الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

رئاسة لبنان وصداقة السعودية

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
العلم اللبناني والعلم السعودي.
العلم اللبناني والعلم السعودي.
A+ A-
سألني الزميل سامي كليب، مقدّم البرامج السياسية الفضائية، في برنامجه المتميّز "الرئيس": ماذا تريد السعودية من لبنان؟ ومن تقبل به رئيساً؟ قائد الجيش جوزيف عون مثلاً؟ وهل هناك اعتراض على ترشيح سليمان فرنجية رغم أنه من أسرة صديقة للأسرة السعودية أباً عند جد، ومواقفها متوافقة مع سياسة الرياض؟ وكيف تتفاوض مع إيران حول لبنان، ولا تتفاوض مع حزب الله؟

الحقيقة أنني أتحمّس للمشاركة في أي برنامج أو عمل إعلامي يديره مثقف عروبي بقامة سامي كليب. ولذلك أقول لكل من يسألني، إنني كنت أستجيب لدعوات قناة "الميادين" المعروفة بميولها المحورية، وبرنامجها الأشهر "لعبة الأمم" ثقةً بمهنية صاحب البرنامج العالية، وبُعده عن المحاور، وقدرته على مواجهة الضغوط والإغراءات من هذا الطرف أو ذاك على حساب مبادئه وقيمه.

وعندما خرج من القناة، خرجت معه، ولحقت به في موقعه الإلكتروني متابعاً دوماً، ومشاركاً حيناً. ولما وصلتني دعوته للمشاركة في برنامجه "الرئيس"، على قناة الجديد، مع ضيوفه الكبار، كالعادة، وزير الخارجية اللبناني ومرشح الرئاسة الأسبق، فارس بويز، والزميلين المخضرمين، ميشال أبو نجم من باريس، وراغدة درغام من نيويورك، لم أتردّد. فالمصداقية التي اكتسبها الدكتور عبر سنوات من العمل الأكاديمي والإعلامي الجاد والنزيه والمخلص، في فرنسا ولبنان، تجعله واحداً من قلائل اختاروا بلادهم وأمّتهم أولاً، وقدّموها حتى على أنفسهم وطوائفهم وأهوائهم.

السعودية: لا اختيار!
أجبت الزميل عن أسئلته الذكيّة التي خرجت أسهماً دقيقة التوجيه، واضحة الهدف، بما أحسب أنها إجابات تتماهى بوضوحها ودقتها، بما ألخّصه في ما يأتي:
السعودية لا خيار محدّداً لها في لبنان، للرئاسة أو للوزارة أو للبرلمان، أو لأي منصب حكومي أو عام. فهي تحرص دائماً على عدم تدخل الآخرين في شؤونها الداخلية، أو الشؤون العربية، وتلتزم بعدم التدخل في شؤون الغير، بنفس الحرص. فالسيادة الوطنية حق قومي للشعب وممثليه، وهم وحدهم من يحق لهم اختيار من يضع سياسات بلادهم ويقود مؤسساتها.

رد سعود الفيصل
ولهذا كان رد الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الراحل، حازماً وحاسماً على طلب وزير الخارجية الإيراني السابق، جواد ظريف، اجتماعاً معه لمناقشة شوون البلاد العربية التي تهيمن عليها إيران. فكما شكا الوزير الإيراني في لقاء تلفزيوني، كان الردّ في سطر واحد: وما علاقة إيران بالشؤون العربية؟

نقبل بشروط
إلا أن من حق السعودية السيادي أيضاً أن ترسم صيغة التعامل مع القادة الذين يمثلون بلدانهم حسب مواقفهم منها، وتقديرهم لمصالحها، وعلى رأسها الأمن القومي. فإن اختارت القيادة اللبنانية القادمة خدمة مصالح بلادها، والعودة الى الحاضنة العربية، والنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، وحماية البلدان الشقيقة من الأذى الصادر من أراضيها وعبرها، فستجد كل الترحيب من السعودية ودول الخليج والعالم العربي.

ولكن إن واصلت المضيّ على خطى القيادة السابقة والحالية من الاستسلام للهيمنة الفارسية والتدخلات الأميركية والفرنسية، والسماح لحزب يرتهن لدولة أجنبية، وساسة يمثلون قوى دولية أكثر مما يمثلون بلادهم وناخبيهم، ويصدّر المخدّرات والسلاح والفتن الطائفية والإرهاب للدول العربية، وأما إذا واصل الحزب المحسوب على الدولة اللبنانية، وأولئك الذين يحملون هويتها التدخل في الصراعات والحروب الأهلية والتعاون مع الانقلابيين في ممارسة الإرهاب وتدريبهم على قصف المناطق المدنية في بلدانهم ودول الجوار، وتزويدهم بالسلاح والمال والمنابر الإعلامية.

ونرفض بشروط
أما إذا تكرر ذلك واستمر بغطاء الشرعية اللبنانية وانطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وباستخدام الموانئ والمطارات والبنوك والصادرات التجارية، فليس أمام السعودية إلا أن تواصل بدورها رفض التعامل مع هؤلاء القادة، وعدم تقديم الحكومات التي يرأسونها، مع الاستمرار في تقديم الدعم للشعب اللبناني بشكل مباشر، وبالتعاون مع المنظمات الأممية وجمعيات الإغاثة الإنسانية.

وليست السعودية ومعها دول الخليج وحدها في هذا الموقف، فهذه المنظمات الدولية والدول الكبرى والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تمتنع جميعها عن دعم الحكومة اللبنانية قبل عمل الإصلاحات السياسية والمالية التي تضمن وصول الدعم الى مستحقيه، وتحقيق أهدافه الوطنية لا الحزبية أو الشخصية.

التجارب السابقة
وتجربة السعودية مريرة في هذا المجال، فبعد عقود قدّمت فيها قرابة ثمانين مليار دولار، كانت تكفي لتأهيل البنية التحتية والخدمات الأساسية، كالمواصلات والطاقة والصحة والتعليم، تكتشف أن معظم ما قُدّم، ما عدا في مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ذهب الى الحسابات الخاصة، أو نسب الى دول أخرى، كإيران، أو لأحزاب وشخوص لبنانية.


في المقابل، أرى وغيري من الزائرين السعوديين للبنان، أن كل شارع وحديقة ومستوصف ومركز ثقافي عقائدي توضع عليه لوحات وأعلام تشير الى الدول المتبرّعة. وبعضها على الأقل جزء من مشاريع سعودية أساساً.

رسالة السعودية الجديدة
كل هذا تغيّر اليوم، فلم تعد السعودية الجديدة تقبل بهذا الهدر لأموال شعبها دعماً لمن يعمل ضدّها، ومن يستلب الدعم العسكري الذي تقدمه للجيش لقتل عرب سوريا والعراق ولبنان واليمن، ويُطلق صواريخ باتجاه مكة والرياض وجدة وجيزان، وسلاحاً لمواليهم في الكويت والبحرين والسعودية.

ولقد كانت رسالتها واضحة على لسان وزير المالية، محمد الجدعان، الذي صرّح في مؤتمر "دافوس" بأن المواطن الذي أصبح يدفع ضرائب يتوقع أن يرى مردودها عليه، لا على دول فاشلة، وقيادات فاسدة. ولذلك، فإن السعودية تصر اليوم، قبل تقديم أي دعم أو الاستثمار في أي مشروع، على تطبيق الدولة المستفيدة للمعاير الدولية في النزاهة والملاءة والكفاءة في المؤسسات الحكومية، والشفافية والجدوى والإشراف المباشر على المشاريع المنفذة، وما يتطلبه ذلك من إصلاحات هيكلية في تركيبة الدولة السياسية والإدارية والمالية والقضائية.

فرنجية وعون ونصر الله
وأعود للأسئلة حول موقف الرياض من مرشحي الرئاسة سليمان فرنجية وجوزيف عون، ومبدأ التفاوض مع "حزب الله"، فأقول إن قراءاتي للموقف السعودي ملخصها أنها ستتعامل مع أي رئيس منتخب بناءً على أعماله لا أقواله. ورغم أن فرنجية الحفيد لم يرث من جدّه الرئيس سليمان فرنجية لبنانيته وعروبته، كما تعبّر تصريحاته وتغريداته ومواقفه الانبطاحية المهينة لإيران و"حزب الله"، ستتعامل الرياض معه، في حال اختياره رئيساً، حسب مواقفه الفعلية وسياساته العملية.

أما قائد الجيش جوزيف عون، ففي رأيي الشخصي، يشفع له تاريخه المهني المستقل عن المحاور والأحزاب، والمتسق مع مهنية وحيادية الجيش، ومصداقيته التي أكسبته احترام الشعب بكل طوائفه.
ومع ذلك، فإن الحكم عليه لن يتم قبل توليه. فإن مضى على ما اتصف به، وحرّر لبنان من أغلال الولائية الاستعبادية الخانقة، ونأى ببلاده عن الصراعات، ودافع عن سيادتها، وأمّن مصالحها وحمى محيطها من تفلّت سلاحها وميليشياتها، فسيربح بلا شك تعاون ودعم الجميع، وفي مقدمتهم الشقيقة الأوفى للبنان، المملكة العربية السعودية.

وبالنسبة للتعامل مع "حزب الله"، فالرياض لا تتفاوض مع أحزاب وطوائف وجماعات، بل مع دول وحكومات. ثم إنها تتعامل مع السادة لا العبيد، فقد تحاورت مع حكومة إيران، ورحّبت بمزيد من الحوار معها، وإذا حضر الماء بطل التيمّم! نقطة على السطر.
 
* أستاذ في جامعة الفيصل.

@kbatarfi

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم