الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ماذا تريد السّعودية من أميركا؟

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
الملك عبدالعزيز خلال لقائه الرئيس فرانكلين روزفلت في 14 شباط 1945)
الملك عبدالعزيز خلال لقائه الرئيس فرانكلين روزفلت في 14 شباط 1945)
A+ A-
يتساءل صديقي بقلق: لماذا نقف بوجه حلفائنا في الغرب هذا الموقف المتشدد؟ من نحن لنصمد أمام أقوى دولة في العالم، الولايات المتحدة، وحلفائها الأوربيين؟ وماذا نستفيد من استفزاز معسكر حلف الناتو في مواجهته مع روسيا، وربما الصين؟ أليس من الأسلم لنا أن نعطيهم ما يريدون، ونأخذ منهم ما نريد، كما كنا على مدى ثمانين عاماً أو يزيد؟
 
الحياد الإيجابي
أجبته: لأن المسألة ليست بهذه البساطة. العلاقات الدولية تبنى على المصالح، فلا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل مصالح دائمة. والمصالح تتحقق بالتسويات والتوازنات و"خذ وهات". وما يراد منا اليوم لا يختلف عما طلب منا في الحرب العالمية الثانية، الانضمام إلى حلف ضد آخر، والدخول في صراع لا ناقة لنا فيه ولا جمل. وكما أصر الملك عبد العزيز غفر الله له وقتها على الحياد الإيجابي، الذي يخدم الجميع، ولا يضعنا في مرمى النيران، نصرّ اليوم على الموقف نفسه. وعندما ينحسر الغبار عن أرض المعركة، ويعلن الفائز وينسحب الخاسر، أو يتوافق الطرفان على تسوية، لن نجد أنفسنا مع أو ضد، بل في موقف حر يسمح لنا بتحديد خياراتنا بناءً على المشهد الجديد.
 
رد صاحبي: ولكننا لسنا في موقف يسمح لنا بخذلان حلفائنا، فلا نحن بمستوى قوتهم، ولا نستغني عن حمايتهم. رحم الله امرءاً عرف قدره فوقف عنده.
 
أوضحت: من قال إننا حلفاء؟ رفضت السعودية في مطلع الألفية عرضاً أميركياً بشراكة استراتيجية مع الناتو حتى تتجنب قيود التحالفات وشروطها. لم نرد أن نوضع في موقف نجبر فيه على خوض معارك ضد أشقائنا، والمشاركة في غزو واحتلال كما في العراق وأفغانستان. رغم أن حلفاً كهذا كان سيمنحنا مظلة أمنية لا نظير لها، ويغنينا عن تكاليف بناء جيش قوي يؤمّن لنا استقلالية القرار ومصاريفه.
 
شركاء لا حلفاء
تساءل: إذا لم نكن حلفاء، فماذا نكون؟
قلت: شركاء وأصدقاء. فالاتفاق مع روزفلت في الأربعينات ومبدأ أيزنهاور في الخمسينات نص على توفير الأمن لمناطق إنتاج النفط والغاز في الخليج العربي، لضمان إمدادات الطاقة للولايات المتحدة وحلفائها. وعليه، باعت واشنطن لنا السلاح المتقدم، والتدريب، والخدمات اللوجستية، وتبادلت معنا التعاون السياسي والاستخباري والأمني لمواجهة التحديات والمهددات لهذه الشراكة. كان وما زال تعاوناً مثمراً للطرفين، وإن واجهته بعض الخلافات. فالدعم الأعمى للكيان الصهيوني قادنا إلى فرض مقاطعة نفطية مرتين على الدول الداعمة، مرة بعد الاعتداء الثلاثي على مصر (1956)، وأخرى بعد حرب رمضان (1973).
 
التحول الأميركي
رد: إذاً ما الذي تغيّر؟
أجبت: تغيرت السياسة الأميركية، فالحزب الديموقراطي عموماً، وفي عهد أوباما خصوصاً، قرر التخلي عن الشركاء العرب واستبدال الشركاء العجم بهم، والتباعد عن الإسلام المتسامح الذي تمثله دول الاعتدال العربي، والتخادم مع الإسلام السياسي الثوري الذي تمثله إيران وتركيا وجماعة "الإخوان المسلمين". كما عمل على قلب الأنظمة العربية، وتقسيم بلدانها، والمنطقة كلها على خطوط طائفية وعرقية وتسليم إدارتها للدول والمنظمات العميلة، كيما يتم التفرغ لمواجه التنين الصيني والدب الروسي.
 
نجحوا في البداية، ثم قلبت السعودية والإمارات عليهم الطاولة، وتعاونت مع جيش مصر لإنقاذها من مؤامرة الربيع العربي، ثم مع حكومة السيسي لمواجهة المد العجمي المتأسلم في بقية بلاد العرب، ومع التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ومع التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب.
 
توازنات دوليّة
استوضح: ثم جاء ترامب وإدارته الجمهورية وأصلحوا ما خرب، أليس كذلك؟
اعترضت: ترامب كان أعقل من سابقه ولاحقه، فأدرك أن مصالح أميركا تتحقق أكثر مع الشركاء التقليديين، ولكنه أغفل أن اتفاق روزفلت ومبدأ أيزنهاور يعنيان أن تقوم بواجبك في حماية المنطقة عندما تتعرض للتهديد بلا تردد ولا مساومة. وتصرف كرجل أعمال كل ما يعنيه أن يبيع أكثر ويطلب مقابل لكل واجب، حتى لو كان ضمن مسؤولياته في اتفاق الشراكة. ربما لأنه ظن (وبعض الظن إثم) أن النفط الصخري أغناه عن نفطنا، ولم تعد أميركا بحاجة لآبار الخليج العربي، ونسي أن المنطقة تمثل لأميركا والغرب والعالم أكثر من النفط والغاز الطبيعي على أهميتهما المستدامة.
 
تساءل صاحبي: إذاً لهذا السبب وثّقنا علاقتنا بالصين وروسيا؟
أجبت: بالعالم كله، وليس فقط بدوله العظمى. فهناك اقتصاديات صاعدة، وبلدان تتمتع بثروات طبيعية واعدة، وأخرى شقيقة ونامية، وكلها تتطلع إلى تعاون مثمر معنا. فلماذا نضيق واسعاً، ونحصر شراكاتنا بغرب أو بشرق؟ تحركنا باتجاه تلك البلدان بدأ مبكراً، فمنذ التسعينات الميلادية، طوّرنا علاقاتنا بدول كانت في الحرب الباردة مقطوعة، وأخرى لم تكن مفعّلة. واليوم توسعت الدائرة وتوثقت الصلات عبر القارات، فمن آسيا وأفريقيا وشرق أوروبا، الى أميركا الجنوبية وأستراليا. وتعددت المجالات من التجارة والصناعة والزراعة والتعليم، إلى العسكرية والفضائية والطاقة النووية والمتجددة، ومع ذلك تبقى علاقاتنا بالغرب متميزة وراسخة.
 
ما نريده من أميركا
اختتم صاحبي بسؤال: إذاً ماذا نريد من أميركا؟
لخصت: باختصار نريد منهم وضوح الرؤية والموقف. هل ما زلنا على اتفاق روزفلت ومبدأ أيزنهاور؟ أم أننا انتقلنا إلى مرحلة منفتحة على كل الاحتمالات؟ فإن كانوا ملتزمين، فعليهم الوقوف معنا في مواجهة مهددات أمننا ووجودنا التي تمثلها إيران وميليشياتها الإرهابية وسياساتها المزعزعة للسلام. وإن لم يكونوا، فعليهم أن يتفهموا قرارنا البحث عن شركاء جدد أكثر التزاماً وتوافقاً مع متطلبات أمننا ومصالحنا.
 
وبكل الأحوال، نتوقع منهم أن يراعوا مصالحنا الوطنية ويتفهموا مواقفنا السيادية بقدر مراعاتنا مصالحهم وتفهمنا مواقفهم. ومن ذلك حرصنا على قوة وفعالية "أوبك" التي تضمن مصالحنا الوجودية وتعبر عن مصداقية تعهداتنا وتمثل قدرتنا على القيادة والريادة لمصلحة المنتج والمستهلك، واستقرار سوق الطاقة العالمي.
 
لم نطلب الكثير، ونرفض أن يطلب منا الكثير. وسنصمد لأننا على حق، وليس أمامنا خيار. وسننتصر، لأن الأمن يتحقق بقوة الداخل، وفهم الخارج، ومعرفة الخصم.
 
بالاستعداد للمواجهة مع العمل على تلافيها. وكما تقول الحكمة الصينية: أولئك الذين يدركون مواضع قوتهم وقوة خصمهم، ويحسبون تكاليف الحرب قبل خوضها، سينتصرون ولو خاضوا ألف معركة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم