الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل أسقطت الصين روسيا في فخّ أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، شباط 2022 - "أ ف ب"
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، شباط 2022 - "أ ف ب"
A+ A-

بمقدار ما  تتوجّه أنظار المراقبين إلى عواصم القرار الغربية لمعرفة الخطوات التي تتّخذها من أجل دحر القوات الروسية عن أوكرانيا، أو على الأقل من أجل دفع روسيا إلى وقف التصعيد والمسارعة إلى مفاوضات جدّيّة، يراقب هؤلاء بكين لمعرفة سياستها الأوكرانية. رأى البعض أنّ الصين هي اللاعب الوحيد القادر على إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخفض التصعيد بالنظر إلى ما لها من تأثير جيوسياسي على موسكو وما لها من مصالح في أن تبرز نفسها كدولة مسؤولة على المسرح العالميّ.

 

وللصين أيضاً مصالح اقتصادية وأمنية مع أوكرانيا خصوصاً وأوروبا عموماً قد تدفعها إلى اتّخاذ القرار "الجريء" في الضغط لوقف آلة الحرب الروسية. 

 

ليست سياسة الصين تجاه الأزمة الأوكرانية واضحة بعد. في وقت بدا البيان المشترك بين الرئيسين شي جينبينغ وفلاديمير بوتين في فبراير دعماً صينياً لمخاوف روسيا من "حلف شمال الأطلسي"، يتبيّن أنّ روسيا غير مستعدة إلى الآن لحماية جارتها الشمالية من العقوبات، مع إعلان بنوك صينيّة الامتناع عن التعامل المالي مع روسيا. طبعاً، لا تزال مواقف بكين الإعلامية مؤيّدة لموسكو ومنتقدة للغرب بوصفه "استفزازياً". لكنّ روسيا تحتاج حالياً إلى الأفعال أكثر من الكلمات. قد يكون أحد المؤشّرات إلى ذلك قول مسؤولين أميركيين إلى صحيفة "فايننشال تايمز" إنّ روسيا طلبت من الصين أن ترسل لها تجهيزات عسكرية ومساعدات أخرى منذ بدء الاجتياح. ونقلت الصحيفة عن شخص آخر مطّلع على الوضع قوله إنّ واشنطن كانت تستعدّ لتنبيه حلفائها وسط بعض المؤشّرات إلى أنّ الصين قد تكون مستعدّة لمساعدة روسيا. ردّ الناطق باسم الخارجيّة الصينية واصفاً المعلومات بـ"المضللة" من جانب واشنطن. ويبدو أنّ بكين قد لا تلجأ إلى هذه الخطوة. "الصين ليست طرفاً في الأزمة، ولا تزال ترغب بأن تتأثّر بدرجة أقلّ بالعقوبات". هذا ما قاله وزير الخارجية الصيني وانغ يي الثلاثاء خلال اتصال هاتفيّ مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس.

 

عن فرضيّة "التشجيع"

في وقت ينتظر العالم تبلور موقف صينيّ أكثر وضوحاً من الغزو الروسيّ لأوكرانيا، برز تحليل لافت عن أنّ الصين كانت تراهن منذ البداية على هزيمة روسية كبيرة في أوكرانيا. كانت تلك قراءة كسابا بارناباس هورفاث في موقع "جيوبوليتيكال مونيتور" وقد ذهب أبعد من ذلك حتى ليشير إلى أنّ الصين ربّما شجّعت روسيا على مهاجمة أوكرانيا ثمّ سحبت دعمها بعد بدء الحرب.

 

استند هورفاث إلى التاريخ المضطرب للعلاقات بين البلدين بدءاً من معاهدتي أيغون وبكين (1858-1860) التي ترى الصين أنهما سلبتاها المنطقة المعروفة باسم "منشوريا الخارجية" في شمال شرق البلاد. ولعلّ فلاديفوستوك الروسيّة أبرز مدن تلك المنطقة. وكانت مونغوليا وجمهورية توفان الروسية جزأين من الصين حتى سنة 1911 قبل أن تدعم روسيا استقلالهما بحكم الأمر الواقع مع استخدام مونغوليا كمنطقة عازلة في مواجهة الصين. لاحقاً وسّع البلاشفة حكمهم نحو تلك البلاد وتوفان أيضاً التي ضمّتها موسكو بعد الحرب العالمية الثانية. ويذكّر الكاتب بخوض الدولتين حرباً حدوديّة وجيزة سنة 1969 حول المناطق التي تخلّت عنها الصين وفقاً للمعاهدتين. ولم تتحسّن العلاقات إلّا بعد انهيار الاتحاد السوفياتيّ أي بعدما أصبحت روسيا "ضعيفة بما يكفي" للسعي إلى صداقة الصين.

 

تابع هورفاث أنّ انتصاراً روسياً في أوكرانيا لن يصبّ في مصلحة الصين. عبر رفع عدد سكان الاتحاد الاقتصاديّ الأوراسيّ التي تشكّل روسيا رافعته من 185 مليوناً إلى 226 مليوناً، وعبر تعزيز موقع روسيا تجاه حلف شمال الأطلسي من خلال إزالة دولة عازلة من 41 مليون نسمة عن حدوده، تصبح روسيا أقوى ممّا كانت عليه قبل الحرب وأقرب إلى إعادة تأسيس ما يشبه اتحاداً سوفياتياً. بذلك، ستكون موسكو أقلّ رغبة بالتعاون مع الصين وأكثر ميلاً للسعي إلى فرض أجندة خاصة بها كقوة عظمى يمكن أن تضرّ بالمصالح الصينية وتموضع نفسها كلاعب ثالث مساوٍ لواشنطن وبكين عوضاً عن أن تكون حليفاً للصين. وبالعكس، إنّ خسارة روسيا ستؤدّي إلى جعلها شريكاً صغيراً للصين إن لم يكن دولة تابعة لها.

 

نقاط ضعف الفرضيّة

لن يكون هورفاث المحلّل الأوّل ولا الأخير الذي يرى ارتياباً صينياً من روسيا، خصوصاً أنّ التاريخ يدعم هذه الفرضية إلى حدّ كبير. بطبيعة الحال، ثمّة من يجد أنّ المصلحة المشتركة في مواجهة الولايات المتحدة أكبر من المظالم التاريخية. لكن يمكن تلمّس مبالغة في الاعتماد على هذا العامل لطمس عوامل الخلافات الكامنة في العلاقة الثنائيّة. فعلى الرغم من التوتّرات الجيوسياسيّة التي لن تحلّ في أيّ وقت قريب مع الولايات المتحدة، يبقى أنّ الأخيرة لم تسلب الصين قرابة 2.6 ملايين كيلومتر مربّع من أراضيها كما فعلت معاهدتا أيغون وبكين اللتان ترى الصين بالحدّ الأدنى أنّهما غير منصفتين.

 

مع ذلك، قد يكون هورفاث المحلّل الأوّل الذي يعتقد أنّ الصين ربّما شجّعت روسيا على الحرب من أجل إضعافها. لكن ما يمكن أن يدحض هذه الفرضيّة هو صعوبة توقّع أن تكون الصين على علم مسبق بمكامن ضعف روسيا الحربيّة وبقدرة أوكرانيا على صدّ أو استنزاف روسيا عسكرياً. لقد فاجأت أوكرانيا العالم كلّه بما فيه الاستخبارات الأميركيّة بقدرتها على الصمود. في وقت توقّع المجتمع الأمنيّ الأميركيّ سقوط كييف في أربعة أيام، يبدو أنّ كييف في طريقها إلى الصمود لما لا يقلّ عن أربعة أسابيع، وهو صمود يترافق مع ضربات كبيرة تلقّاها الجيش الروسيّ منذ انطلاق الغزو. يصعب توقّع أن يكون للاستخبارات الصينيّة معرفة مسبقة بهذه التطوّرات. على العكس من ذلك، ثمّة من يعتقد أنّ الصين فوجئت بالعمليّة العسكريّة الروسيّة وأنّها كانت تجد في المعلومات الغربيّة عن حرب روسيّة على أوكرانيا مجرّد تهويل.

 

وثمّة فرضيّة ثالثة تشير إلى أنّ الصين تلقّت إخطاراً روسيّاً بالحرب لكنّها توقّعت، كما روسيا وسائر دول العالم، أن تنتهي العمليّة العسكريّة بفوز روسيّ سريع. وهذا ينقض فكرة هورفاث بأنّ بكين شجّعت موسكو على الحرب بما أنّ الأخيرة ستنتهي بفوز روسيا وتشكيلها قوّة ثالثة مساوية للصين والولايات المتحدة. في جميع الأحوال، وأيّاً يكن موقفها قبل بدء الغزو الروسيّ وخلال الأيام الأولى على انطلاقه، قد لا تكون الصين حزينة جداً لغرق روسيا في "المستنقع" الأوكرانيّ. إنّ عالماً بقطبيّة ثنائيّة – لو تحقّق – يظلّ أفضل للصين من عالم متعدّد الأقطاب يُحتمل أن يكون أقلّ استقراراً لنموّها الاقتصاديّ.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم