الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

هدية رأس السنة... عدن والاتجاه المعاكس!

المصدر: "النهار"
انفجار عدن.
انفجار عدن.
A+ A-
 
هادي جان بو شعيا
ما زالت تداعيات مجزرة مطار صنعاء "السياسية" تتصاعد على الصعد كافّة. وخسائرها البشرية ما زالت مرشحةً للارتفاع بعدما تجاوزت 130 ضحية بين قتيل وجريح، بحسب وزارة الصحة اليمنية.
وبينما أشار كثيرون بأصابع الاتهام إلى الحوثيين، نأى الأخيرون بأنفسهم عن الهجوم. فلمصلحة مَن قُصف المطار بالتزامن مع وصول أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة، المنبثقة عن اتفاق الرياض بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي؟
فيما نشرت الخارجية اليمنية معلومات جديدة عن الهجوم، تفيد بأنه نُفّذ بأربعة صواريخ باليستية من منطقة الجند، الواقعة تحديداً شمال شرق مدينة تعز، وهي منطقة تخضع لسيطرة الحوثيين. إذاً لماذا يُصرّ الأخيرون على التنصّل من مسؤوليتهم عن الهجوم؟
المضحك، وما يدعو للسخرية، هو خروج بعض الأصوات الموالية لحكومة صنعاء والحوثيين، تتذرّع بحجة أنهم لا يكذبون لو قاموا بهذه العملية أو حتى سواها. فضلاً عن ذلك، تقول هذه الأصوات بأنّ الحوثيين لا يستهدفون ولم يستهدفوا في أيّ وقت مضى أماكن تصنّف مدنية. لا بل ذهبت بعيداً في مقاربتها "الملائكية"، لتتبجّح بأنّ ذلك يأتي في سياق افتراء وتضليل للرأي العام المحلي والدولي، وتصفها بالعمل الإرهابي الجبان والكيدي الخبيث للنيل من "عفافة" حكومة صنعاء.
لكن السؤال هنا: هل تمتلك حكومة صنعاء أدلّة تبرّئها من هذه الجريمة؟
جيّد، بالعودة إلى مسألة أنّ جماعة الحوثيين لا تكذب، فنقّادها وخصومها ينتقدونها وقتما كذبت بتبنّيها الهجمات التي استهدفت (أرامكو) ومنشآتها شرقي المملكة العربية السعودية بـ 19 صاروخاً. إذاً ما هو تبريرهم لهذه التباينات في المواقف ونفْيِهِم للتدخل الإيراني في الساحة اليمنية؟
هناك من يرى أنّ العملية تزامنت تقريباً مع مرور الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. ألم تردّ إيران، في أكثر من مناسبة، من خلال أذرعها في المنطقة، ولعلّ الحوثيين إحدى أبرز هذه الأذرع؟
شرح بسيط لمنطق تحليل الصراعات، يقودنا إلى أنّ محاولة نسف الاتفاق الجديد. والاستهداف الأخير ينطوي على مفارقة أكثر من كونها حيوية، هي متى يتمّ الفصل بين ما تريده المليشيات المسلّحة والحركات السياسية، أو ما تعرف بالـ Proxies أو وكلاء إيران في المنطقة؟ مما لا شك فيه أنّ الحوثيين محسوبون على إيران، إلا أن السؤال هنا متى يتّخذ الحوثيون مبادرتهم بأنفسهم ومتى يستجيبون لأوامر طِهران؟
اللافت في كل ما سبق ذكره أنّ اليمن، شأنه شأن العراق، تحوّل إلى ميدان عمليات على حدّ وصف المثل الأفريقي؛ كلّما تطاحنت الفيلة فإنّ العُشْبَ هو الذي يتضرّر. بمعنى أنّ أرضَي العراق واليمن تتلقّيان نتاج الصراع الطاحن والمتصاعد بين أميركا وتحفيزات إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى.
لذلك لا بد من التريّث قليلاً، ريثما تتكشّف قرائن جديدة تدين الحوثيين، وكذلك حتى يتبيّن ما إذا كان تحرّكاً قسريّاً، أي بإيعاز إيراني، أم طوعيّاً بمثابة هدية رأس السنة الجديدة لإيران.
في الآونة الأخيرة، أصبح مقياس التوتر في منطقة الخليج مرتبطاً بالتحرّكات العسكرية الأميركية في المنطقة. ففيما يقرّر الأميركيون سحب حاملات طائرات استراتيجية من مياه الخليج، تعود القاذفات القادرة على إلقاء القنابل النووية للتحليق في سماء المنطقة مجدداً.
كما أنّه بين التهديد وخفض التصعيد، يدور خلاف في الدوائر العسكرية الأميركية بحسب "سي إن إن"، عن إرسال إشارات التحذير لإيران من عدمها. ولكن ما هو الحدّ الفاصل بين التحرّكات الروتينية العسكرية وتلك التحذيرية الأميركية؟!
ولعلّ دعوة البنتاغون لسحب الطائرات من خليج عدن، ودعوتهم للعودة إلى الولايات المتحدة الأميركية بنيّة خفض التوتّر مع إيران بعد 24 ساعة فقط على قصف مطار عدن، رأى مراقبون كثر في هذه الخطوة تفادياً أميركيّاً لـ"قشرة موز" لربما وُضعت في طريقها!
المفارقة الآن تتجلّى في التعقيدات التي تضفيها التدخلات الإيرانية لبسط نفوذها في المنطقة، ما يصعّب مسار التسوية. وما يزيد الأمور تعقيداً الأطراف من غير الدول أو الجماعات التي تعرف بـ non-state actors كالحوثيين وغيرهم في الشرق الأوسط، الذين يصبحون عامل تصعيد إضافيّاً قد لا تستطيع، في كثير من الأحيان، القوى الإقليمية أو الدولية التحكم فيه. لذلك نرى أنّ هناك خطّين متوازيين كالحشد الشعبي والمليشيات المسلّحة في العراق تناصر إيران، فضلاً طبعاً عن الحوثيين وغيرهم ممن يتعاطفون مع إيران داخل اليمن.
خلاصة القول أنّ هاتين المجموعتين في كل من العراق واليمن تمسكان، إلى حدّ بعيد، مفاتيح اللعبة سواء باتجاه مزيد من التصعيد وضربات إضافية إلى الأمام أو بالعودة إلى منطق الهدنة. لكن مع الأسف الشديد، ينذر السيناريو اليمني حاليّاً بمصير أسوأ. وعلى حدّ قول الفيزيائي إسحاق نيوتن لكلّ فعل ردّ فعل في الاتجاه المعاكس.
صحافي وكاتب لبناني

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم