الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أزمة المازوت تستفحل جنوباً... ظُلمة وغضب

المصدر: النهار
أرشيفية (تصوير مارك فياض)
أرشيفية (تصوير مارك فياض)
A+ A-
أزمة المازوت تُرخي بثقلها على جميع المناطق اللبنانية من دون استثناء، وتنعكس على حياة المواطن اليومية والمعيشية، إلى جانب انعكاسها على القطاعات الإنتاجية والحيوية. وقد أثارت في جنوب لبنان تحديداً سجالات بين المواطنين والمعنيين، حيث علت أصوات المواطنين بسبب انعدام المبرّرات المنطقيّة مقارنة بمناطق أخرى في البلاد.
فما هو سبب انقطاع هذه المادة بشكلٍ حادّ في الجنوب؟ وهل الكمية التي تُسلّمها منشآت الزهراني والشركات الخاصّة إلى اتحادات البلديات في الجنوب تكفي حاجات البلدات أم تذهب الكميّة بمعظمها إلى الاحتكار؟ أم المنشآت والشركات لا تسلّم إلّا القليل من المازوت أو لا تسلّم البتة؟

 تعبّر ريما في إحدى قرى النبطيّة عن حالة مذرية يتسبّب بها انقطاع التيار الكهربائي، فـ"كهرباء الدولة مقطوعة طول النهار، ويخرق هذا الانقطاع ساعتان فقط من الإمداد بالتيار. أمّا مولّد البلدية (حيث تقطن) فيغذّي لمدّة تقارب الـ 4 ساعات لا أكثر، والأطعمة جميعها أُتلفت لدى الناس، والأمر بات صعباً جداً"، وجلّ ما فعلته البلدية هو الطلب إلى الأهالي عدم ملء البرادات والثلاجات بالأطعمة، لأنّ المازوت المخصّص لتشغيل المولّدات نفد.

كذلك تؤيّد ليلى، إحدى سكان مدينة بنت جبيل، مضمون الشكوى في النبطية، ومن دون تردّد ترى أنّ "الأزمة كارثيّة في البلدة. فليلة أمس، أُطفئت المولّدات عند الواحدة بعد منتصف الليل وما زالت حتى اليوم مطفأة، إذ نفد المازوت من المولّدات. وفي غضون الأسبوع الماضي، كان التقنين قاسياً جداً، وكانت المولّدات تُطفَأ طوال النهار، لأنّ الأولويّة لتشغيلها ليلاً".
ولا تقتصر الشكوى من انقطاع التيار الكهربائي وإمدادات المازوت على المواطنين وأصحاب الأعمال والمؤسسات، بل تشمل المسؤولين في بلديات الجنوب، وفق ما أفاد السيد محمد صعب، رئيس بلدية شبعا، الذي يتولّى في الوقت عينه رئاسة اتّحاد بلديات العرقوب، لـ"النهار"، أنّ "المازوت لا يأتينا، ومنذ فترة مزوِّدنا من حاصبيا لم يزوّدنا، والبلدية مسؤولة عن إنارة الشوارع كما المنازل، ولا كهرباء لدى الناس".
وتشهد منطقة العرقوب بأكملها من كفرشوبا إلى كفرحمام فراشيا والهبارية وغيرها أزمة انقطاع مازوت كبيرة، و"الناس يعيشون من قلّة الموت في ظلّ انقطاع المازوت"، وفق تعبير صعب، الذي يحمّل وزير الطاقة المسؤوليّة لأنّه "لا يسلّم المازوت إلى المحطات، بل صاحب المحطة مَن يذهب لتعبئة صهريجه، بالرغم من أنّه يعود به فارغاً كما ذهب، في هذه الأيام".

ويؤكّد صعب انسداد الأفق أمام الحصول على إجابات شافية، إذ يجزم بالتواصل مع الفاعليات في المنطقة من دون الحصول على جواب، مضيفاً "نحاول التواصل مع منشآت الزهراني لكنّهم لا يجيبوننا نهائياً، كما نحاول التواصل مع الزعماء أيضاً، وهم لا يجيبون؛ والوزير ليس أفضل حالاً".
ويوضح صعب أن "من المفترض أن تتسلّم بلديات منطقة العرقوب يوميّاً حوالي 80 ألف لتر من المازوت عبر منشآت الزهراني لتغذية الكهرباء في المنازل والشوارع والأفران، إلّا أنّها لا تسلّم الكميّة"، "وقد نفد احتياطي المازوت من البلدية، واليوم هو اليوم الأخير منه، وصرختنا مدوّية في المنطقة، والمواطنون هنا يعانون بشدّة، ولا إمكانية ماديّة لديهم لشراء المازوت من السوق السوداء بـ 250 و300 ألف ليرة ".
من جهته، يؤكّد حسن دبوق، رئيس بلدية صور، رئيس اتّحاد بلديات صور ومنطقتها في حديث لـ "النهار" أنّ "المشكلة في انقطاع المازوت تعود إلى غياب الإشراف على توزيع ونقل هذه المادة"، التي تتأمّن عبر مصدرين في لبنان هما منشآت النفط في طرابلس والزهراني من جهة، ومن شركات المحروقات الخاصة من جهة أخرى. وقد أفرغت منشآت الزهراني آخر باخرة مؤخّراً، وبقي لديها حوالي 10 ملايين لتر من المازوت تكفي لحوالي 10 أيام بعد لتغذية لبنان كلّه، إذا ما وزّعت يوميّاً مليون ليتر من المازوت (بينما في الحالات العادية كانت توزّع 5 ملايين من المادة في اليوم)، واليوم، حاجة السوق تفوق الـ 8 ملايين لتر، والشركات الخاصة قد أدخلت ما يُقدّر بحوالي 100 إلى 120 مليون لتر (لأنّ الأرقام الدقيقة محصورة بوزارة الطاقة)، "فأين ذهبت كلّ الكميات هذه؟"، يسأل دبوق.
يستخلص دبوق ممّا تقدّم "عدم وجود شفافية في ما يتعلّق بنشر الأرقام والكميّات الدقيقة الموجودة، ولدى الشركات الخاصة التي استلمت هذه الكميّات وكيفية توزيعها. فمنشآت الزهراني قدّمت أرقاماً في هذا الإطار، وكذلك نقيب أصحاب المولّدات، لكن أين أرقام الجهات المعنيّة الأخرى؟".
ويرى دبوق أنّه إذا كانت حصّة منشآت الزهراني وطرابلس 30 % من إجمالي السوق، "فأين تذهب نسبة الـ 70% المتبقية من المازوت المدعوم المستورَدة من قِبل الشركات الخاصة؟"، مشيراً إلى أنّ "هناك شركتين خاصّتين للمحروقات تسلّم المازوت في الجنوب. لكن هناك حوالي 8 أو 10 شركات محروقات لا تلبّي حاجة سوق الجنوب من المازوت منذ بداية أزمة المازوت، وقد تمرّر نقلة مازوت "حياءً"؛ لذلك برزت أزمة المازوت في أماكن قبل أخرى؛ فهل يجب أن ندفع ضريبة عدم وجود المازوت في الجنوب بسبب عدم وجود مستوردي نفط في الجنوب؟".

والسؤال الذي يُطرح في كلّ لبنان وسط أزمة انقطاع المازوت: لماذا المازوت مفقود بالسعر الرسمي، لكنّه متوافر في السوق السوداء؟
يجيب دبوق بأنّ "هذا يعني أنّ هناك مافيا من المستوردين أو الموزّعين لا يوصلون المازوت إلى حيث يجب أن يصل، إنّما يخزّنونه لجني أرباح بانتظار رفع الدعم"، مشيراً إلى أنّ "هناك مشكلة على مستوى توزيع المازوت. وما يحصل أنّه لدى خروج هذه المادة من المنشآت ومستودعات الشركات، تصبح على ذمّة ناقلها. لذلك من المفترض الإشراف على توزيع المازوت فور خروجه من منشآت النفط والمستودعات إلى حيث يجب أن يصل، إذ سبق وقام الأمن العام بهذه المهمّة منذ حوالي 8 أشهر ونجح بضبط نقل المادة".

في صور، تُطفئ المولدات حالياً نهاراً لحوالي 8 أو 9 ساعات، فالأولوية للتغذية ليلاً. وهناك أصحاب مولّدات أطفأت مولّداتها نهائياً بسبب نفاد المازوت لديها، و"الليلة قد تنقطع الكهرباء نهائياً. وهناك قرى انقطعت الكهرباء لديها منذ 3 أيام"، وفق دبوق، ويضيف أنّ "الأزمة حادّة جداً ولم نشهدها سابقاً".

والمراقب للوضع المعيشي والاقتصادي في صور يرى أن الأزمة أرخت بثقلها على المدينة المميّزة صور، فأقفل فرنٌ لثلاثة أيام بسبب انقطاع المازوت، وبات القطاع الزراعي في أنحائها وعلى تخومها مهدّداً، مع الملاحظة أنّه يشكّل عماد الاقتصاد في الجنوب، فيما قطاع الاستشفاء والسياحة يعانيان الأمرّين، "فلماذا لا يتمّ تخصيص نسبة من المازوت للقطاعات الحيوية فور وصول أيّ باخرة؟" وفق سؤال لدبوق، الذي يعتبر أنّ "أزمة المازوت تحتاج إلى حسن تدبير وإدارة ورقابة مشدَّدة، وهذه العناصر غير موجودة راهناً".
في السياق نفسه، يضمّ محمد السعودي، رئيس بلدية صيدا، رئيس اتحاد بلديات صيدا-الزهراني، صوته إلى صوت دبوق، ويؤكّد أنّ "الشركات الخاصّة لا تسلّم المازوت إلى صيدا-الزهراني إلّا قليلاً".
وفي معرض حديثه لـ "النهار"، يشير إلى أنّ "الوضع بائس جداً، والناس انفجروا وهم غير قادرين على تحمّل انقطاع المازوت والكهرباء"، لافتاً إلى أنّه تلقى "مئات الشكاوى والاحتجاجات يومياً، فمنذ أمس، المولدات مُطفَأة، وأمس واليوم لم يوزَّع المازوت في منطقة الزهراني ووعدونا توزيع المادة غداً".

وعن الكمية المطلوبة لتغطّي حاجة بلديات صيدا-الزهراني، يتابع السعودي أنّ "هناك 70 صاحب مولِّد يتمّ توزيع المازوت عليهم بحسب حاجاتهم. والاتحاد بحاجة إلى 300 ألف لتر يومياً من المازوت، لكنّنا أحياناً نتسلّم 30 ألف فقط، وآخر مرّة تسلّمنا 150 ألف لتر، أي أقلّ من حاجتنا".
والحلّ برأي السعودي هو "إمّا عبر رفع الدعم عن المازوت لمنع السوق السوداء والتهريب، وإمّا عبر تسليم المازوت بكميّة تكفي المولدات، فالكميّة التي نتسلّمها لا تكفي".
وما بين التهريب ورفع الدعم تستمرّ مافيا المحروقات في نشاطها، وتستشري كالسرطان القاتل في جسد المؤسسات والدولة بل المجتمع!





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم