السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الضرائب والرسوم المقترحة... بين تحسين الإيرادات وزيادة الانكماش؟

المصدر: "النهار"
الليرة اللبنانية (حسام شبارو).
الليرة اللبنانية (حسام شبارو).
A+ A-
رولى راشد
 
تواكب المحادثات الجارية اليوم مع صندوق النقد الدولي، تلميحات الى خيارات لحكومة الرئيس ميقاتي قد تلجأ إليها بعد معاودة اجتماعاتها وتقضي بزيادة بعض الرسوم، انطلاقاً من الرسوم الجمركية، تعرفة الكهرباء، الضريبة على القيمة المضافة وربّما غيرها، تمهيداً لتوسيع باب الإيرادات والمساهمة في سدّ الفجوات المالية الكثيرة، بعد تكبير حجم الوعاء الضريبي، ولاسيّما أنّ الصندوق لن يمنح لبنان شيكاً على بياض.
 
لا شكّ في أنّ إعادة بناء الوعاء الضريبي استناداً إلى مبادئ الكفاءة والإنصاف، تمثل جزءاً محورياً من القدرة على مواجهة الأزمة المالية الحالية وشقّ مسار نمو حيوي ومستدام. ولكن قرار الإصلاحات السياسات الشاملة تلزمه شجاعة مسؤولة ودعم شعبي ينبع من الثقة بالسلطة الحالية. وهذا يرسم علامة استفهام كبرى؟
 
ثمّ إنّ اللجوء الى موّال فرض المزيد من الضرائب لن يكون "ضربة معلّم" بالتأكيد بالنسبة الى بلد كلبنان يختبر دهاليز جهنّم، رغم تصنيفه في عام 2016، من قبل منتدى الاستقرار المالي، جنّة ضريبية، أي الأسوأ على صعيد التشريعات والمراقبة المالية.
 
ما هي الضرائب والرسوم الواجب تلافيها في المرحلة الراهنة؟ وفي المقابل، ما هي الواجب اعتمادها لتحسين الإيرادات؟
 
يقول رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر لـ"النهار" إنّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي يمرّ بمرحلتين: مرحلة أولى على المدى القصير تهدف إلى إعادة التوازن (Stabilization)، ومرحلة ثانية تتبع للإصلاح البنيوي الشامل. وهو يطلب من الدولة تقديم برنامج واقعي للتعافي المالي واستدامة الدين العام مع سلة حلول وتدابير مرافقة للخروج من الأزمة الاقتصادية، يضع بنتيجتها الصندوق برنامجاً للتمويل. للأسف، ليس عندنا رؤية اقتصادية اليوم. علماً بأنّ ما لحظته خطة "ماكنزي" الاقتصادية لم يكن عاطلاً، ولكن لم يُواكب بسياسة ضريبية عادلة، كما أنّ السياسة المالية المعتمدة مخالفة للاتجاهات والخيارات الواجب اعتمادها.
 
يعيش لبنان مرحلة الانهيار مع دولة فاشلة، لذا، برأي ضاهر "من المفترض الحصول على المساعدة لتمرير المرحلة الهشّة وصولاً الى مرحلة إعادة التوازن من خلال ضبط المالية العامة، تحقيق الفائض الأولي، إعادة هيكلة الدين العام والقطاع العام، ترشيد النفقات وتحسين الإيرادات، على أن يواكب ذلك إقناع الدائنين بكيفية ردّ الدين. فالمالية العامة لم تعد وسيلة لـتأمين تمويل وتسديد النفقات العامة فحسب بل وسيلة للتدخّل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتوجيهها، كما وتحقيق البرامج والوعود التي التزمتها السلطات السياسية أكانت تشريعية أم تنفيذية. وهذا التدخّل يتمّ عادةً من خلال فرض الضرائب أو الإعفاء منها بحوافز و/أو زيادة أو خفض الإنفاق العام وذلك كلّه، وفقاً للظروف السائدة والحاجة.
 
ويقول ضاهر: "في الوضع الراهن، يفترض تفادي الضرائب التي تعطّل إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد وتحفيز النموّ مثل زيادة الرسوم الجمركية، ورفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة، علماً بأنّها غير مرتفعة نسبياً في لبنان، إذ تصل إلى 11%".
 
بالرغم من أنّ صندوق النقد الدولي عادة ما يرى أنّه لا بدّ من زيادة معدلات الضريبة على القيمة المضافة بصورة ملحوظة لتحقيق التدفق السريع للمال، ولكن هذا الحل غير محبّذ، وفق ضاهر الذي يعتبر أنّ الضرائب في الوقت الراهن تقع الى حد كبير على عاتق ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، ولن تكون زيادتها مجحفةً فحسب، بل ستؤدي كذلك إلى المزيد من الانكماش في الطلب، والاقتصاد بالتبعية. ويضيف "لن يكون هناك من مجال لزيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة في السنوات المقبلة بصورة معتدلة وموضوعية، إلّا في سياق إعادة تنظيم شاملة للنظام الضريبي بطرقٍ تجعله أكثر تصاعدية، وبهدف جمع نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي من خلال الإيرادات الضريبية".
 
الضرائب المغذية للإيرادات
من هذا القبيل، وتحفيزاً إضافياً للإيرادات المستدامة والالتزام الضريبي، يقتضي إقرار تسوية عامة وشاملة بالنسبة إلى جميع إيرادات الأسهم والسندات المالية الأجنبية وفوائد حسابات الادّخار التي تؤول إلى المقيمين في لبنان، وذلك بمعزل عن أيّ تسوية أخرى مخالفة للمبادئ الدستورية وقرار المجلس الدستوري رقم 2/2018؛ على أن تكون مشروطة بأحد خيارين، يحدّدهما ضاهر كالآتي:
 
‒ إمّا إعادة جميع الرساميل إلى لبنان والامتناع عن تحويلها من جديد إلى الخارج سحابة 5 سنوات، و/أو توظيفها في استثمارات وقطاعات منتجة تُحدَّد بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء.
 
‒ إمّا تسديد على سبيل التسوية نسبة ضرائب (5 أو 7%) على كامل الذمم المالية الخارجية (رأس المال) ولمرّة واحدة بالنسبة إلى المرحلة السابقة، على أن يبادر المستفيدون من هذه التسوية بعدها إلى تنفيذ موجباتهم عملاً بأحكام المواد 77 وما يليها من قانون ضريبة الدخل؛ مما يجنّب التكليف بالضريبة وغرامتي التحقّق والتحصيل على خمس أو سبع سنوات (للمكتومين) إلى الوراء.
 
ويشير ضاهر الى أنّه الى جانب ضبط المالية العامة فإنّ الإصلاحات التي تُلقي بعبء الضرائب على أغنى الطبقات في المجتمع تُعدّ ضرورية في برنامج زيادة الإيرادات الضريبية؛ فالنظام الضريبي يصبح بالتدريجي أكثر إنصافاً وعدالةً بالتزامن مع تحقيق استقرار الاقتصاد.
 
ووفق التقديرات، فإنّ الزيادة الضرورية في الإيرادات الضريبية يمكن أن تكون من خلال عدّة صادر منها:
 
‒ تحسين وتفعيل الامتثال الضريبي. أكبر المجالات التي يبدو فيها هذا ممكناً على المدى القصير، يكون من الضرائب المحصّلة عند الحدود (الضريبة على القيمة المضافة والجمارك)، والضرائب على الإيرادات (الأفراد والشركات) التي يُقدَّر أنّها مجتمعة تصل إلى +2% من الناتج المحلي الإجمالي. وبناءً على ذلك، يجب على إدارة الجمارك أن تكون أكثر انضباطاً في ما يتعلّق بتحصيل الإيرادات عند الحدود بمجملها.
 
ومن الضروريّ تفعيل إجراءات تطبيق القانون رقم 55 تاريخ 27/10/2016 لتبادل المعلومات الضريبية بشكل يتلاءم مع ما هو مطلوب من قبل المنتدى العالمي وفي المعاهدة المتعددة الأطراف (MAC)، بحيث تقوم الدولة ممّثلة بوزارة المالية، من جهة، بطلب التبادل غبّ الطلب بالنسبة إلى الحالات المشبوهة أو المشكوك فيها؛ ومن جهة أخرى استكمال الإجراءات العملية التي تتيح لها تلقّي المعلومات عن مكلفيها تلقائياً على قاعدة سنوية.
 
‒ إخضاع الأملاك المبنية الخالية والشاغرة لرسم إضافي من أجل التحفيز على استخدامها في أنشطة إنتاجية أو تأجيرها لغايات تنموية، مثلما يُتَّبع في بلدان عدّة.
 
‒ رفع الضريبة على بعض القطاعات كالمصارف وشركات التأمين والوساطة الخاضعة لقانون تنظيم هيئات الضمان (المرسوم رقم 9812/1968 وتعديلاته)، والمراهنات وألعاب الميسر، وتلك التي تستثمر مرافق أو أملاكاً عامة أو ثروة طبيعية أو تتمتع باحتكارات أو أوضاع تفضيلية، كما تلك التي استفادت على حدٍ سواء من انتشار وباء كورونا ونتائجه، والأزمة المالية وانفجار مرفأ بيروت ولاسيّما القطاع الطبي (التجهيزات) والأدوية والصيدليات والصيرفة والزجاج والنوافذ (ألمنيوم) والجدران والخشب وسواها من المهن والأعمال... على أن تُدرس الحالات وتُحدَّد مروحة ضريبية خاصة لتلك القطاعات بعناية ودقة.
 
‒ وضع ضريبة تضامنية: مجرّد أن يستقرّ الاقتصاد وينجز تقدير الخسائر بطريقة سليمة، ينبغي أن توضع في الحسبان ضريبة تضامنية على الثروة، على أن تُفرض على الأسر التي تتجاوز ثروتها عتبةً محددةً (5 ملايين دولار أميركي مثلاً)، علاوة على ضرائب الدخل.
 
‒ اعتماد الضريبة الموحّدة على الدخل التي طال انتظارها لأنّ تأجيلها يضعف الالتزام الضريبي ويخسر الخزينة إيرادات.
 
‒ تعميم الرقم الضريبي الموحّد لجميع المواطنين والمقيمين الأجانب على الأراضي اللبنانية وربطه برقم الهويّة أو جواز السفر أو الإقامة (للأجنبي المقيم). وهناك غيرها.
 
وإذ يؤيّد ضاهر مسألة رفع تعرفة الكهرباء، يشدّد على أهمّية إمساك الدولة بالمولدات الخاصة وزيادة ساعات التغذية قبل ذلك.
 
قد تكون الحوافز الضريبية مفيدة ومهمّة لتشجيع الأنشطة الاقتصادية، إلّا أنّ الاستقرار الأمني والسياسي، والبيئة الجيّدة للأعمال وتوفّر المهارات والبنى التحتية السليمة، تبقى الأهمّ في جذب الاستثمارات وخلق فرص الأعمال.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم