السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الخطوط الحمراء في العلاقات الدولية... "حكمة أم حماقة"؟

المصدر: "النهار"
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي لا يزال تراجعه عن خطه الأحمر في سوريا مثار جدل في دوائر القرار والتحليلات السياسية – الصورة عن "أ ب"
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي لا يزال تراجعه عن خطه الأحمر في سوريا مثار جدل في دوائر القرار والتحليلات السياسية – الصورة عن "أ ب"
A+ A-

يدعو مراقبون إلى تحديد الولايات المتحدة "خطوطاً حمراء" تمنع روسيا أو الصين أو إيران من تجاوزها بدون فرض أكلاف عليها. اليوم، تبدو الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا سبباً من أسباب تجديد هؤلاء المراقبين دعوتهم.

لكنّ الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة ولاية جورجيا دان ألتمان والأستاذة المساعدة في شؤون الحكم بجامعة دارتموث كاثلين باورز يدعوان صنّاع القرار والمحللين إلى التمهّل في قضية الدفع باتجاه فرض خطوط حمراء كيفما كان.  

كتب ألتمان وباورز في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن الخطوط الحمراء غالباً ما تتسبب بهزيمة ذاتية لأسباب استراتيجية ونفسية. التهديدات العلنية يمكن أن تستفز الأهداف كي تقاوم أو تنتقم عوضاً عن التراجع. والتهديدت العلنية دفاعاً عن الخطوط الحمراء قد تقلص الحافز لدى أعداء الولايات المتحدة كي تمتثل. على هؤلاء الاقتناع بأن التنازل سيؤدي إلى نتائج أفضل من المقاومة إذا أرادت واشنطن التزامهم بالخط الأحمر. وكثيراً ما تقوض واشنطن هذا النوع من الضمانات عبر المبالغة في تهديداتها مما يؤدي إلى إقناع أعدائها بأنهم لن يحصدوا أي مكافأة ناجمة عن امتثالهم للخطوط الحمراء.

لكن التخلي عن الخطوط الحمراء بشكل تام ليس الحل. لا يمكن واشنطن الجلوس وانتظار تصرف الدول العدوانية بأساليب تؤذي المصالح الأمريكية. عوضاً عن ذلك، على صناع القرار الأمريكيين فهم أنّ الضمانات والتهديدات هي على المستوى نفسه من الأهمية وأنّ الخط الأحمر المضبوط بعناية هو أهم، بشكل دائم تقريباً، من الخط الأحمر الصارم والمؤدلج والحادّ.

يرى الكاتبان أنّ الولايات المتحدة تعاني في تنفيذ الخطوط الحمراء لأنها غالباً ما تملك مصلحة في القضايا الإشكالية أقل من مصلحة منافسيها. موسكو تهتم بأوكرانيا أكثر مما تفعل واشنطن. ولتايوان قيمة للصين أكثر من أي قيمة تملكها واشنطن تجاههها على الإطلاق. العالِم السياسي داريل برس يشير إلى أنّ القادة يقيّمون صدقية أعدائهم لا عبر أفعالهم السابقة بل عبر مصالحهم الحاليّة في أزمة معينة.

لهذا السبب، يجد معظم قادة حلف شمال الأطلسيّ تهديد روسيا باجتياح أوكرانيا ذا صدقية على الرغم من أن روسيا حشدت قواتها على الحدود مع أوكرانيا في السابق من دون أن تنفذ اجتياحاً. بشكل مشابه، وخلال الحرب الباردة، أخذت الولايات المتحدة إنذار الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف سنة 1961 بشأن وضع برلين الغربية على محمل الجد، بالرغم من أنه تراجع عن إنذار مشابه سنة 1958. من الصعب الاعتقاد بأن دولة تراجعت عن خط أحمر ستكون غير قادرة على القيام بتهديدات جدية أخرى في المستقبل.

ويشير الكاتبان إلى أنّ انسحاب بايدن من أفغانستان أظهر أنّه غير راغب بالبقاء في البلاد لمنع طالبان من الاستيلاء على الحكم، لكنه لم يقل الكثير عما إذا كان بايدن أو خلفاؤه سيقاتلون لمنع الصين من إعادة ضم تايوان. كذلك، يرجّح الكاتبان أنّ بضع غارات أمكن أن يشنها أوباما على سوريا تنفيذاً لخطه الأحمر الشهير لم تكن لتغيّر حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باجتياح أوكرانيا في 2014 كما يقول البعض.

إن الخطوط الحمراء لا تهدّد وحسب بل هي تستفز. ليس من يصدرها هو وحده المهدَّد بالإحراج لو لم ينفذها. فالسياسيون المعرّضون لفرض هذه الخطوط يفضّلون ألا يبدوا ضعفاء أيضاً. لهذا السبب، هم يردّون أحياناً على الخطوط الحمراء عبر رسم خطوط أخرى خاصة بهم. القادة السياسيون كما الأشخاص العاديّون يولون أهمّيّة كبيرة لاستقلاليّتهم. وأحد الأساليب للحفاظ على شعورهم بهذه الاستقلاليّة هو القيام بالضبط بما هم ممنوعون عنه فيفشلون غالباً في الموازنة بين فوائد وأكلاف الامتثال.

في كلّ مرة ترسل واشنطن سفناً حربية إلى بحر الصين الجنوبي أو أسلحة إلى تايوان، تردّ الصين عبر استعراض قوتها وسلطتها بحسب الكاتبين. لأسباب استراتيجية ونفسية، تميل الخطوط الحمراء إلى إثارة التصرفات نفسها التي تسعى إلى ردعها. لكنْ حتى الخطوط الحمراء ذات الصدقية والتي لا تستفز أهدافها تفشل أحياناً في تحقيق نتيجتها المتوخاة.

لقد أقنع بوتين قادة الناتو بأنه ينوي وقادر على احتلال أوكرانيا لكنه فشل في الحصول على الالتزام الذي يسعى إليه، والقاضي بوقف توسع الحلف شرقاً. هنا، إن مشكلة روسيا الجوهرية ليست إصدار التهديدات الجدية بل الافتقاد إلى تقديم ضمانات موثوق بها. لو وافق قادة الناتو على سحب عضوية أوكرانيا عن طاولة التفاوض، فهم غير واثقين من عدم استخدام روسيا مستقبلاً تكتيكات مشابهة للتقدم بالمزيد من المطالب.

يجب على الخطوط الحمراء الناجحة أن تقترن بوعود موثوق بها مفادها أنّ الامتثال لن يتسبّب بأكلاف ستكون مفروضة في جميع الأحوال. وسيكون صنّاع القرار الأميركيّون حكماء في أخذ ذلك بالاعتبار وهم يصوغون خطوطهم الحمراء لتقييد روسيا. إنّ فرض عقوبات على موسكو قبل مهاجمة أوكرانيا سيكون خطأ. يدعو الكاتبان واشنطن إلى تأسيس أقوى حافز محتمل لبوتين كي يتراجع، عبر توضيح أنّ العقوبات ستصل إلى حدودها القصوى إذا اجتاحت أوكرانيا وحدودها الدنيا إذا امتنعت عن ذلك. لكن التهديد بالعقوبات سيكون بلا جدوى إذا كان الكرملين يتوقعها بصرف النظر عمّا يفعل. كذلك، إنّ أكثر التهديدات موثوقيّة ضد إيران لن تكون مهمة إذا كانت الأخيرة تظن أنّ واشنطن مصممة على فرض العقوبات بصرف النظر عن التنازلات التي تقدمها.

يشدّد الكاتبان ختاماً على أن فرض الخطوط الحمراء ليس حكمة ولا حماقة. بالنظر إلى غياب البدائل الجذابة، ستحتاج واشنطن بشكل حتمي إلى استخدام هذا التكتيك للتفاوض مع الأعداء ولردعهم. لكن يجب عليها ألا تفعل ذلك وفقاً لافتراضات خاطئة. الخطر على السمعة الكامن في التراجع عن خط أحمر ليس عظيماً بمقدار ما يخشى البعض. وليس بالضرورة أن تكون أقوى الخطوط الحمراء أكثرها فاعلية. كي تكون فعالة، على هذه الخطوط أن تُضبط بعناية لإيصال المطالب الأميركية بوضوح وأن تؤمّن الضمانات الضرورية وتتحاشى استفزاز أهدافها. سواء أكانت تتعامل مع الصين أو روسيا أو إيران، يكمن النجاح في إيجاد التوازن الصحيح، وفقاً لخلاصة تحليل ألتمان وباورز.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم