الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

بناء لبنان آخر ليس مستحيلاً

المصدر: "النهار"
تعبيرية (النهار).
تعبيرية (النهار).
A+ A-
وضّاح صادق*

لنكون واقعيين، ونعيش الأزمة بتفاصيلها الحقيقية، وأسبابها المنطقية، بعيداً عن الماكينة الإعلامية للسلطة التي تحاول تسويق أسباب وهمية للأزمة، مبنية على انهيار اقتصاديّ، سببه إدارة حاكم مصرف لبنان للأزمة والمصارف ولأموال المودعين. ورغم كلّ ما ارتكبه الحاكم والمصارف من مخالفات قانونية ومالية، ولكنَّ خلف الأزمة سبباً واحداً وواضحاً: عملية سرقة ممنهجة لكامل مؤسسات الدولة وأموالها وشعبها، وللأسف، على الرغم من الانهيار، السرقة مستمرّة حتّى اليوم.
ورغم فداحة الأزمة، الحلّ موجود وليس مستحيلاً. لبنان بلد صغير، وعدد سكّانه قليل، واقتصاده محدود، ويعتمد بشكل أساسيّ على العملة الأجنبية التي تدخل سنويّاً من مصادر عدّة أبرزها من المغتربين، وهذا مبدأ خاطئ لأيّ اقتصاد صغير، وفي بلد مثل لبنان، الحلّ موجود، ويبدأ بسرعة ولا يستغرق وقتاً كثيراً.

من المنطقيّ القول انّ الحلّ قصير الأمد، وقد يكون الأصعب، لأنّ السلطة الحالية، سلطة اللا قرار، وتثبيت الانهيار السريع في لبنان بحاجة الى قرارات، كان يجب أن تتّخذ في الشهر الأوّل من بداية الأزمة، لكنّ هذا لم يحدث لأسباب عدّة، تبدأ بالضرر الذي قد يلحق بالطبقة السياسيّة من جرّاء الكابتال كونترول، الى عدم اتّخاذ قرار رفع الدعم، بسبب استفادة أهل السلطة من مئات ملايين دولارات السوق السوداء والتهريب، وصولاً الى عدم تحرير سعر صرف الليرة، بهدف تحكّمهم بسوق الدولار السوداء. وهذه نقاط ثلاث أساسيّة لتثبيت الانهيار، والانطلاق فوراً الى مرحلة مفاوضات مع البنك الدوليّ، تضمن حسن إدارة الأزمة، بعد ثبوت عدم إمكانية السلطة الحاكمة، وغياب أيّ قرار أو ضمير، أقلّه لإنقاذ شعب يُحتضر.

في مختلف دول العالم، السياسة في خدمة الاقتصاد وليس العكس، كما في لبنان، لذلك فالحلّ الموقّت يبدأ بحكومة راغبة في العمل، تفاوض البنك الدوليّ، تملك الجرأة لتنفيذ النقاط الثلاث المذكورة سابقاً، وتعطي القليل من الثقة المطلوبة لدخول بعض العملات الأجنبية، ومساهمات المؤسسات الدوليّة التي قد تساعد البلاد والشعب للصمود خلال السنة المقبلة، وتدير عملية الانتخابات التي تعتبر نتائجها أساسية في إعادة بناء الاقتصاد اللبنانيّ.

هذا على المدى القريب، ولكن على المدى البعيد، وهنا قد يبدو كلامي مستغرباً، فنحن نملك فرصة كبيرة في حال امتلكنا الإدارة الصحيحة والنيّة السليمة، والفرصة موجودة وكبيرة وتكمن في القفز فوق الحلول الموقّتة، وعدم إصلاح ما تهدّم أصلاً، واعتماد طريقة قفزة الضفدع (Leap Frogging)، المعروفة اقتصاديّاً بتجاوز مرحلة كاملة، وانتهاز فرصة الانهيار الكامل لدفن الشكل الذي نعرفه، ونبني دولة حديثة واقتصاداً مرناً وقويّاً، يجب البناء من جديد.
أبرز مثال على عملية القفز مرحلة كاملة، يمكن إعطاؤها في موضوع الكهرباء، الذي كلّف لبنان 40 مليار دولار فقط في السنوات العشر الأخيرة، ولم يصل بعد الى ساعات قليلة من الكهرباء، وبالتالي أيّ حديث عن بناء معامل للطاقة الكهربائية هو هدر المال والوقت، وعودة الى ماضٍ انتهى، وبالتالي، المستقبل يتركز على الطاقة البديلة "renewable energy"، التي تمكّننا من إنتاج الطاقة بكلفة أقلّ، وبتمويل جزئيّ دولي، ولمدّة زمنية قصيرة، وبيئة نظيفة وإمكانية تحوّل المشروع الى مربح في المستقبل القريب.
 
مثل آخر يتمثّل في عدم الذهاب الى ما يسمّى بـ"e government"، أو الحكومة الإلكترونية، وبناء الـ"smart country"، أو الدولة الذكية، والتي ستلغي بشكل شبه نهائي إمكانية الفساد، كون المواطن سينهي جميع معاملاته إلكترونيّاً، إضافة الى تسهيلات ستنعكس إيجاباً على حياة كلّ مواطن، علماً أنّ عملية التنفيذ أقلّ كلفة من إعادة بناء المؤسسات وفق الأنظمة التركية والفرنسية التي تجاوز عمرها المئة عام.
 
في النهاية، إعادة بناء لبنان آخر ليس مستحيلاً وفي فترة زمنية ليست طويلة، وبواسطة جيل يقوم ببناء مدن وحكومات خارج لبنان، وهو قادر على بناء بلده الأم، بزمن قياسيّ، ولكنّ الشرط الوحيد يتمثّل بالتخلص من هذه الزمرة الحاكمة الفاسدة، واختيار جيل جديد يرغب في وطن طبيعيّ، حضاريّ متطوّر.
 
 
*حاصدًا أكثر من 3 عقود من الخبرة الإقليمية في مجال الإعلان، يَشغل وضّاح حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة
"Its. Communications"، كما وهو الشريك المؤسِّس ورئيس مجموعة "خطّ أحمر".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم