الأحد - 26 أيار 2024

إعلان

ليست سياسية ولا دينية بل هي زيارة للقلوب

المصدر: النهار
فاروق يوسف
أ ف ب.
أ ف ب.
A+ A-
 
 
ليس من المستبعد أن يطغى الهدف السياسي، وهو جانبي، على الهدف الأخلاقي، وهو جوهري، على زيارة بابا الفاتيكان غير المسبوقة العراق. ذلك ما يمكن أن ينحرف بمحاولة فهم معاني الزيارة عن مسارها الصحيح. فالزيارة لن تكون بالتأكيد دينية، وإن كانت "أور" التي خرج منها النبي إبراهيم في مسيرته التبشيرية الكبرى تقع ضمن مخططها. هناك الموصل المدينة التي تعرّضت لعذاب عظيم، تطرح زيارتها معاني إنسانية، تتخطى الإشفاق المؤذي إلى التضامن بعمق الحضور الرمزي. وهناك الأخوّة البشرية التي تنطوي عليها زيارة النجف، واللقاء بالمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني. 
 
ولأنّ العراقيين سيختلفون في طريقة النظر إلى شخصية البابا ومن ثم زيارته، فإنّ ما سيغلب على مشاعرهم ويتغلّب على أسباب اختلافهم حاجتهم الخيالية إلى ظهور منقذ يأتيهم من مكان نقيّ ونزيه، ليطمئنهم إلى أنّ العالم لا يزال ينظر إليهم بعين المحبّة ويمدّ لهم يد التسامح. وما من أحد يمكنه أن يجسّد ذلك الرجاء مثلما يفعل البابا، لا باعتباره منقذاً خيالياً بل رسول محبّة يعرف أنه لن يُخطئ طريقه، التي تقود إلى قلوبهم المفجوعة بموقف العالم منهم. 
 
سيتبادل الجانبان أجزاءً من إرث الأسطورة التي يمثّلها العراق في الوجدان الإنساني. سيهب كلّ واحد منهما الآخر ما يحتاج إليه. ذلك ما ستفعله الزيارة التي تنتمي إلى طراز غير معهود من زيارات الزعماء. فـ "البابا" يزور شعباً وتستضيفه قلوب، وليس لديه أدنى صلة باللقاءات الرسمية وتوقيع الصفقات. صفقته الوحيدة إنما تقع في مسافة الحبّ وبأفق الإنسانية الرحيب. لديه ما يقدّمه من المشاعر قبل أن يقول أيّ كلمة. البابا ليس زعيماً لأحد، ولكنّ مكانته تتخطى التسميات المتاحة. ذلك ما يحيط الحاجة إليه بهالة لا يملكها زعيم. إنه الاستثناء الذي لا يؤكّد أيّ قاعدة. ذلك الاستثناء الذي يقف رسولاً بين المرء وقلبه. 
 
ستكون الزيارة درساً عميقاً للعراقيين. ذلك ما لا يحلم به البابا الذاهب إلى هناك، محملاً بشوقه إلى أن يمتزج بالألم العظيم الذي شقّ طريقاً للبشرية في اتجاه رقيّها واستبسالها، وعظمة آمالها وسموّ أفكارها. سيرى العراقيون في مرآته أنفسهم وقد تجلّت طاهرة، نقيّة ونزيهة. لن يكون ضيفاً عابراً. ولن تنطبق عليه صفات الزائر الغريب. فلا أحد في إمكانه أن يحدد المكان الذي أتى منه أو المكان الذي سيذهب إليه. لا لشيء إلّا لأنّ العاطفة التي ينثرها تلغي المسافة التي تفصل بين "هنا" و"هناك". لذلك لن يشعر أحد بالخيبة، لأنّ رسول المحبة لم يقُل كلمة في السياسة. 
 
سيحظى العراقيون بزيارة تمسّ إنسانيتهم بعصا النبل والقداسة. 
 
*كاتب عراقي
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم