الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

في يوم البحر المتوسط: ماذا عن دور لبنان في سوق أنظمة الهيدروجين للاعوام العشر المقبلة؟

أمواج البحر المتوسط (تعبيرية- نبيل اسماعيل).
أمواج البحر المتوسط (تعبيرية- نبيل اسماعيل).
A+ A-
المهندس بيار الخوري، امين سر مجلس الطاقة العالمي- فرع لبنان
رئيس ومدير عام المركز اللبناني لحفظ الطاقة
 
يصادف يوم 28 تشرين الثاني2021 الاحتفالية الاولى بـ"يوم البحر المتوسط" والتي اطلقها "الاتحاد من اجل المتوسط". وتحمل هذه المناسبة والدينامية الكبيرة المرافقة لها الكثير من المعاني والرسائل الاستراتيجية عن دور منطقة البحر المتوسط في السنوات المقبلة، ولا سيما بالنسبة الى الاتحاد الاوروبي، اللاعب الاهم في تلك المنطقة اقتصاديا" وثقافيا". ولا شك ان الكثير من التساؤلات والهواجس تحيط بحركة الاتحاد الاوروبي في منطقة المتوسط بالتحديد، انما يبرز قطاع الطاقة كأهم المواضيع المشتركة التي يمكن ان تشكل عامل تلاق، او في حال فشل، عامل تضارب.
 
ولا يخلو لقاء او مؤتمر او اجتماع يعقد حول العالم اليوم من دون التطرق للدور الهائل المنتظر من الهيدروجين Hydrogen في التحول الطاقوي العالمي الاخضر Green Global Energy Transition. ولعل هذه "الفورة" حول اهمية الهيدروجين، وتحديدا" في منطقة البحر المتوسط، تنبعث من الاسئلة المحيرة التي يطرحها العلماء حول العالم اليوم: كيف يمكن لنظم الكهرباء Electricity Systems ان تصل الى نسبة 100% طاقة متجددة في ظل عدم قدرة النظم تلك ان تحافظ على توازنها grid stabilityحتى مع معدلات طاقة متجددة لا تتعدى احيانا" 30%؟
 
وقد سطع نجم الاتفاق الاخضر الاوروبي European Green Deal في سماء النقاشات العالمية حول التحول الطاقوي العالمي الاخضر Green Global Energy Transition، حتى اصبح هذا الاتفاق وساما" يضعه الاوروبيون في اجتماعاتهم العديدة مع قادة دول العالم، لا سيما مع المسؤولين الاميركيين المعنيين مباشرة بقضية التغير المناخي Climate Change. ومما لا شك انه ثمة توجها" واضحا" فرضه الاتحاد الاوروبي من خلال الاتفاق الاخضر ادى لخلق دينامية هائلة حول تكنولوجيا الهيدروجين، ليس في دول الاتحاد الاوروبي وحسب، بل تعداه الى كل دول العالم، وبالأخص بإتجاه منطقة حوض المتوسط.
 
وفي حين تكمن اهمية تكنولوجيا الهيدروجين باعتبارها مصدرا" واعدا" لتخزين الطاقة في المستقبل القريب، وجد العالم نفسه بحاجة الى "سوبرستار" تخزين جديد. وبالاضافة الى تخزين الطاقة، يطمح العالم الى مجموعة استخدامات لتكنولوجيا الهيدروجين، بدءا" بالنقل مرورا" بالصناعات الخفيفة وصولا" الى الصناعات الهائلة الحجم. ومما لا شك فيه ان الاستثمارات المتوقعة لتطوير تكنولوجيات الهيدروجين قد تتخطى عشرات مليارات الدولارات حول العالم، خاصة ان نقل الهيدروجين سوف يعتمد حتما" على شبكات النقل شبيهة بشبكات نقل الغاز الطبيعي. وللمقارنة، تمتد انابيب نقل الهيدروجين حول العالم حاليا" بطول 4,500 كم فيما تمتد شبكات نقل الغاز الطبيعي بطول 3 ملايين كم، وهو مؤشر واضح حول الحاجات المستقبلية في هذا الاطار.
 
ومن الملفت ان الكثير من التغريدات التي تطلقها رئيسة الاتحاد الاوروبي السيدة اورسولا فون دير لاين تشدد فيها على اهمية الاتفاق الاخضر الاوروبي وتحديدا" الدور المرتقب لتكنولوجيا الهيدروجين Hydrogen. ولعل اهم هذه التغريدات قولها "سوف يقوم الاتحاد الاوروبي بالإستثمار في افريقيا من اجل خلق سوق الهيدروجين الاخضر والذي سوف يشد اواصر العلاقة بين الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط". ولا يمكن الا ربط التطوير الممنهج لمشاريع تكنولوجيا الهيدروجين في دول المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا ومصر بمضمون التغريدة للسيدة فون دير لاين، اذ بات من الواضح ان تطوير تكنولوجيا الهيدروجين يتطلب خلق اسواق وشبكات عالمية شبيهة الى حد كبير بالشبكات الحالية للغاز الطبيعي. وتجمع معظم الدراسات والتوجهات العالمية الى ان شبكة النقل الاكثر فعالية والاقل كلفة لتكنولوجيا الهيدروجين هي المرتبطة بمادة الامونيوم Ammonium NH3.
 
واذ يهرول العالم خلف تطوير تكنولوجيات الهيدروجين بكل الوانه- الاخضر المنتج من مصادر الطاقة المتجددة، الازرق المنتج من مصادر الغاز الطبيعي او غيرها مع انظمة احتجاز الكربون وتخزينه، والرمادي والاصفر وغيرها- يبقى التساؤل عن دور للبنان في هذا السباق يقيه شر السبات العميق. فكيف تكون الصحوة؟
 
ثمة فرصة في هذا الاطار امام لبنان للانضمام الى هذه "الصحوة" العالمية، الى هذه الدينامية التي تتزايد كل يوم بعدة اضعاف وتقودها، بشكل او بأخر دول حضارية في مقدمها المانيا. وتتوسع هذه الدينامية لتشمل فرصا" حقيقية لتطوير الصناعة المحلية في داخل الدول، من ضمنها صناعة الأسمدة الفوسفاطیة والصناعات التقلیدیة الغذائیة والزراعیة والأسمنت والمعادن. ولعل المستفيد الاكبر قد يكون قطاع النقل عبر تطویر استعمال الھیدروجین والمیثانول الأخضر في مجال الخدمات اللوجستیة البریة والبحریة.
 
يتميز لبنان بموقعه الجغرافي لا شك، كما يتميز بقدرته على لعب دور ريادي يمكن الاعتماد عليه كنموذج ناجح. ولا بد من التوجه نحو مجموعة محاور للعمل على تطوير خطط الطاقة الوطنية للاخذ بعين الاعتبار الدور المستقبلي للهيدروجين، والسعي لإبرام شراكات استراتيجية مع دول وشركات عالمية متخصصة ولا سيما في حوض المتوسط. كذلك، مع الإنتاج المنتظر للغاز الطبيعي في المياه اللبنانية، قد يكون الهيدروجين الازرق حلا" فعالا" للتحكم بالاسعار لصالح الاقتصاد الوطني. ويبقى انشاء مراكز بحوث متخصصة في تكنولوجيات الهيدروجين وتطبيقاته من بديهيات العمل على المدى الطويل.
 
بوضوح تام، لن يكون هناك لتكنولوجيا الهيدروجين دور واضح ومؤثر في مختلف القطاعات قبل خمس او عشر سنوات في بلد كلبنان، ولن يشعر المواطن العادي بدور وتأثير هذه التكنولوجيا في حياته اليومية قبل عشر او خمسة عشر سنة، لكنه من الضروري بمكان اطلاق التخطيط الصحيح والعمل على وضع الرؤية الوطنية الصائبة بدءا" من اليوم كي لا نصل بعد عشرين سنة ونحن نردد، كما في موضوع الكهرباء اليوم: "يا ريت عنا هيدروجين!".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم