الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نعمة ونقمة عامل الوقت في مقاربة الحلول الاقتصادية في لبنان... المصارف في عين العاصفة

المصدر: "النهار"
مواطنون أمام أحد المصارف (أرشيفية).
مواطنون أمام أحد المصارف (أرشيفية).
A+ A-
محمد فحيلي*

لا شكّ في أنّ القطاع المصرفي مكوّن أساسيّ من مكوّنات القطاع الخاص والاقتصاد، ويجب أن يكون أداء المصارف على مستوى المسؤولية. ولو كنتُ في مقام الحكم اليوم على تحمّل المصارف مسؤوليّاتها بالأداء، وليس بالنوايا، فأنا مجبر على القول إنّها فشلت فشلاً ذريعاً. لن تستطيع جمعيّة مصارف لبنان أو/و إدارات المصارف من كسب نقاط في إدارة الأزمة، ابتداءً من الصّمت المريب، إلى تقاذف التّهم مع الطبقة السياسية الفاسدة من خلال البيانات المدمّرة، إلى إقفال أبوابها أمام زبائنها في ردّة فعل فاشلة على ما آلت إليه الأمور بينها وبين مودعيها.


لا شكّ عند أيّ مودع في أن الطبقة السياسية فاسدة، واستفحلت بالفساد، وأهدرت المال العام؛ ومن بين هذا الكمّ من المال الذي هُدْر وسُرق كانت أموال المودعين. وكل المودعين على يقين بأن الطبقة السياسية تتنصل من مسؤوليتها، وتحاول بشتى الوسائل الهروب من تحمّلها المسؤولية عن أدائها خلال سنوات الكساد الاقتصادي، فيما كانت هي السبب والمسبّب في حصوله.

أين فشلت السلطة الحاكمة والمتحكّمة بالبلاد؟

في عدم إجراء ولو مساءلة حول الأسباب الموجبة التي دفعت حكومة حسان دياب إلى "التعثر غير المنظّم" في آذار من العام 2020. ثلاث سنوات من المعاناة الأليمة، ولا يوجد أيّ تقرير من السلطة صاحبة الاختصاص، تشرح فيه للشعب اللبناني الأسباب الحقيقية والموجبة التي دفعت السلطة التنفيذية إلى اتخاذ قرار التوقف عن خدمة الدين. الكلّ كان يتوقع أن يأتي هذا اليوم الذي سوف تضطر الدولة اللبنانية فيه إلى إعادة هيكلة وجدولة الدين العام، وهذا هو التعثر. لكن ما حصل هو اتخاذ قرار سياسيّ بالتوقّف الكامل عن خدمة الدين بعد أن جرى تسديد استحقاق اليوروبوند في تشرين الثاني من العام 2019 مع فائض من التطمينات من قبل السلطة النقدية بأن استحقاق آذار 2020 سوف يسدّد في وقته. وإذا كان مصرف لبنان آنذاك يحتفظ باحتياطيٍّ بالعملة الأجنبية، ممّا يُشكّل مؤشراً على توافر الموارد لتسديد هذا الاستحقاق، فإن المصرف كان لديه الكثير منه. وفي الواقع، هذا ما زاد من حدّة التداعيات السلبية للتعثّر غير المنظّم: التوقّف التام والكامل عن خدمة الدين ومن دون أيّ أفق!

عدم إقرار قانون الكابيتال كنترول في الوقت والشكل المناسبين. لقد تم إسقاط هذا القانون بعد سابق إصرار وتصميم لعدم تناغمه مع خطط الطبقة السياسية الجهنميّة، وسقطت معه نهائياً الرقابة المطلوبة على حركة رأس المال من وإلى لبنان.
عدم السير بشفافية ومهنية بالتدقيق الجنائي الذي يهدف إلى تبيان الحقيقة وراء فقدان هذا الكمّ الهائل من المال، ومَنْ يقف وراء هذا الأداء غير المسؤول. في القانون اللبناني، الوزير مسؤول بأمواله الخاصّة عن أي نفقة تتعدّى حدود الاعتمادات المذكورة في قانون الموازنة.
إقرار موازنة العام 2022 بتأخير 12 شهراً، من دون قطع حساب للعام 2021، محاولة واضحة وفاضحة للتهرّب من المسؤولية. ‏الموازنة هي مصطلح يهدف إلى التخطيط للحسابات فقط، كما أن الموازنة عبارة عن توقّعات، فيما الميزانيّة نتيجة لما تمّ إنفاقه فعليًا نتيجة لخطة الموازنة التي تم وضعها. لذلك يجب أن يكون المجلس النيابي في نقاش لميزانية 2022 ومشروع موازنة 2023. عندما لا تُقَرّ الموازنة في الوقت المناسب، نصبح أمام تشريع للانفلات والتفلّت في الإنفاق من دون حسيب أو رقيب.
عدم الاتفاق على خطّة تعافٍ تعالج الأزمات التي يتخبط فيها المواطن اللبناني كل يوم. التركيز المستمر على أموال المودعين في أي خطة تعافٍ تُطرح من قبل الحكومة هو دلالة على فشل متعمد في إدارة الأزمة، لأنها تتركز على كيفية هروب مكونات الطبقة السياسية من مسؤوليتها تجاه كلّ الأموال التي أهدرتها.
إقرار تعديلات قانون السرية المصرفية لتحصين الفاسد وإعطائه الذخيرة للهروب من المساءلة والمحاسبة.
الوقوف سداً مانعاً أمام إقرار الإصلاحات التي تمّ الاتفاق والموافقة عليها بين الحكومة وفريق عمل صندوق النقد الدولي في الاتفاق المبدئي (Staff-Level Agreement).

وهناك الكثير من الوقائع التي تضع الطبقة السياسية، ومن دون أيّ شك، في قفص الاتهام. المودعون ليسوا بحاجة إلى جمعية مصارف لبنان لتبيان ما هو واضح وضوح الشمس. والترابط والتناغم في فشل السلطة السياسية الواضح في النقاط آنفة الذكر أمر متعمّد لتحصينها من أيّ مساءلة ممكنة، وبذلك استبعادها عن المحاسبة. تقاذف الاتهامات بين الطبقة السياسية والمصارف هو العنوان الأكبر والأهم في استراتيجية التواصل عند جمعية مصارف لبنان منذ انطلاق الأزمة.

كمتابع ملتزم لمجريات الأمور مصرفياً ونقدياً، أقرأ بيانات جمعية مصارف لبنان وكأن مَن أعدّها لا يتابع من كثب مجريات الأمور، خصوصاً على الصعيد المصرفي. جمعية مصارف لبنان لا تبادر أو عاجزة عن المبادرة؛ وهنا أحكم على الأفعال والأعمال وليس على النوايا. الحدّ الأدنى من التواصل الإيجابي والشفافية والموضوعية بين إدارات المصارف ومودعيها مفقود كلياً! هذا الواقع بات يسبّب الكثير من الأذى للقطاع المصرفي، خصوصاً للمصارف القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد؛ سوف أطلق عليها اسم المصارف المؤهَّلة. نعم، هناك مصارف مؤهلة ومصارف غير مؤهَّلة، وآن الأوان لإظهار هذا الواقع المرّ. مرارة الحقيقة أجمل وأوفر من حلاوة النفاق!

في كل محطة، تتحوّل قرارات مصرف لبنان و/أو خطة الطبقة السياسية إلى مشروع فتنة بين المصارف والمودعين. هكذا كانت في البداية، وهكذا هي اليوم، والسبب هو أن القيّمين على جمعية مصارف لبنان أو/و المصارف التجارية في لبنان ما زالوا مقيمين في زمن تشرين 2019، وهذا هو الإنكار الكبير!

إلى المصارف المؤهّلة: تحرّروا وانتفضوا واستنفروا قدراتكم ووظّفوها في ترميم الثقة بينكم وبين زبائنكم. ما ينتظركم إن نجحتم:

سوف يطمئن المودع على أمواله تحت رعايتكم، وسوف يتوقف عن المطالبة الفورية بتحريرها.
الأوراق النقدية المحفوظة في الخزنات الحديدية في المنازل سوف تجد طريقها من جديد إلى مصارفكم.

الحسابات الفريش (الحديثة) المفتوحة تحت أحكام التعميم الأساسي لمصرف لبنان رقم 150.
العودة إلى المصارف والابتعاد عن شركات الصيرفة لطلب الخدمات المالية، وفرص ذهبية للحصول على كمّ وافر من العمولات من خلال تعزيز الخدمات المصرفية والعودة إلى الاعتماد على وسائل الدفع المتاحة عبر المؤسسات المصرفية.
وهناك الكثير من الفرص والمنفعة للاقتصاد اللبناني للتعافي والنهضة إذا سارعت هذه "المصارف المؤهلة" إلى إطلاق عجلة ترميم الثقة بينها وبين مودعيها.

يجب أن تكون أموال المودعين نقطة للتلاقي عوضَ جعلها نقطة اختلاف في مقاربة التعافي الاقتصادي في لبنان! وقبل الكلام عن مصير الودائع في المصارف التجارية العاملة في لبنان، يجب الحديث (والاهتمام بـ) مصير هذه المصارف. الممر الإلزامي للاطمئنان على الودائع هو سلامة القطاع المصرفي (وليس سلامة كل المصارف).
 
الأزمة هي أزمة مالية مع تداعيات سلبية على القطاع المصرفي والأكثر تأثراً بذلك هو المودع وأموال المودعين. وامتناع السلطة الحاكمة لسنوات عن اتخاذ القرارت الضرورية لإصلاح المالية العامة والدولة زاد في تفاقم الأزمة وتعقيدها، وقريباً استحالة إيجاد حلول لها. المكان المناسب للودائع هو في القطاع المصرفيّ والماليّ وليس في داخل الخزنات الحديدية في المنازل. الكلام عن "استرجاع الودائع" أو/و "تسديد الودائع" هو كلام باطل اقتصادياً، ويفتقد إلى المنطق السليم والموضوعيّة.
 
 خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد*

 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم