجرَّ إليه جرّاً؟!
 
*أستاذ أكاديمي في الجامعة اللبنانية
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم