الإثنين - 06 أيار 2024

إعلان

الجنوب اللبناني بين اتفاقية فك الاشتباك أو ربطه

المصدر: "النهار"
اطلاق صواريخ. (تعبيرية).
اطلاق صواريخ. (تعبيرية).
A+ A-
د.جيرار ديب
 
وقعت الغارة الأخيرة عند الساعة 7:45 صباحًا في 14 أغسطس عام 2006 واستهدفت بساتين الأطراف الشرقية لمدينة صور، وبعد 15 دقيقة من هذا القصف دخل تطبيق قرار"وقف الأعمال العدائية" الذي نص عليه القرار 1701 لمجلس الأمن الدولي حيّز التنفيذ. قرار الأمم المتحدة هذا، كان أقرب إلى البنود التي تتضمنها اتفاقية "فك الإشتباك بين متقاتلين"، حيث يلتزم الطرفان وقف الأعمال العسكرية من دون إبرام معاهدات سلام.
 
التهدئة استمرت رغم التحولات الإقليمية الكبرى، ودخول الحزب شرعيًا وعلنيًا إلى جانب محور الممانعة، ورغم القصف الإسرائيلي المستمرعلى مواقع "حزب الله" في سوريا والعراق. صحيح كانت هناك خروقات،ولكنها كانت عبارة عن عمليات مدروسة للحزب في المناطق المفتوحة كمزارع شبعا على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تمامًا كما حصل نهار الخميس الواقع في 6-8-2021، بإطلاق عشرات الصواريخ على هذه المناطق.
 
أرخت اتفاقيات "فك الاشتباك" بظلالها على بعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي، لا سيما تلك التي تجاور حدوده، كمصر وسوريا بعد حرب أكتوبر 1973. إذ كانت أولى هذه الاتفاقيات مع مصر، التي وقعتها في 18 يناير 1974، وقد تم توقيعها في جنيف بواسطة اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس أركان الجيش المصري والجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان الاسرائيلي والجنرال أنزيز سياسسفو عن الأمم المتحدة. ثم أعقبتها اتفاقية أخرى على الجبهة السورية مع النظام السوري في 31 مايو من العام نفسه من جهة الجولان المحتل.
 
بالعودة إلى جبهة الجنوب اللبناني، التي شهدت هدوءًا نسبيًا على مدى أكثر من 15 عامًا، حيث كان الرئيس السابق بنيامين نتنياهو يتجنب التصعيد لانشغالاته الداخلية في الانتخابات وتشكيل الحكومات، ولإعطاء الأولوية في سياساته الخارجية إلى الملف النووي الإيراني، خصوصًا بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن نيته العودة إلى الإتفاق. هذا الأمر أثار حفيظة الإسرائيلي، فجعله من أولى اهتماماته، لهذا تغيّرت معادلة الصراع من الوكيل إلى الأصيل. من الجانب اللبناني أعلنت السلطات اللبنانية أنها ملتزمة بقرار 1701، وترحب بدور قوات "اليونيفيل" في الجنوب.
 
اعتمدت إسرائيل في حربها على الملف النووي الإيراني على العمليات الأحب إلى قلبها، كالاغتيالات، حيث أقدمت على اغتيال علماء ذرة إيرانيين، مثل اغتيال محسن فخري زاده عام 2020، لتنتقل بعدها إلى تغيير في قواعد الاشتباك عبر الضرب المتبادل لناقلات النفط في خليج العرب والبحر الأحمر، وكان آخرها ضرب سفينة "ميرسر ستريت" المملوكة لشركة إسرائيلية في خليج العرب وتوجيه أصابع الاتهام إلى الحرس الثوري الإيراني، رغم نفي الأخير لذلك.
 
مؤخرًا عاد التوتر إلى جنوب لبنان، الجمعة 6 آب 2021، بعد إطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة، فيما ردّ الجيش الاسرائيلي بقصف مدفعي مستهدفًا المواقع التي أطلقت منها الصواريخ. لم يكن منتظرًا التصعيد وتدهور الأمور في الجنوب إلى حرب حقيقية كما حصل عام2006، إذ عبّر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أمنون شيلفر للصحافيين "أن إسرائيل لا رغبة لها في التصعيد إلى حرب شاملة، لكننا بالطبع مستعدون لذلك". كما وإن اعتماد "حزب الله" الضرب في المناطق المفتوحة تهدف إلى إيصال أكثر من رسالة للعدو، منها عدم الرغبة في التصعيد مع إظهار جاهزية الحزب للقتال رغم ما يعانيه لبنان من انهيار اقتصادي وتدهور في عملته، وما يعيشه الشعب اللبناني من جحيم حقيقي، إضافة إلى جاهزيته للوقوف إلى جانب الدولة الإسلامية في إيران في وجه أي اعتداء عليها.
 
لكن ما هو لافت في ردّ الحزب، البيانات المؤيدة والداعمة لعمليته في الجنوب اللبناني، ليس من الداخل اللبناني، بل من جهات تدور في فلك محور الممانعة المرتبط عقائديًا وعسكريًا مع إيران. إذ سارعت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"أنصار الله" و"الحشد الشعبي" و"الحوثيون" إلى الإشادة بصواريخ حزب الله على المناطق المفتوحة، في دليل واضح على الانقلاب على اتفاقية فك الاشتباك المرتبطة بقرارالأمم المتحدة رقم 1701، إلى السير باتفاقية جديدة ترتكز على ربط الإشتباك، للأطراف محور المقاومة من إيران، وصولًا إلى لبنان وغزة مرورًا، بسوريا والعراق واليمن.
 
وصلت الرسالة واضحة من الجانب الإيراني، بأن أي خرق لقواعد الإشتباك مع إيران، في ظل التصعيد الإسرائيلي والأميركي والأوروبي، سيقابله حتمًا إشعال المنطقة من الخليج الى المحيط.  إنّ تهديد رئيس الوزراء الاسرائيلي، نفتالي بينيت، في رسالة لإيران "أن زمن الجلوس بكل راحة في طهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك انتهى"، دفعت بإيران إلى تصعيد الخطاب وتوجيه الرسائل عبر أدواتها في المنطقة، وعلى ما يبدو الجنوب هو الأقرب.
 
أخيرًا، من فكّ الاشتباك إلى ربطه ستوضع المنطقة بأسرها أمام معادلات جديدة، وساحات قتال لن تقف عند جغرافيا محددة. فالجمهورية الإيرانية على ما يبدو أخذت الضوء الأخضر من حليفتها الاستراتيجية روسيا الإتحادية، بطريقة مباشرة، عندما أقدمت الدفاعات الجوية الروسية في سوريا على إسقاط صواريخ الطيران الإسرائيلي مؤخرًا على دمشق. رسائل كثيرة وجّهت بإطلاق عشرات من صواريخ الحزب على المنطقة المفتوحة، وسط التصعيد الخطابي والتشدد الرفضي لإسرائيل بالعودة إلى المفاوضات في الملف النووي، لهذا بات كل شيء متاحًا وربط الإشتباك بين إيران وأدواتها وأصبحت في كامل جاهزيتها لأي سيناريو محتمل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم