السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

في لبنان ثوار... بلا ثورة

من العرض المدني في عيد الاستقلال 2020 (أرشيفية).
من العرض المدني في عيد الاستقلال 2020 (أرشيفية).
A+ A-
عماد غنوم
في السّابع عشر من تشرين الثاني 2019، نزل آلاف اللبنانيين إلى الساحات العامة معترضين على ضريبة طفيفة كانت الحكومة تدرس أمر إقرارها على الاتصالات المجانيّة عبر تطبيق واتساب، وقد كان اللبناني يعيش وضعاً اقتصاديًا صعبًا تحت وطأة الأزمات السياسية والاقتصادية. ومنذ سنوات، قبل هذا التاريخ،  أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، استغلّ اللبنانيون الغاضبون على الأوضاع هذه الضريبة المقترحة للنزول إلى الشارع وملء الساحات في المدن والمناطق اللبنانية جميعها، وعند مختلف الطوائف، فاضطربت وسائل الإعلام في البداية في تسمية ما يحدث، فاستعملت العديد من الألفاظ، منها الحراك تيمّنًا بما وقع في الجزائر منذ أشهر، والانتفاضة تيمّنًا بحركات تحرّر الشعوب العربية، لا سيّما في فلسطين، وصولًا إلى مصطلح الثورة تيمّنًا بثورات الربيع العربي.

هل هي ثورة؟!
 
أصرّت الحشود في الساحات على استعمال لفظ الثورة الشاملة ضدّ النظام لوصف تحرّكاتهم في الساحات، وصارت الاستعراضات الفولكلورية وخطباء المنابر يكرّرون مصطلح الثورة، فهل ما حدث هو ثورة بالفعل؟ أم هو أمر آخر مختلف؟ وما هي شروط الثورة؟
 
نستطيع أن نقول على الأقل إنّ قسمًا كبيرًا من الذين نزلوا إلى الساحات من اللبنانيين يقرّون بأن هناك قوى سياسية في لبنان وخارج لبنان استغلّت تحرّكاتهم لتحقيق مآرب، وإنّها ركبت موجة غضب اللبنانيين جميعًا واستيائهم من مشكلة الفساد والأوضاع الاقتصادية الخانقة وتردّي الخدمات وانتشار الفوضى والمحسوبيّات في لبنان.
 
 
خطاب الثورة والثوار
 
وحتى الخطابات التي رُفعت منذ ذلك التاريخ، والتي شكّلت قواسم مشتركة بين المتواجدين في مختلف الساحات، مثل شعار "كلن يعني كلن" ومحاربة الفساد وضرورة تغيير الطبقة السياسية لم تصمد أمام أوّل اختبار تعرّضت له بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، بعد أيّام من انطلاق التحركات، وذلك تحت شعار "زعيمك أفسد من زعيمي، وطائفتي مظلومة أكتر من طائفتك".
 
وبعد مرور أكثر من شهر على اندلاع التحرّكات، وبعد قيام العديد من المجموعات بأعمال شغب وتكسير وحرق للأملاك العامة والخاصة، وصولًا إلى عمليّات نهب في أكثر من منطقة، عجزت حشود الشارع عن إيجاد خطاب مشترك وقواسم مشتركة لتطلّعاتها نحو مستقبل البلد؛ وما عجزُ هذه المجموعات عن إيجاد هذا الخطاب المشترك سوى نتيجة حتميّة لغياب الرؤية الثوريّة.

فالرؤية الثورية تحتاج إلى مجموعة من النقاط والأهداف المشتركة، التي تسعى مجموعة من الناس إلى تحقيقها في وجه عدوٍّ محدّدٍ وواضح، كأن يكون محتلًا خارجيّاً أو دكتاتورًا فرداً أو نظاماً دكتاتوريًا واضح المعالم.

الثوار الأيتام
 
لم تتحقّق هذه النقطة، إذ كان بعض اليساريين يرون أن المشكلة قائمة في نظام التحاصص الطائفي، بينما نظر اليمينيون إلى المشكلة باعتبارها هيمنة طائفة معيّنة على بقية الطوائف، فيما الطائفيّون اعتبروا أن المشكلة في اعتداء بقية الطوائف على طائفتهم. أمّا جيل الشباب والحداثيّون فرؤوا أنّ المشكلة هي في غياب الديمقراطية الحقيقية وهيمنة رجال السلطة التقليديين على الحكم منذ عشرات السنين وفي الزبائنية السياسية.
 
قد تكون كلّ نظرة من هذه النظرات تشكّل جانبًا من جوانب الحقيقة، وقد يكون الواقع عبارة عن تجميع لوجهات النظر هذه. لكنّ عجز المنتفضين في الشّارع عن إيجاد هذه الرؤية الثوريّة الجامعة هو السبب الأبرز لفشل الثورة في لبنان؛ وهكذا بقي الثوار الغاضبون في الشّارع بلا ثورة، وصاروا كالأيتام بلا أمّ تجمعهم، وتحوّل ما أراده الناس من أن يكون ثورة إلى قطع طرقات وأعمال شغب وتكسير وحرب تقوم بها مجموعات مدعومة من قوى داخلية وخارجية لتحقيق أهداف لن يكون لها انعكاسات إيجابية في لبنان، لاسيما أن هذه التحركات ذات طبيعة ضارّة بالاقتصاد، وقد تزامنت مع انهيار اقتصاديّ كبير شهده لبنان.
 
 
وهكذا فشل الثوار
 
في المحصّلة انتقلت عدوى السياسيّين الذين يتقاذفون التهم في ما بينهم إلى الشارع، فبات كلّ فريق يتّهم الآخر بإفشال الثورة وعدم إنجاحها، وهذه هي النتيجة الطبيعية للأمور. فالغاضبون لا يصنعون ثورات حقيقيّة؛ و إذا أردنا أن يكون لدينا ثورة حقيقيّة فلا بدّ من تحديد مشكلة لبنان التي نريد أن نثور عليها، والاتفاق على رؤية بديلة لتحلّ محلها.. هكذا تقوم الثورات وإلا سوف نبقى في لبنان نعاني أزمة ثوار غاضبين بلا ثورة.
 
أستاذ جامعي وباحث أكاديمي
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم