الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اتّفاق السعوديّة-إيران... ضمانات النجاح؟

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
الاتّفاق في الصحافة الإيرانية. (الصورة عن "أ.ف.ب").
الاتّفاق في الصحافة الإيرانية. (الصورة عن "أ.ف.ب").
A+ A-
لا يكاد يمر يوم من دون أن يطرح من ألتقيهم في المنصات والقنوات والديوانيات تساؤلاً حول الاتفاق السعودي مع ايران. وبقدر ما يتّفق أكثرهم على مزايا هذا الاتفاق المفاجئ، بقدر ما يشككون في التزام ايران ببنوده. وهم في ذلك يبنون تشكيكهم على تاريخها الطويل في التملص من اتفاقات سابقة، والتحايل على روحها أو نصها.

دستور تصدير الأزمات
كما يذكّرون بما نص عليه دستورها من تصدير الثورة وحصر الاسلام فيها بالمذهب الجعفري. وما استثمرته خلال أربعة عقود منذ العام 1979 في تنفيذ المخطط التوسعي في البلاد الاسلامية، والهلال الشيعي في العراق وسوريا ولبنان، والدعم المباشر لمليشيات جهادية، شيعية وسنية، من داعش والقاعدة، الى "حزب الله" و"أنصار الله".

وأسئلتهم تكاد تتفق على صيغة واحدة: كيف يمكن لنظام حكم قائم على الهروب من التحديات الداخلية الى الخارج، بتصدير الأزمات والصراعات والمعاناة، أن يتنازل عن طموحات عقائدية وعرقية وتاريخية استثمر فيها مئات المليارات من العملات الصعبة، وآخر مشاريعه التنموية من أجلها. وما هو الثمن الذي يمكن أن يرتضيه مقابل هذه الخسارة الهائلة، والتراجعات الجذرية، والتحولات المفصلية؟

القرار حكوميّ أم أعلى؟
وداخلياً، من اتخذ هذا القرار؟ هل هو المرشد الأعلى، الذي يملك مفاتيح السلطة، أم حكومة كأيّ حكومة قبلها، توقّع على اتفاق مع القوى العظمى، والأمم المتحدة، وتنفيذاً لقرارات مجلس الأمن، وتقبض الثمن، ثم تتراجع وتتحايل وتلتف عليه، بأوامر عليا؟

وما هو موقف الحرس الثوري والقوى والجماهير المتطرفة التي تدين بالولاء والطاعة للإمام علي خامنئي، والتي خرّبت وعطلت وأعطبت اتفاقات سابقة، أممية، وثنائية مع السعودية وغيرها؟ ألم تتنصل طهران من اتفاقات سابقة مع السعودية، الاتفاق الشامل في 1998 والأمني في 2001 على يد الجماعات الرافضة؟ فلماذا تعود الى ما نقضته في اتفاق 2023؟

أيتام الاتّفاق
السؤال الثالث لا يقل أهمية، فهو يتصل بالساحات والجماعات التي ستتأثر حتماً بتفاهمات مماثلة. والارتباك الواضح لخطابهم الإعلامي ما بين صمت وتمتمة، ودعم للاتفاق مع التحفّظ والاستدراك، وتطبيق فوري للتهدئة مع التهديد بالعودة، يوحي بأنّ الخبر كان صاعقة لم يحسبوا لها حساباً. فكلّ المؤشرات السابقة كانت توحي بتباعد المسافة بين الطرفين، وغياب الضمانات.

والسؤال هو: ما هو مصير ميليشيات مسلحة شكّلت تركيبتها وشخصيتها وأدواتها على الحرب والارهاب والمواجهة الحادة مع خصوم إيران إذا اصبحوا أصدقاء وشركاء؟ هل ستجبر على تسليم سلاحها للدولة التي تتبعها، وتتحوّل الى أحزاب سياسية بلا أسنان؟

وكيف ستضمن نجاحها وموقعها في هيكل الحكم بغياب الأغلبية الموالية، والشعبية الجماهيرية، والقبول الدولي، وموارد الدخل غير الشرعية؟ وبغياب المهمة والهدف، هل ستواصل طهران تمويلها السخي حفاظاً على نفوذها السياسي، وذخيرة مستقبلية وخلايا نائمة، أم تترك مواليها لمواردهم الذاتية المحدودة؟

الملفّات العربيّة
وأخيراً، يبقى السؤال الأهمّ: هل ستتغير إيران حقاً، وتتحول الى دولة مدنية، وجارة مسالمة، وشريك تنمية؟ وهل يعني ذلك، في نهاية المطاف، انسحابها العسكري والاستخباري والميليشياوي والعقائدي من الداخل العربي، ولو تدريجياً؟

هل سيتلاشى وجودها في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن؟ أم تحافظ على العلاقات الخاصة بدون التدخلات المباشرة؟ والى أيّ مدى سيؤثر ذلك على الساحة السياسية والاحوال الاقتصادية والمعيشية والعلاقات الخارجية لهذه البلدان؟
 

تغيير أم مناورة؟
هذه الأسئلة تؤرق المعنيين بها من موالي طهران وخصومها، كما تحيّر المراقبين الدوليين الذي ألفوا "الاستكبار" المقاوم، و"العناد" الفكري، و"القناعات" العقائدية. خاصة أنّ "الذوبان" تم خلال أربعة أيام، بعد أربعين عاماً من "التماسك".

ولولا دخول الصين، بهيبتها، والرئيس شي بمكانته، على الخط، كرعاة وضامنين، لسارعوا إلى اعتبار كل ما تم مجرّد حركة مسرحية ايرانية لكسب الوقت، وهدنة لإعادة التموضع، وكلام ليل يمحوه النهار.

إعلان نوايا يعقبه "الاتّفاق"
وللردّ على هذه الأسئلة المشروعة، علينا أن نتذكّر أن ما تمّ هو أشبه بإعلان نوايا، منه باتّفاق نهائيّ وخريطة طريق. وخلال الشهرين القادمين ستعقد اجتماعات مكثّفة لوضع النقاط على الحروف، وتفصيل العناوين العريضة، والمبادئ العامة.

ثم يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتوقيع ما يتم التوافق عليه وإشهاره. وحسب المصادر الرئاسية والحكومية الإيرانية فإنّ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، رحّب برسالة خطية داعمة للاتفاق ودعوة من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز .

وحتى يتم ذلك، سيعدّ البلدان العدّة لافتتاح السفارتين وتبادل البعثات الدبلوماسية، ويتوقع أن تتمّ قبل موسم الحجّ، وفي الأشهر الحُرم، (التي يحرم فيها على المسلمين القتال).

الضمانة الأهمّ
والأسباب التي دعت إيران الى القبول بهذا الاتفاق، هي الضامن الأهمّ له. فخلال أربعة وأربعين عاماً من مشروع الخلافة الإسلامية بقيادة طهران، توجهت كل موارد الدولة لخدمة المشروع، وهيمنت بالفعل على أربعة عواصم عربية، والخامسة غزة، وبنت جسراً برياً وطائفياً يصلها بالبحر الأبيض المتوسط، مروراً ببغداد ودمشق، وانتهاء باللاذقية وبيروت، وبالحديدة وباب المندب، مروراً بصعدة وصنعاء.

ولكنها، في المقابل، لم تحقق بذلك أمناً، أو مشروعية، أو ثروة. وبالعكس، تدهورت علاقاتها بمحيطها والعالم، وتحولت الى دولة منبوذة معزولة، ورفضتها الشعوب التي حكمتها، حتى من طائفتها، وثار عليها مواطنوها.

وماليّاً، سقطت في شبكة عقوبات دولية خانقة، تمنعها حتى من تصدير مورد دخلها الأساسي، النفط والغاز، والحصول على العملات الصعبة، ومواصلة تمويل الجماعات الموالية في البلدان التي هيمنت عليها.

سباق تسلّح وتنمية
وأدّى الصراع وتهديد الجيران الى سباق تسلح، أشبه بذلك الذي خسره الاتحاد السوفياتيّ أمام أميركا، فلا إمكاناتها المالية، ولا علاقاتها الدولية، تسمح لطهران باستيراد أو تصنيع السلاح المكافئ للسلاح المتطوّر الذي تزوّد به جيوش الجيران.

كما أدّى الإرهاب والتهديد الى تحالف العرب في تكتّل إقليميّ وشراكة دولية، تفوق بمراحل إمكانات التحالفات المحدودة التي تملكها إيران. تضاف الى ذلك الخصومات مع دول الجوار غير العربي، من أفغانستان الى أذربيجان وكردستان.

ولم يستطع "الاقتصاد المقاوم" المعزول الذي يديره الملالي وضباط الحرس الثوري أن يواجه الاقتصاد الدولي المتقدّم الذي يتمتّع به الخصوم. كما أن استهلاك الموارد في الصراعات الخارجية والمشروع النووي والصاروخي والتسليح المستورد والمحلي كان على حساب قوت المواطن واحتياجاته اليومية وتطلعاته التنموية.

الطائرة والقبطان
إذن القيادة في كابينة الطائرة الايرانية انتهت الى مسار بعيد المدى، لا وقود كاف يغطيه. وهكذا أصبحت الخيارات محدودة، فإما العودة أو الاستمرار أو الوقوف. وفي حالة الطيران الاستدارة وحدها ممكنة، أمّا التحليق فوق محيط مترامي الأطراف بلا محطة، فمآله السقوط. والتوقف بالطبع مستحيل.

وهكذا أدرك القبطان أن عليه أن يتدارك أمره قبل فوات الأوان، فالاستدارة قد تكون ممكنة اليوم، وفي خزّانه ما يكفي للعودة، والمحطة لا تزال قريبة ومرحبة. أما إذا انتظر أكثر، فقد يثور الركاب، أو يتمرّد من حوله، أو يرفض طلب الهبوط، أو... ينفذ الوقود.

هذا في ما يتعلق بضمانات الاتفاق، أمّا بقية الأسئلة فبحاجة الى مساحة أخرى. الى لقاء.

* أستاذ في جامعة الفيصل

@kbatarfi

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم