الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني استخدام بوتين الروبل في حرب الغاز؟

المصدر: النهار
فرح نصور
خطّ للغاز في ألمانيا (أ ف ب).
خطّ للغاز في ألمانيا (أ ف ب).
A+ A-
أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفض روسيا تقاضي ثمن الغاز المباع إلى "دول غير صديقة" بغير العملة الوطنية الروسية "الروبل"، بما في ذلك جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ارتباكاً كبيراً لدى هذه الدول، التي تأثّرت بالمفعول الارتدادي للعقوبات التي بادرت إلى فرضها على روسيا، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغاز والنفط بشكل هائل منذ بدء العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا.

 فرض الروس تبادل النفط بالروبل بدلاً من الدولار، بعد أن كان الدولار لعقود هو العملة المعتمَدة في تبادل النفط، ومع الأنباء عن درس المملكة العربية السعودية، التي تُعدّ أكبر مصدِّر للنفط في العالم، قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين، بحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، فتح البحث عن أسواق نفط بديلة غير قائمة على العملة الأميركية.

أسئلة كثيرة تُطرح في هذا الإطار، مع التموضعات الجديدة لدول العالم تزامناً مع الحرب في أوكرانيا، فيما يبقى السؤال الأبرز، بعد فرض موسكو عملتها المحليّة للتبادل بالنفط، عن معنى تصدير الغاز الروسي بالروبل إلى "الدول غير الصديقة"؟
 
في مقال نشرته وكالة "بلومبرغ"،تقدّر شركة Sova Capital صادرات خطوط الأنابيب إلى الدول "غير الصديقة"، في كانون الثاني، بـ7،4 مليارات متر مكعب، أي نحو 6 مليارات دولار، في حين بلغ إجمالي صادرات الغاز 13،8 مليار متر مكعب بقيمة 9،5 مليارات دولار.

واعتبرت الشركة أنّ التأثير على دعم الروبل سيكون محدوداً، لأنّ شركة "غازبروم" ملزَمة بالفعل ببيع 80 في المئة من إيصالاتها من العملات الأجنبية مقابل الروبل في السوق المحلية. وحتى إذا كان المشتري على استعداد للدفع بالروبل، فقد يكون ذلك صعباً للغاية نظراً للعقوبات المفروضة على عدد من البنوك الروسية"، بحسب رئيس استراتيجية السلع الأساسية فيING Groep NV، وارن باترسون.

التوجّه الروسي لا يختصّ بتصدير النفط والغاز بالروبل إلى الدول غير الصديقة فحسب، إنّما قد تحذو دول "أوبك" حذو روسيا، خصوصاً في التبادل بين دول الخليج والصين، وفق الخبيرة في حوكمة الطاقة والمتابعة للملف، ديانا القيسي.

فبالعودة إلى اتفاق وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر مع المملكة السعودية، كان يقضي بأن تتزوّد الولايات المتحدة بالنفط من السعودية لقاء ربط النفط بالدولار، أو ما يُعرف بالـ"بترودولار"، وهذا الواقع استمرّ حتى يومنا. والآن، قيمة الدولار الأميركي تعتمد بشكل أساسي على بيع البترول بالدولار الأميركي. أمّا اليوم، "فهناك توجّه آخر في العملات المعتمَدة عالمياً في تبادل النفط، وفي فضّ هذا الرابط بين الدولار والبترول".

ففي حين تتّجه روسيا نحو بيع الغاز بالروبل، وقد سبقتها السعودية إلى إبداء استعدادها لتسديد ثمن النفط باليوان الصيني، سيكون لهذين الأمرين تداعيات على الدولار الأميركي، وإن لم يُمكننا معرفة مدى هذا التأثير.

كذلك، وفي إطار النظام العالمي الجديد - بحسب شرح القيسي - هناك إعادة تموضع للدول عالمياً وإقليمياً، إذ سنشهد دخول أعضاء جدد إلى نادي أصدقاء الدول الكبرى، في ظلّ التوترات الاقتصادية الراهنة. ولا يُمكن حجب النظر عن موقع تركيا السياسي، لكن يبقى اللاعب المفضَّل لدى جميع اللاعبين على الساحة الدولية هو الصين؛ أكبر المستوردين للنفط والغاز.
وهناك دور بارز أيضاً لدول الخليج في صراع النفط والغاز الدائر عالمياً، إذ ستكون المحور الأساسيّ - بنظر القيسي – لأنها تمتلك الاحتياطات، ولديها حرية اختيار الدولة التي تتعامل معها، إلى جانب الدور الكبير لتركيا التي ستكون الممَرّ الأساسيّ والأسرع والأرخص إلى أوروبا.

ماذا عن قدرة الاتحاد الأوروبي على استيراد الغاز الروسي بالروبل؟


الاتحاد الأوروبي هو الأكثر تضرراً من القرار الروسي، وهو غير قادر على اتّخاذ قرار مستقلّ ومنفرِد في ما يتعلق بتمنّعه عن فرض العقوبات على روسيا. وتوضح القيسي أنّ هناك دولاً أوروبية عديدة عادت إلى استخدام الفحم الحجري، فالغاز أصبح مكلِفاً جداً لها، و"سنشهد صعوداً باعتماد الفحم، ودولاً عديدة تصدّره، ومنها روسيا".

وصحيح أنّ الولايات المتّحدة فرضت عقوبات على النفط والغاز الروسي، لكنّها أصغر مستفيد من الغاز الروسي بـ13 ألف برميل تستوردها من روسيا، بينما الاتحاد الأوروبي هو الذي "يتلقى الصفعات". وتحاول البلدان الصديقة للاتحاد مساعدته، لكن على ما تقول القيسي "الكارثة كبيرة، وتداعياتها على أوروبا موجِعة جداً، وقد نتوقّع انهياراً في سعر اليورو إن لم يستطع الاتحاد أن يلجم هذه الكارثة".

لذلك، فإنّ الاتحاد الأوروبيّ يبحث عن حلول لأزمة الغاز التي يواجهها، إذ وُضع الاتحاد الأوروبي تحت ضغط وثقل الشعوب الأوروبية في الوقت الراهن؛ فأسعار الغاز ارتفعت 200 في المئة وسط شتاء قارس يمتدّ. وهو أيضاً بحاجة ماسّة إلى الموارد، إلى جانب كون دوله دولاً صناعيّة، وتعتمد على قطاع النقل كقطاع أساسيّ، لكن تفعيل الطاقة النوويّة ليس بهذه السهولة والسرعة. لذلك، تعتبر القيسي أنّ "ما يحصل بين اللاعبين الدوليين هو عمليّة "عضّ أصابع" سيتفوّق فيها مَن هو قادر على أن يستمرّ في اللعبة".

الالتفاف على العقوبات

إذا ما انتقلنا إلى الجانب الاقتصادي لتداعيات القرار الروسيّ، وفي مقال نشرته مجلة Fortune التي تُعنى بالشؤون المالية، يقول فينيسيوس رومانو، كبير المحلّلين في شركة Rystad Energy ، إنّ طلب بوتين يبدو محاولة لدعم الروبل من خلال إجبار مشتري الغاز على شراء العملة التي هبطت سابقاً".

لكن إيرادات الطاقة هي شريان الحياة للاقتصاد الروسي. وبعد انهياره بنسبة تصل إلى 40 في المئة في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانيّة، استعاد الروبل منذ ذلك الحين الكثير من قيمته. كذلك ارتفعت أسعار الغاز الطبيعيّ في أوروبا، حيث بلغت بعض الأسعار أكثر من 132 يورو لكلّ ميغاواط/ ساعة، بنسبة فاقت الـ30 في المئة.

ووفق Fortune، قد يكون طلب بوتين الروبل دليلاً على جهود روسيا لإيجاد حلول للعقوبات الغربيّة عبر التقليل من تأثيرها على الاقتصاد الروسيّ، وربّما هدفه إعادة توجيه بعض تداعيات العقوبات الاقتصادية على الاقتصادات والشركات الغربية.

من جهته، قال تيموثي آش، الخبير الاستراتيجيّ السياديّ في الأسواق الناشئة في BlueBay Asset Management، لموقع "Politico"، إنّ بوتين عبر هذا الإجراء "يريد إجبار الغرب، إذا أرادوا الاستمرار في استيراد الطاقة من روسيا، على التعامل مع الكيانات الروسية".

وعلى فرض نجاح روسيا في اعتماد الروبل للتبادل، سيحتاج مستوردو الغاز الأجانب إلى شراء العملة الروسيّة من مكان ما لشراء الطاقة. ويمكنهم الحصول على الروبل من البنك المركزي الروسي، أو من بنك روسيّ آخر، أو من بيع البضائع إلى روسيا، لكن العقوبات تجعل هذه المعاملات صعبة، إن لم تكن مستحيلة، بحسب المجلة.

ويبقى من غير الواضح نتيجة سياسة بوتين الخاصة بالروبل مقابل الغاز، إذ إن أيّ تغيير، برأي الحكومات الأوروبيّة، في عملة السداد سيكون خرقاً للعقد بينها وبين روسيا، فيما يشكّك المحلّلون في نجاح إجراء بوتين بشأن الروبل.
وكانت وكالة الإعلام الروسية نقلت عن وزارة الخارجية، تحذيرها من حالات إفلاس عالمية إذا رفضت الدول دفع ثمن صادرات الغاز الروسية بالروبل.

وقالت الوزارة أيضا إن خروج روسيا من منظمة التجارة العالمية ستكون له تداعيات سلبية.

وذكر الكرملين أن بوتين أمر شركة غازبروم بقبول الدفع بالروبل مقابل صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وأن أمام شركة الغاز العملاقة أربعة أيام لتحديد كيفية القيام بذلك. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم