الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

وثائق التنظيم الدولي لتمكين "الإخوان" في المغرب ومحاولات الإطاحة بالملك (1)

المصدر: "النهار العربي - عمرو فاروق"
"الإخوان"
"الإخوان"
A+ A-
عملت جماعة "الإخوان المسلمين" منذ تأسيسها عام 1928، على اختراق الدول العربية، لتمكين توجهاتها وأجنداتها في العمق المجتمعي وطبقاته المتعددة، اتباعاً وتنفيذاً لـ"استراتيجية التغلغل التنظيمي"، على مختلف المستويات السياسية والشعبية.
 
وفي محاولة لفضح مخطط جماعة "الإخوان"، نكشف في السطور التالية، بـ"الوثائق الخطية"، دور التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين"، ومؤسسه الفعلي مصطفى مشهور (1921 – 2002)، المرشد الخامس للجماعة، والمهيمن على صنع القرار داخل المكون "الإخواني"، خلال مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
 
حملت الوثائق التي بين أيدينا، اعترافات خطية لمحاولة السيطرة على دولة المغرب، والتخطيط للإنقلاب على الملك الحسن الثاني، وتكفير رموز وقيادات النظام السياسي، وتأسيس جناح مسلح، وكيان استخباراتي داعم للمشروع "الإخواني" وقادر على اختراق المؤسسات الأمنية والسيادية في العمق المغربي.
 
أطلقت قيادات التنظيم الدولي على الوثيقة المسرّبة "الرسالة المغربية"، (5 صفحات)، وتعتبر الرسالة الثالثة ضمن مجموعة من الرسائل تم تبادلها بين قيادات التنظيم الدولي، وقيادات "الإخوان" في المغرب، في نهاية تسعينات القرن الماضي (سيتم نشر بعضها لاحقاً).
 
تسلمت المخابرات المغربية - وفقاً لمصادرنا - منذ فترة وجيزة نسخة من الرسائل المتبادلة بين قيادات التنظيم الدولي، وممثلي جماعة "الإخوان" في المغرب، من الأجهزة الأمنية المصرية، وقامت فعلياً ببحث ومتابعة ما تم تنفيذه وتحقيقه من توجيهات وبنود على أرض الواقع تضمنتها الوثيقة "الإخوانية" وحرضت على تمريرها بين مختلف الدوائر المجتمعية والسياسية والشعبية.
 
 
كتب "الرسالة المغربية"، المسربة من داخل جماعة "الإخوان"، أحد قيادات التنظيم الدولي لـ"الإخوان"، ووقع عليها المرشد الخامس مصطفى مشهور، بعد مراجعتها وطالب بنسخها وإرسالها إلى المراقب العام لـ"الإخوان" في المغرب تحديداً في بداية عام 1996.
 
تكمن خطورة "الرسالة المغربية"، أنها خطة عمل باعتراف مُحرريها، لمحاولة ترسيخ أركان جماعة "الإخوان" في الداخل المغربي، خلال فترة الملك حسن الثاني، (9 تموز/يوليو 1929 - 23 تموز/يوليو 1999)، وأنها بتطبيق بنود وأهداف تلك الوثيقة سينتقل التنظيم "الإخواني" في المغرب من مرحلة "الاستضعاف"، إلى مرحلة "التمكين"، التي تتيح للجماعة السيطرة على الحكومة وجميع مفاصل الدولة تحقيقاً لإقامة "دولة الخلافة"، المزعومة التي رسم حدودها حسن البنا وفق ما يعرف بـ"أستاذية العالم".
 
 
أوضحت "وثيقة التنظيم الدولي"، أن المهمة الأولى لـ"الإخوان" في المغرب، هي تغيير الواقع الداخلي للمجتمع، والذي يصطدم ويختلف كلية من الواقع المراد تحقيقه وفقاً لمفردات وأدبيات الجماعة ومشروعها، منوهة إلى "الاستعلاء عن المجتمع شعورياً"، فضلاً عن الإندماج بداخله ظاهرياً للتأثير في معتقداته ومخرجاته الفكرية والسياسية.
 
حاولت "وثيقة التنظيم الدولي"، استلهام نظرية "العزلة الشعورية"، التي وضعها سيد قطب كتصور عملي للإنفصال عن العادات والتقاليد والضوابط المجتمعية التي لا تتفق مع أطروحات المشروع القطبي البنّاوي، وتكوين داوئر مجتمعية موازية منغلقة على نفسها وسلوكياتها المتشددة فكرياً وعقائدياً.
 
صورت "وثيقة التنظيم الدولي"، أن دور الجماعة وعملها في نطاق المجتمع المغربي، يأتي في منطلق المعركة بين الإيمان وجحافل الجاهلية والتكفير، (واصفة المجتمع المغربي بالجاهلي)، ومستشهدة بما طرحه سيد قطب في كتاباته أن "الجاهلية" ليست حالة فردية، بل تشمل مخلتف أركان المجتمع وفئاته، وأنه يجب مواجهة الجاهلية بالقوة "سراً"، لا سيما في مرحلة "الاستضعاف" التي تفرض تلك المواجهة الخفية، خشية الدخول في صدام مع المجتمع في شكل معلن وصريح.
 
دعت "وثيقة التنظيم الدولي"، إلى ضرورة توظيف القوة المسلحة، وفقاً لما حدده حسن البنا في "رسالة المؤتمر الخامس"، التي أكدت أن القوة جزء أصيل من ضوابط تشكيل الكيانات "الإخوانية" التي تعمل على اختراق المجتمعات والسيطرة على مفاصلها ومؤسساتها الفاعلة والمؤثرة في صناعتة توجهاته، مستشهدة بمقولة البنا "إن الإخوان سيستخدمون القوة حين لا يجدي غيرها، وحين يتفقون أنه قد استكملوا عدة الإيمان ووحدتهم".
 
وفي محاولة لإطفاء المدد الديني وشرعنة جوانب وتوجهات "وثيقة التنظيم الدولي" وتوظيف قوة الساعد والسلاح في مواجهة أطياف المجمتع المغربي، والمجتمعات العربية في شكل عام، أوضحت الوثيقة "أن استخدام أهل الحق للقوة في مواجهة أهل الباطل، من سنن التدافع في الدنيا، وأنها سنة باقية إلى يوم الدين".
 
أكدت وثيقة التنظيم الدولي المعنونة بـ" الرسالة المغربية"، أن بلاد المغرب أرض خصبة من أجل نشر التوجهات "الإخوانية" في ربوع وأروقة المجتمع المغربي، في ظل وجود كيانات وحركات تتبنى التوجه الصوفي، مؤكدة أن ثمة رسائل متبادلة سابقة تمت بين قيادات التنظيم الدولي وبين الشيخ عبدالسلام ياسين مؤسس "جماعة العدل والإحسان".
 
تأثر عبدالسلام ياسين ( 1928 - 2012)، بكل من حسن البنا وسيد قطب، واشتهر بمعارضته الشديدة لنظام حكم الملك الحسن الثاني، وأطلق رسالة تحريضية تحت عنوان "الإسلام أو الطوفان"،وسعى لتوحيد الحركات الإسلامية في المغرب تحت كيان واحد.
 
الوثيقة الخطية للتنظيم الدولي، بيّنت أن "إخوان المغرب" ينقصهم مجموعة من العوامل التي تساعد في تحقيق مرحلة "التمكّن"، أهمها: وجود كيان دعوي قوي يعمل على نشر المنهجية الفكرية الخالصة لـ"الإخوان"، والقدرة على اكتساب أتباع وأنصار فاعلين.
 
ثانيها، حسم الحكومة المغربية والملك الحسن الثاني، في عرقلة نشاط الجماعة ومساعيها، ومن ثم وجوب التعامل معهما وفقاً لمبدأ "المراوغة الفكرية والسياسية"، التي تحقق للجماعة مبتغاها في الانتشار المجتمعي الوصول للسلطة وفرض إراداتها ورؤيتها ومشروعها، في مخلتف الدوائر الشعبية.
 
ثالث العوامل التي طرحتها "وثيقة التنظيم الدولي"، هي ضرورة العمل تحت اسم مختلف غير "الإخوان المسلمين"، أو "لافتة جديدة"، يتم التخفي وراءها، مع احتفاظها بتوجهات وأدبيات المشروع "الإخواني"، تجنباً للصدام مع الأنظمة الأمنية والسياسية، وهروباً من التضييقات والملاحقات التي ربما تفرض على قيادات وعناصر المكون "الإخواني" في العمق المغربي، اقتداءً بجماعة "الإخوان" في الكويت، التي قدمت نفسها تحت مسمى "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس).
 
طالبت "وثيقة التنظيم الدولي"، "إخوان" المغرب بضرورة تأسيس مكون "إخواني" جديد، شامل لمخلتف الحركات الإسلامية في المغرب، مع مراعاة مشاورة "جماعة إخوان العدل والإحسان"، قبل تنفيذ هذه الخطوة، مؤكدة ضرورة إمعان النظر في "رسائل البنا" التي صاغها في هذا الصدد، مع الأخذ في الاعتبار وجود العديد من المصاعب التي ستقف أمام تلك المحاولة، منها جهل المجتمع المغربي بفحوى الرسالة الفكرية لجماعة "الإخوان" ودورها، واستغراب أهل الدين في شكل عام، وعداء علماء السلطة، فضلاً عن قوة الحكومات التي تمثل حائط صد أمام المشروع "الإخواني"، الذي يرتكز على ضوابط منهجية في الطرح والتخطيط بعيداً من العشوائية والإرتجال في التنفيذ.
 
 
وتحت عنوان "طريق التمكين"، وضعت "وثيقة التنظيم الدولي"، أو "الرسالة المغربية"، ثمانية ضوابط يجب مراعاتها، في مرحلة ما بعد الألفية الجديدة، والتي وصفتها بكونها مرحلة "النصرة"، للوصول إلى السلطة وهيمنة ممثلي "الإخوان" على سلطة القرار داخل الأراضي المغربية.
 
أولاً: ضرورة تشكيل كيان معني برصد وجمع المعلومات حول المؤسسات المناهضة لحركة "الإخوان" في العمق المغربي سواء السيادية أو الحكومية أو المدنية والعشبية، (وتعني تشكيل كيان معلوماتي على غرار جهاز الاستخبارات الإخواني المصري الذي أسسه الدكتور محمود عساف تحت إشراف حسن البنا، بهدف تأمين الجماعة ورصد أعدائها وحمايتها من محاولة الإختراق).
 
وتتمحور آلية عمل جهاز "مخابرات الإخوان"، في المقام الأول، على زرع عناصر في القطاعات المختلفة داخل بنيان المجتمعات، مثل قطاع التعليم وقطاع الصحة والهيئات الحكومية والنقابات المهنية والمؤسسات الصحافية والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث والدراسات، والأندية الرياضية والاجتماعية (وفقاً للنموذج المصري).
 
ثانياً: ضرورة تأسيس مركز ومؤسسات بحثية وإعلامية مختصة بوضع تصورات حول دور حركة "الإخوان" في الأراضي المغربية في ظل وجود المستجدات مع الدراسة المستفيضة للكيانات والحركات المناهضة للمشروع "الإخواني"، ودراسة مستقبل الجماعة وخطوات العمل الإسلامي في مخلتف المجالات على المستوى السياسي والإعلامي والاقتصادي مع ضرورة التنسيق مع "جماعة العدل والإحسان"، لما لها من تأثير قوي وفاعل في العمق المغربي.
 
ثالثاً: العمل على توحيد صفوف مختلف الحركات الأصولية في الأراضي المغربية، ودمج حركة "الإصلاح والتجديد"، وحركة "رابطة المستقبل الإسلامي"، لتشكيل كيان "إخواني" واحد يعبّر عن توجهات الجماعة ومشروعها.
 
رابعاً: تأسيس قسم خاص معني بـ"نشر الدعوة" ضمن الهيكل التنظيمي للجماعة، بما يضمن تحقيق استراتيجية الوصول لأكبر عدد ممكن من العناصر المؤيدة والفاعلة لخدمة المشروع الفكري والتأثير في قاعدة المجتمع وفئاته المتعددة.
 
تطرقت الوثيقة "الإخوانية" في مضمونها، إلى أهمية إيجاد مسارات لعملية الاستقطاب والتجنيد، وتوسيع استراتيجية ومنهجية التأثر في قطاعات المجتمع المغربي، من خلال تفعيل أقسام الدعوة العامة والخاصة، وأقسام الطلاب في الجامعات والمدارس والأندية والتغلغل في حيز المؤسسات المدنية والحكومية للتأثير في صناعة القرار الرسمي والشعبي للدولة المغربية.
 
خامساً: العمل على إيجاد قنوات اتصال مع النظام السياسي القائم (نظام الملك الحسن الثاني حينها)، دون المساس بثوابت الجماعة، ومنطلقاتها الفكرية، مع مراعاة المستهدف الرئيسي في تقليص صلاحيات الملك تدريجياً، من خلال جماعات الضغط السياسي والقوى السياسية الفاعلة وتحريك الجماهير، لتقليل نفوذ "الملك"، ومن ثم يجب العمل على تشكيل كيانات سياسية متعددة وفاعلة على المستوى السياسي والإعلامي والاقتصادي.
 
سادساً: العمل على خلق كيانات اقتصادية قوية بالشراكة مع الاقتصاديين ورجال الأعمال القريبين من داوئر صنع القرار المغربي لحماية تلك الكيانات من نفوذ الملك وبطانته، بهدف توفير موارد مالية تمكن التنظيم من ممارسة أنشطته ودوره في الداخل المغربي.
 
سابعاً: استثمار الانتخابات في الترويج لحتمية الحل الإسلامي وعالمية دعوة "الإخوان" وأهدافها، واستخدام المساجد والقنوات التلفزيوينة والإذاعية على أوسع نطاق.
 
ثامناً: التوسع في إنشاء المدارس الخاصة وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، مع مراعاة توجيه نفوذ قيادات "الإخوان" للسيطرة على المدارس العتيقة.
 
وتعتبر هذه الخطوة بمثابة إعلان للسيطرة على المنظومة التعليمية وتفعيل قسم الطلبة، ويشمل تلامذة مراحل التعليم الأساسي، وتلامذة المرحلة الثانوية، وطلاب الجامعات، ليتم استكمال الهيكل التنظيمي بمختلف جوانبه، ومحاولة علاج القصور لليهمنة على أكبر فئة غير مستعصية على الاستقطاب والتجنيد، والتفاعل مع مفردات وأدبيات الجماعة من دون مواجهة حقيقية أو تمرد فكري.
 
وتعتبر المدارس العتيقة في بلاد المغرب، كيانات دينية معنية بدراسة علوم الشريعة وضوابطها، ويعود ملكيتها لبعض القبائل المغربية، وتقع تحت إشراف وزارة الأوقاف والشوؤن الإسلامية بالمغرب، وتتشابه إلى حد كبير مع المؤسسات الأزهرية المصرية، فضلاً عن أنها أدت دوراً مهماً في الحفاظ على الوحدة المذهبية، والمتمثلة في المذهب المالكي السنّي، ومساهمتها الأصيلة في نشر اللغة العربية، من خلال إحياء علومها وتدريس فنونها وآدابها باعتماد مجموعة من المتون، كألفية ابن مالك والزواوي وغيرهما، إضافة إلى البعد الوطني الاجتماعي لهذه الكيانات.
وللحديث بقية!
 
كاتب مصري، وباحث في شؤون الجماعات الإرهابية

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم