السبت - 27 تموز 2024
close menu

إعلان

انتخابات تايوان تضع السلام العالمي على المحك...

المصدر: "النهار"
الانتخابات في تايوان.
الانتخابات في تايوان.
A+ A-
بقلم إيمان درنيقة الكمالي
أستاذة جامعيّة - باحثة سياسيّة
 
لم تكن الانتخابات الرّئاسية التي أُجريت في تايوان في 13 كانون الثاني 2024 مجرّد استحقاق اختار من خلاله الناخبون التايوانيون رئيسهم ومجلسهم التشريعي المقبلين فحسب، بل "بوصلة" لتحديد مسار العلاقات بين الولايات المتّحدة والصين على مدى السنوات المقبلة. وقد عبّر عن ذلك الرئيس الصيني "شي جي بينغ" حين قال إنّها "اختيار بين الحرب والسلم".
 
لقد كانت هذه الانتخابات الأكثر تنافسيّة، إذ إنّها وقعت بين ثلاثة مرشّحين، هم "لاي تشينغ-تي" من الحزب التقدمي الديمقراطي، الذي يمثّل استقلال تايوان، و"هوي يو-يه" من حزب الكومينتانغ المعارض الذي يدعو إلى توثيق العلاقات مع الصين، إضافة إلى المرشح الثالث "كو وين-جي"، وهو من حزب الشعب التايواني؛ وقد حسم "لاي" المؤيّد لاستقلال الجزيرة السباق لصالحه.
 
فهل يشكّل فوز "لاي تشينغ-تي" المؤيِّد لاستقلال تايوان "ضربة" لسياسة الصين في إعادة توحيد الجزيرة؟ وما هو أثر نتيجة الانتخابات التايوانيّة على العلاقات "الصينية - الأميركية" بشكل خاص، و"الاقتصاد" و"السلام" العالميين بشكل عام؟
 
لطالما كانت "تايوان" مهمّة بالنّسبة للصين، التي تعتبرها جزءًا منها، وترى أنه لا بدّ من أن تستعيدها "سلمًا أو حربًا"، وكثيراً ما تجري مناوراتٍ عسكرية في مضيق تايوان. كذلك ترى أنّ توحيد الصين مع تايوان، وفق ما صرّح به الرئيس الصيني شي جي بينغ، هو "أمر حتمي". وهذه الحتميّة ازدادت جديّتها في ظلّ الضعف الاقتصادي الذي تشهده الصين حالياً، وفق ما أظهرت بعض البيانات استمرار تباطؤ الاقتصاد الصيني، أوّلها مؤشّر أسعار المستهلكين Consumer Price Index، الذي أكّد أن هناك حالة انكماش لثلاثة أشهر على التّوالي مقارنةً بالسنة الماضية؛ الأمر الذي لم يحصل منذ 14 سنة أي منذ العام 2009، مما يشكّل خطورةً كبيرةً على الصين، في الوقت الذي انخفضت صادرات الصين، في العام 2023، بنسبة 4.6% منذ عام 2016.
 
ولعلّ تراجع الاقتصاد الصيني يعود إلى الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتّحدة الأميركية على الأسواق التجارية، والتي تقيّد من خلالها حركة التجارة مع الصين. وقد بدأت هذه الحروب في عهد الرئيس ترامب، واستمرّت مع الرئيس بايدن، تحت مسمّى سياسة الـ"Derisking"، أي العمل على نقل سلاسل التوريد إلى الأصدقاء والحلفاء لتقليل وتقويض دور الصين.
 
وفي ظل هذا الواقع، أصبحت السيطرة النهائية على الجزيرة أمراً حيويّاً لأمن الصين القومي.
 
وبقراءة موضوعيّة لنتائج الانتخابات في تايوان، فإنّ الفائز "لاي" لم يحقق "النّصر العظيم"، ذلك لأنّه حصل على نسبة 40.05% فقط من الأصوات. ومقارنة مع نتائج الانتخابات في دورتي 2016 و2020، كان مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي يتقدّم على مرشح حزب الكومينتانغ بأرقام مضاعفة؛ وهذا إن دلَّ على شيء، فإنّما يدلّ على تزايد الدّعم الشعبي في تايوان للحزب الذي يفضّل توثيق العلاقات مع الصين، وعلى تزايد مخاوف الولايات المتّحدة من أن "تايوان"، ومضيقها، وبحر الصين الجنوبي، تبتعد أكثر عن قبضتها. كما أنّ نيل الحزب الديمقراطي 51 مقعداً في المجلس التشريعي المكوّن من 113 مقعدًا يدلّ على أنّ الحزب الديمقراطي التّقدمي لن يتمتّع باليد العليا التشريعيّة.
 
من ناحية ثانية، إنّ انخفاض مقاعد حزب الكومينتانغ البالغ عددها 52 مقعداً (دون عتبة الـ57 مقعداً) يظهر أن النظام السياسي في تايوان سيكون أكثر تشرذماً مما كان عليه منذ العام 2008، ممّا سيكون له عواقب وخيمة على الكيفيّة التي ستتفاوض بها تايوان مع كلّ من الولايات المتحدة والصين.
 
ومع هذا، فقد كانت الصين متخوّفة كثيراً من فوز "لاي"، وسعت في الأسابيع التي سبقت الانتخابات لأنّ تتدخّل عسكرياً عن طريق إرسال طائرات عسكريّة وسفن وبالونات عبر مضيق تايوان، فضلاً عن تشويه سمعة "لاي" ووصفه بأنه "مدمّر للسلام"، ومحرّض كبير أو trouble maker.
 
فكيف تتلقّف اليوم الصين نتيجة فوز "لاي"، خاصّة بعد أن تخلّى الرئيس بايدن عن الغموض الاستراتيجي، الذي حافظت عليه الولايات المتحدة طويلاً بشأن تايوان، وصرّح مرارًا وتكرارًا بأنّ الولايات المتحدة ستأتي للدفاع عن تايوان إن تعرّضت للهجوم؟ وهل تقبل الصين النتيجة "بطيب خاطر"، وهي التي قامت بتدريبات ضخمة بالذخيرة الحيّة بمجرّد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي للجزيرة في آب 2022؟
 
 
لا شك في أنّ لانتخابات تايوان 2024 تبعات خطيرة على الأميركيين الذين يتدخّلون في الصّراع بين الصين وتايوان. وقد عرضت صحيفة Bloomberg Economics الأميركية عدّة سيناريوهات محتملة بعد فوز "لاي".
 
السيناريو الأوّل: لو حصل غزو صيني لتايوان، فالاقتصاد العالمي برمّته سوف يتأثر، لأن لتايوان أهمية فائقة في الاقتصاد العالمي، والبعض يصفها بـ"المسمار الذهبي". وقد بلغت صادراتها في العام 2023 حدود 368 مليار دولار.
كذلك هي دولة تتحكّم بـ60% من أشباه الموصلات في العالم، وبـ90% من أشباه الموصلات الأكثر تطوّراً. وبالتالي، إن قَطعت تايوان علاقاتِها بالعالم، فسيُصاب الاقتصاد العالمي كلّه بالشّلل، وسيفقد نحو 10 تريليونات دولار، (أي ما يساوي 10% من حجمه)، بعد الأخذ بالاعتبار عدّة عوامل كانقطاع أشباه الموصلات الّتي تنتجها تايوان، وتوقّف حركة الشحن في البحر، وتعرّض الصين لعقوبات تجارية أميركية. كما سيؤدي ذلك إلى انكماش في اقتصاد تايوان بنسبة 40%، واقتصاد الصين 17%، وأميركا 7%.
 
أمّا السيناريو الثاني، وفق "بلومبورغ إيكونوميكس"، فهو أن تفرض الصين حصاراً يستمر لعام.
وفي هذه الحالة، فإنّ الاقتصاد العالمي سينكمش بحدود 5%، إضافة إلى الآثار التي تترتّب على ذلك، والتي تكون مرتبطة بمدّة الحصار وردّة فعل أميركا.
 
وفي كلتا الحالتين، فإنّ الهجوم الذي من المحتمل أن تشنّه الصين على تايوان المدعومة من الولايات المتحدة يشكّل أخطر تهديد في يومنا هذا، وتفوق تداعياته أزمة كوفيد، والأزمة الاقتصادية العالمية، بل حتى غزو روسيا لأوكرانيا.
 
ومع ذلك، يبدو أنّ "لاي" حريص على تأمين السّلام؛ ففي "خطاب النّصر" ، أكّد "لاي" مسؤوليته عن حماية السلام والاستقرار عبر المضيق، كما أشار إلى الانفتاح على الحوار مع الصين في ظلّ مبادئ الكرامة والتكافؤ.
 
وهكذا، فإنّ الكرة الآن في ملعب بيجينغ...
فهل تستطيع الصين، من دون أن تتخلّى عن مطالبها وأهدافها، التصرّف بحكمة وعملانية في سعيها إلى تحقيق السلام والاستقرار، أم تتخلّى عن الثّقة و"حسن النيّة" التي اكتسبتها "بشق الأنفس" وتنخرط في ردّ فعل عدواني على الانتخابات؟
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم