السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أنقذوا جيش التربية والتعليم من الانهيار... تنقذوا الوطن

طلاب خلال تقديمهم امتحانات الشهادة الثانوية (حسن عسل).
طلاب خلال تقديمهم امتحانات الشهادة الثانوية (حسن عسل).
A+ A-
الدكتور أيمن عمر
 
إن علاقةَ التعليم بالتنمية الاقتصادية علاقةٌ تفاعلية. وأوّل من تناول أهمية التعليم وربطه بالاقتصاد كان مؤسّس علم الاقتصاد آدم سميث، حيث يقول "إن اكتساب الفرد المواهب أثناء تعليمه ودراسته هي تكلفة حقيقية، لكنها تعدّ بمثابة رأس مال ثابت ومتحقّق في شخصه، وهي ثروة شخصيّة تُعدّ بدورها جزءاً من ثروة المجتمع". وفي العام 1960 أصبحت اقتصاديّات التعليم باباً من أبواب علم الاقتصاد بعد الخطاب الذي ألقاه الاقتصادي شولتز في جامعة شيكاغو. وإذا كانت النظريّة الاقتصادية التقليديّة صنّفت عناصر الإنتاج ضمن 4 عناصر، فإن الاقتصاد الحديث - اقتصاد المعرفة - يعتبر المعرفة واحدة من أهمّ عناصر الإنتاج. هذه المعرفة تأتي نتاج مسار من التعليم والتربية والثقافة والبحث العلمي، ليكون الرأسمال البشريّ أداة إنتاجها ومقياساً لثروة المجتمع. ويُعتبر قطاع التعليم في لبنان من القطاعات الأساسيّة إذ يساهم بنسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
قطاع التعليم من ركائز الدولة
ثلاثة دعائم قامت عليها الدولة اللبنانية تُشكّل الركائز الأساسيّة لبُنيان الدولة، هي: القطاع العسكري والأمني وعلى رأسه الجيش، القطاع المصرفي ويقوده مصرف لبنان، وقطاع التربية والتعليم وقوامه الجامعة اللبنانية. لذلك، فالتعليم في لبنان يعدل في أهميته الأمن والمال والنقد، وهو في صلب الأمن القومي. وأمام مطرقة انهيار اقتصاديّ أرخى بثقله على كاهل القطاع التربوي كغيره من القطاعات، يقع قطاع التعليم تحت سندان كوارث اجتماعية وصحيّة ومعيشيّة وبيئيّة... لتُسقطه في قعر الهاوية، ويهتز بالتالي أهمّ مرتكز من مرتكزات الدولة، وليختلّ الأمن القومي اللبناني.
البنك الدولي: الأجيال الصاعدة في لبنان في خطر
في 21 حزيران، أورد تقرير بعنوان "التأسيس لمستقبل أفضل: مسار لإصلاح التعليم في لبنان"، أصدره البنك الدولي أن انخفاض مستويات التعلّم وعدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل يعرّض مستقبل الأجيال الصاعدة في لبنان للخطر. ويطرح التقرير للمناقشة توصيات للإصلاح على مستوى القطاع في الأمد المتوسّط، ضمن سبعة محاور استراتيجية رئيسة:
1) إعادة هيكلة تمويل القطاع؛ 2) دراسة تشخيصية لدعم جهود التغلّب على أزمة التعلّم؛ 3) تحسين آليات الاستفادة من المعلّمين وجودة التدريس؛ 4) البيئة المدرسيّة وتدابير المساءلة التربوية؛ 5) استراتيجية التعليم وإصلاح المناهج الدراسية؛ 6) التعليم في الطفولة المبكرة؛ 7) الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل.
خريطة طريق تقي من الانهيار
عندما تلظّى القطاع العسكري واكتوى بنار الأزمة، سارع الخارج قبل الداخل إلى حمايته من الانهيار، لما لذلك من آثار على مستوى تفكّك الدولة. وفي المقابل، على المسؤولين إعلان حالة طوارئ تربوية لترميم القطاع التربوي ودعمه منعاً لانهياره بانتظار الحلّ الاقتصادي الشامل، وهذا يتطلّب:
 
- بناء شبكة حماية اجتماعية لأفراد القطاع التربوي عبر توفير تمويل بالدولار من المنظمات الدولية، وإعطاء كلّ أستاذ 100 دولار أميركي شهرياً بشكل مقطوع كزيادة على راتبه الأساسي لمدّة سنة بانتظار تصحيح الخلل في الأجور والرواتب. وإذا كان عدد أفراد القطاع التربوي بجناحيه الرسمي والخاص، وبكلّ مراحله يبلغ حوالَي 100 ألف عامل (المدارس الرسمية: 40 ألفاً و796 أستاذاً، المدارس الخاصة: 51 ألفاً و215 أستاذاً، الخاصّة شبه المجانية: 7 آلاف و468 أستاذاً)، فإن التكلفة السنويّة لا تتعدّى الـ 120 مليون دولار بمعدّل 10 ملايين دولار شهرياً، وهي تكلفة زهيدة مقارنة بالجدوى والمنفعة المتوخّاة منها، بل يُمكن تأمينها من احتياطي مصرف لبنان بدل الهدر الفاضح على الدعم المنهوب والمهرّب.
- توفير الاستشفاء والضمان الصحي بتغطية كاملة لكلّ الحالات الطبية والاستشفائية بنسبة 100%، وتأمين الأدوات الطبية المطلوبة للعمليّات الجراحيّة وفق سعر الصرف الرسميّ أو أقلّه سعر المنصّة 3900 ليرة للدولار.
 
- تأمين باقة ورزمة مجانيّة من الإنترنت لتسهيل العمليّة التعليميّة، خاصة أننا أمام عام دراسيّ مقبل سيكون بالتعليم المدمج أو من بُعد، كما هو متوقّع، وبحسب تطوّرات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية.
- التخفيف من الضغط النفسي على الأساتذة والكادر الإداري عبر التخفيف وإلغاء بعض الأمور الروتينية والبيروقراطية الإدارية، التي لا تُسمن العملية التربوية ولا تُغنيها من جوع.
الجامعة اللبنانية: مصير وطن
مع اشتداد الأزمة تزداد الحاجة إلى الجامعة اللبنانية كمنقذة للأجيال، بحيث يتوقّف مصير الأخيرة عليها في ظلّ غياب الدولار الطلابيّ والتعلّم في الخارج أو في الجامعات الخاصّة في الداخل. إن مصير الثروة البشريّة في لبنان مرتبط بالجامعة الوطنية الأم، وإن إعداد الرأسمال البشريّ، وهو العنصر الأساس في الاستنهاض الاقتصاديّ، مرهون بقدرة الجامعة اللبنانية على الاستمرار؛ ومن المستحيل أن تحصل هذه الاستمرارية من دون قدرة كادرها التعليميّ والإداريّ على الصمود. وما يصحّ آنفاً من مقترحات للقطاع التربوي تقيه من الانهيار تنطبق أيضاً على الجامعة اللبنانية، مع إضافة مهمّة وهو تحقيق الاستقرار الوظيفي والنفسي للكادر التعليمي عبر تثبيت الأساتذة المفرّغين، وتفريغ الأساتذة المتعاقدين الذين باتوا يشكّلون حوالَي 80% من هذا الكادر، وذلك من خلال مراسيم استثنائية طالما أننا في ظروف جدّ استثنائية.
الشهادات الرسمية: شهادة عزّ على جبين الكادر التعليميّ
إنجاز نوعيّ تمّ تحقيقه، وهو إجراء الشهادات الرسمية للثانوية العامة، بالرغم من العوائق والعقبات والانهزام النفسي وفشل المسؤولين. هذا الإنجاز التاريخي أبطاله ودون مواربة أو شكّ، هم جيش التربية من أساتذة وإداريين ومناطق تربوية. لم يتطلّع هذا الجيش إلى المكتسبات الماديّة الهزيلة، ولا إلى التجهيزات اللوجستية المفقودة، ولا إلى القرارات الإدارية المثبطة، بل اقتحموا ساحات الوغى ليحققوا انتصار التربية على الانهيار، وليعوّضوا بكدّهم وعرق جبينهم فشل المسؤولين واستهتارهم لتصل الشهادات الرسمية إلى برّ الأمان.
 
*أكاديمي وباحث اقتصادي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم