الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"التقرير الفصلي لبنك عوده": تجنّب تقلّبيّة حادّة في سعر الصرف في الأمد المنظور مرتبط ببرنامج نهائي مع صندوق النقد وإصلاحات جدية ومساعدات خارجية

المصدر: "النهار"
بنك عودة.
بنك عودة.
A+ A-

استهل لبنان سنة 2022 بعدد من التطورات المهمة، منها انجاز "اتفاق على مستوى الخبراء" مع صندوق النقد الدولي، وانهاء الأزمة الدبلوماسية مع بلدان الخليج العربي، وبدء العد العكسي للانتخابات النيابية والرئاسية. مع ذلك، فإن التقرير الاقتصادي الفصلي الجديد لـ"بنك عوده" رأى أن آفاق الاقتصاد الحقيقي لعام 2022 لا تزال غامضة جداً وتتوقف على الاستحقاقات السياسية القادمة، وإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق جملة اصلاحات بنيوية ومالية وتأمين الدعم الدولي المرجوّ. في هذا السياق، من الممكن أن يسجّل الاقتصاد اللبناني انكماشاً إضافياً بنسبة -6.5% حسبما يتوقّع البنك الدولي، أو نمواً بنسبة +2.5% حسب توقّعات مؤسّسة التمويل الدولية.

على صعيد القطاع الخارجي، سجّل ميزان المدفوعات عجزاً صافياً قيمته 1473 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2022 بالمقارنة مع عجز بقيمة 847 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2021. وقد نتج عجز ميزان المدفوعات في الفصل الأول من هذا العام عن انخفاض الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان بقيمة 1517 مليون دولار، في حين زادت الموجودات الخارجية الصافية لدى المصارف والمؤسسات المالية بقيمة 43 مليون دولار. وتظهر آخر إحصاءات الصادرة عن مطار بيروت أن حركة المطار اتسمت بأداء لافت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2022، إذ ارتفع اجمالي عدد المسافرين بنسبة 104.5% بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021 مع عودة حركة الملاحة الجوية نتيجة التخفيف من القيود المرتبطة بجائحة كورونا عالمياً.

على صعيد القطاع العام، أقرّت الحكومة في الأشهر الأولى من العام مشروع موازنة العام 2022، والذي فرض قيوداً على الانفاق ووضع تدابير لتأمين المداخيل بما يتفق مع متطلبات صندوق النقد الدولي، كما جرى إحالته إلى المجلس النيابي للمناقشة والمصادقة عليه. إن المصادقة البرلمانية على مشروع الموازنة يعدّ أحد المتطلبات الرئيسية من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، ناهيك عن قانون الكابيتال كونترول، وإعادة هيكلة الدين العام، وتعديل قانون السرية المصرفية، والتدقيق بالوضعية الخارجية لمصرف لبنان، ومراجعة الوضعية العامة للمصارف الـ14 الأولى.
على صعيد الوضع النقدي، إنّ الانخفاض الكبير في احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي يأتي في ظل التدخل المتزايد واللافت للمركزي عبر منصة "صيرفة" عملاً بالتعميم رقم 161، في حين أن التدخل المرتبط بالدعم وصل إلى حدوده الدنيا. توازياً، شهد مؤشر أسعار الاستهلاك الصادر عن مؤسسة البحوث والاستشارات ارتفاعا سنوياً نسبته 230% في آذار، وهو أحد أعلى المستويات في الأسواق الناشئة.

على الصعيد المصرفي، ظلت المصارف تشهد ظروفاً تشغيلية صعبة خلال الفصل الأول من العام 2022. إذ ارتفعت قليلاً الودائع المصرفية بالليرة اللبنانية بمقدار 0.7 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام لتبلغ زهاء 27.3 مليار دولار. أما الودائع بالعملات الأجنبية فتراجعت بمقدار 2.0 مليار دولار لتبلغ زهاء 100.8 مليار دولار. عليه، بلغت نسبة دولرة الودائع 78.7% في آذار 2022 مقابل 79.4% في كانون الأول من العام 2021. في موازاة ذلك، خفّضت المصارف اللبنانية ذممها على القطاع الخاص. فقد انخفضت محفظة التسليفات المصرفية بمقدار 1.8 مليار دولار خلال الفصل الأول من العام لتبلغ زهاء 26.0 مليار دولار في نهاية آذار. ووصلت معدلات الفوائد إلى حدوده الدنيا. علي صعيد الليرة، انخفض معدل الفائدة الوسطي على الودائع من 9.0% في تشرين الأول 2019 إلى 0.9% في آذار 2022. وعلى صعيد الدولار، هبط معدل الفائدة الوسطي على الودائع من 6.6% إلى 0.2% خلال الفترة المغطاة.

وفي ما يتعلق بأسواق الرساميل، سجلت سوق الأسهم نوعاً من الاستقرار بعد الارتفاع الكبير لأسعارها في العام السابق، إذ تراجع مؤشر الأسعار لبورصة بيروت بنسبة 3.1% خلال الفصل الأول من العام بعد أن كان قد ارتفع بنسبة 48.1% في العام 2021 نتيجة القفزات اللافتة في أسعار أسهم "سوليدير". ويأتي هذا الاستقرار النسبي في الأسعار في ظل انخفاض سنوي في أحجام التداول بنسبة 23%، من 66 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2021 إلى 51 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2022.

لبنان غارق في دوامة تضخمية حادة منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في الفصل الأخير من العام 2019، ما زاد الأوضاع سوءاً، وولّد ضغوطاً اجتماعية واقتصادية جمّة على الأسر اللبنانية وزاد نسبة العائلات الرازحة تحت خط الفقر والتي تتجاوز حالياً الـ78% وفق آخر الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة.

تشير الأرقام الصادرة عن مؤسسة البحو
ث والاستشارات إلى أن نسبة التضخم المتراكم في لبنان بلغت 825% بين أيلول 2019 وآذار 2022. ويأتي ذلك نتيجة ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك بنسبة 107% بين أيلول 2019 وأيلول 2020، وبنسبة 171% بين أيلول 2020 وأيلول 2021، وبنسبة 65% بين أيلول 2021 وآذار 2022. هذا وتظهر أرقام مؤسسة البحوث والاستشارات لعامين ونصف أن جميع مكونات مؤشر أسعار الاستهلاك التسعة سجّلت زيادات حاّدة في آذار 2022 بالمقارنة مع أيلول 2019. وكان الارتفاع الأبرز في أسعار الملبوسات (1433%)، تلتها السلع المعمرة (1161%)، المأكولات والمشروبات (1113%)، فالنقل والاتصالات (1041%)، والسكن (700%)، والترفيه (424%)، والعناية الصحية (344%)، والسلع والخدمات الأخرى (339%) والتعليم (92%).
 
رغم أنّ أرقام التضخم مرتفعة جداً، إلا أن لبنان لم يدخل بعد حيّز التضخم المفرط بالمعنى التقني للكلمة. فالتضخم المفرط، بحسب المعايير الدولية، يشترط أن يتجاوز التضخم الـ50% في شهر واحد أو الـ1000% سنوياً. والسبب الرئيسي وراء عدم دخول لبنان حيّز التضخم المفرط هو الارتفاع المحدود في كلفة العامل الأهم في الانتاج وهو العمالة، إذ لم يجر حتى الآن أي تعديل رسمي للأجور.

لبنان ليس في وضع التضخم المفرط لكنه حتماً يشهد نسب تضخم كبيرة. ففي حين شهد العالم عموماً هذه السنة زيادات ملحوظة في نسب التضخم بفعل ارتفاع أسعار النفط والغذاء نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية، ينفرد لبنان على المستوى العالمي في تسجيل نسب تضخم متتالية تفوق الـ100%. في المقابل، من المتوقع أن تبلغ نسبة التضخم العالمي 7.4% في العام 2022 وفق آخر تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي (5.7% للاقتصادات المتقدمة و8.7% للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية).

وقد ترك رفع الدعم عن النفط والأدوية تأثيراً مباشراً على نسب التضخم في لبنان مؤخراً. ويأتى ذلك بسبب التأثير المباشر لارتفاع أسعار النفط عالمياً ومحلياً على كلفة النقل وكلفة الطاقة المنزلية، ناهيك عن التأثير غير المباشر لارتفاع التكاليف على عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى. وقد ارتفعت كلفة النقل بنحو 1800% خلال العامين والنصف المنصرمين بموازاة التأثير اللافت الذي تركه ارتفاع التكاليف على الدورة الاقتصادية بأكملها.

إلى ذلك، يظهر تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازية على جانب كبير من الأهمية حيث شكّل العامل التضخمي الأبرز. فقد فقدت الليرة اللبنانية نحو 94% من قيمتها منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019. والواقع أن سلوكية سعر صرف الليرة في السوق الموازية يحددّها مجموعة عوامل منها سيكولوجية تتعلق بعامل الثقة ومنها بنيوية متعلقة بالعرض والطلب البنيوي على الليرة اللبنانية والدولار الأميركي في السوق. فتدهور سعر الصرف مرتبط في شح الأموال الوافدة باتجاه لبنان والذي أسفر عن عجوزات كبيرة في ميزان المدفوعات، وعمليات خلق نقد ملحوظة بالليرة اللبنانية، ونشاط المضاربة إضافة إلى العوامل السيكولوجية المرتبطة بالمخاوف من الآفاق السياسية والاقتصادية.

هذا وفي الفترة المقبلة، مع طيّ صفحة رفع الدعم، فإنّ آفاق التضخم ترتبط بآفاق سعر الصرف، والذي بدوره مرتبط بإدارة الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد. إنّ تعميم مصرف لبنان رقم 161 والذي يتيح السحوبات النقدية بالدولار من المصارف على سعر منصة "صيرفة"، زاد من عرض الدولار في السوق وبالتالي كبح تدهور سعر صرف الليرة. غير أن مفعول التعميم محدود وموقّت، فهو بمفعول حقنة مخدر معطاة لمريض مصاب بمرض عضال. كما أنه مرتبط بالحجم المحدود من الاحتياطيات بالنقد الأجنبي لدى مصرف لبنان والتي تبلغ حالياً حوالي 11 مليار دولار وتستنفد بنحو 500 مليون شهرياً حتى بعد رفع الدعم. من هنا، فإن قدرة مصرف لبنان على ضخ الدولار في السوق محدودة من حيث الحجم والتوقيت.

عليه، تبرز ضرورة اعتماد تدابير بنيوية لاحتواء العجز التوأم، ذاك أنّ العجز الخارجي يستنفد مخزون الدولار في السوق بينما العجز العام يزيد من مخزون الليرات في لبنان. ويتطلّب ذلك قبل كل شيء، إقرار الخطة الشاملة مع صندوق النقد الدولي والتي تشكّل نوعاً من الرقابة لتنفيذ الإصلاحات، ومن ثمّ الحصول على مساعدة دولية. ففي حال غياب الإصلاحات البنيويّة والماليّة والنقدية، التي تعيد التوازن بين مخزون الليرة ومخزون الدولار، يكون سعر الصرف معرّضاً للتفلّت من جديد في المستقبل القريب ولمعاودة حلقة إضافية من التقلّبات الحادة في الأفق.
 
لقراءة التقرير اضغط هنا

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم