الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني قرار عدم اعتبار الشيك وسيلة لإبراء ذمّة المصرف؟

تعبيرية (حسام شبارو).
تعبيرية (حسام شبارو).
A+ A-
المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر*
 
في 30/11/2021 اتخذت رئيسة دائرة تنفيذ بيروت القاضية مريانا عناني قراراً فريداً من نوعه في لبنان، بالأحكام التجارية/ والتنفيذ مسجّل تحت الرقم 54/2021، أشارت فيه الى انّ "ردّ الوديعة بموجب شيكات مصرفيّة لا يبرّئ ذمّة المصرف كون هذه الطريقة لا تحقّق للمودعين راهناً الإيفاء الفعلي، اذ يتحمّل المصرف في علاقته مع المودع مسؤولية الإخلال بتنفيذ موجباته التعاقدية، إن المرتبطة مباشرة بتنفيذ العملية المصرفية المطلوبة منه كإجراء التحويلات المصرفية، او لجهة ما يتعلق بالموجبات المهنية المفروضة على المصارف من عدم الاخلال بموجب السلامة الائتمانية وضرورة تأمين السيولة اللازمة لمؤونة الشيكات، الى المحافظة على حقوق المودعين واموالهم، وضرورة إعادة الوديعة لأصحابها بالطريقة التي تحقّق لهم الايفاء الفعلي ولا تلحق بهم ايّ ضرر او تؤدّي الى حرمانهم من الحصول فعلياً على اموالهم او استعمالها واستثمارها بشكل منتج. وتالياً انّ المسؤولية الناشئة عن عدم تأمين السيولة انّما يتحملها المصرف الساحب مع المسحوب عليه مصرف لبنان، ولا مجال للمصرف الممتهن ان يتذرّع بالظروف الاستثنائية كون المحافظة على مصلحة المودعين والاقتصاد الوطني لا يتمّ عبر تحميل المودع تبعات أزمة لم يكن له ايّ دور فيها".
 
وتصويباً للنقاط التي أُثيرت بشكل مغلوط لاسيّما تلك المتعلّقة بمدى اعتبار الشيك وسيلة إيفاء من عدمه حال تسديد دين لا يتصل بحكم ردّ وديعة مصرفية، نوضح الآتي:
 
أوّلاً: اعتبر القرار انّ تحويل الأموال الى الخارج هو حقّ للمودع تجاه المصرف، وايّ تقييد له يشكل خرقاً للمبادئ القانونية ومنها حق الملكية ومبدأ حرية حركة رأس المال المنصوص عليهما في مقدمة الدستور اللبناني، كما وللاعراف المهنية المصرفية، وتالياً فإن موجب تحويل المال الى الخارج هو موجب مفروض على المصارف وليس خياراً او حقاً تمارسه باستنسابية ( وفي هذا يعتبر القرار موضوع التعليق منطلقاً في تحقيق مسؤولية المصارف عن الاموال التي هربت منها اثناء الازمة وبصورة مجافية للقانون).
 
ثانياً: لأوّل مرّة نرى قراراً قضائياً يستند الى مفعول إتفاقية جنيف الدولية للشيك الصادرة بتاريخ: 19/3/1931، وهذا أمر إيجابي ويدل على انّ قضاة بلادي يُعوّل عليهم لتحقيق نهضة البلاد، لاسيّما وانّ هذه الإتفاقية قد وافق عليها لبنان الدولة الفرنسية المنتدبة في حينه ومن موادها جرى الاستناد الى احكام الشيك وأدمجت بالنص التشريعي الداخلي؛ وهي أكّدت على انّ الشيك وسيلة للتداول الخارجي، وبذلك فقد سقط الزعم غير القانوني المساق من المصارف بأنّ الشيك هو وسيلة للتداول الداخلي فقط؛ وبالتالي فإن القرار قد سلخ القانونية عن تلك العبارة التي تضعها المصارف على متن الشيك وهي "to be cleared only in Lebanon " لان الشيك وسيلة تداول خارجية بحكم القانون، وهذا أمر على قدر عالٍ من الأهمية .
 
ثالثاً: اعتبر القرار وسنداً لأحكام المادة /444/ من قانون التجارة انّه وان كان الشيك وسيلة للايفاء الّا انّه لا يبرّئ ذمة ساحبه الاّ عند قبض قيمته، وتالياً فإنّ القرار لم ينفِ عن الشيك هذه الخاصية التي يتمتع بها، ولكنّه اعتبرها معلقة على شرط قبض القيمة لكي يعتبر ايفاءً تاماً؛ اي انّه اعتبر ان ردّ الوديعة المصرفية بموجب شيك امر لا يستقيم قانوناً لأنّ الساحب والمسحوب عليه الممتهنين أصول العمل المصرفي يقع عليهما موجب تأمين المؤونة بعكس حكم ايفاء الدين العادي بين العامة؛ وبالتالي فإنّ القرار وبرأينا لم يشمل عمليات الايفاء التي تحصل بموجب شيك بين دائن ومدين ليس بمصرف. وللتوضيح يقتضي التفريق بين حالتين
 
- الحالة الاولى: تطبّق على واقع الوديعة المصرفية التي تسدّد للمودع من قبل المصارف بموجب شيك وهنا اعتبر انّ الايفاء لا يحقّق مبتغاه بسبب انّ الأزمة الراهنة قد أدت الى حرمان المودع من استلام وديعته نقداً بفعل المصارف، وفي ذلك تحقيق لكُنه العدالة التي تأبى ان يستفيد مفتعل الأزمة من تداعيات ما حققت يداه.
 
- الحالة الثانية: تتعلق بايفاء دين من قبل العامة بموجب شيك وهنا برأينا يبقى الشيك وسيلة ايفاء قائمة بمفاعيلها كافة.
 
رابعاً: انّ عملية الايفاء عبر اتّباع نظام القيد في الحساب لا تبرئ ذمّة المصرف إلّا في حال موافقة حامل الشيك اوالمستفيد منه اي ان تكون العملية مساقة وفقاً لإرادة صاحب الحساب التي إتجهت دون اكراه لقبولها والّا فإنّ الايفاء لا يتحقق من المصرف الّا نقداً، هذا عدا عن القيود المفروضة من المصارف راهناً والتي ترفض اساساً فتح حسابات بشيكات.
 
خامساً: انّ مسؤولية عدم توافر المؤونة في حالة الشيك المسحوب على مصرف لبنان تبقى واقعة على عاتق المصرف المسحوب عليه اي مصرف لبنان (وهنا نذكر بجرم المادة الرقم : /666/ من قانون العقوبات اللبناني)، وكذلك على الساحب (المصرف المحجوز عليه) كونه متكفّلاً بالايفاء قانوناً، وتالياً ارتكز القرار على اخطاء المصرف التعاقدية وكذلك شبه الجرمية لتحميله مسؤولية الضرر الناتج عن عدم استحصاله لتاريخه على قيمة وديعته.
 
سادساً: انّ عملية النهوض بالاقتصاد الوطني لا تتمّ عبر تحميل المودع وزر أزمة لم يكن له يد فيها، بل من خلال طمأنة المودع في المصارف اللبنانية وعدم هدر حقوقه واستعمالها لتمويل رأس مالهم؛ باختصار عملية النهوض تتحقق بإعادة عامل الثقة التي لا تستقيم الّا بردّ الحقوق إلى أصحابها.
 
سابعاً: فرض هذا القرار معادلة جديدة تتلخص بأنّه وطالما لا تستطيع المصارف ايفاء ودائع الناس، ستبقى املاكهم وعقاراتهم محجوزة.
 
وبذلك يكون هذا القرار في أهميته أشبه بقرار صادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
 
 
* متخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم