السبت - 27 تموز 2024
close menu

إعلان

باكورة قرار الخلف في "المركزي" إلغاء صيرفة وتوحيد سعر الصرف وإبعاد التدّخلات السياسية؟

المصدر: "النهار"
مصرف لبنان.
مصرف لبنان.
A+ A-
رولى راشد

بالتأكيد، ما بعد حاكمية رياض سلامة في مصرف لبنان لن يكون كما قبله. فانتهاء ولاية سلامة يشكّل حدّاً فاصلاً لمسار سياسة نقديّة التزمها طوال حقبة امتدت لـ30 سنة، صفّق لها بعض المراقبين بعدما حقّقت النجاح، وأنعشت القطاع المصرفي الذي "انفلش" بشكل غريب في الداخل والخارج، محقّقاً الأرباح ومبتكراً الأدوات، وانتقدها البعض الآخر محذّراً من تداعياتها.

43 شهراً ولبنان في قلب الأزمة، فقد خلالها المودعون 51 مليار دولار من ودائعهم، وما زالت الدولة تناقش مشاريع، ثمّ تسحب بعضها وتعيد صياغة أخرى. وإذا ما أقرّت بعض القوانين تبلّغت عدم رضى صندوق النقد عنها، وفق ما ذكره الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف.

يكشف خلف عن "ضغوطات يتعرّض لها مصرف لبنان لناحية تمويل كافة المدفوعات بالعملة الأجنبية، إضافة إلى الضغوطات لضبط سعر الصرف، التي قد تتعذّر مقاومتها في "أزمة نظاميّة" كالتي يرزح تحتها الاقتصاد اللبناني. لكن المصارف التي تُسأل عن مصير ودائعها لدى المصرف المركزي من واجبها أيضاً أن تُذَكِّر بأنها راسلت المصرف المركزي مرتين بهذا الخصوص، بتاريخ 31 آذار 2021، وبتاريخ 4 نيسان 2022، مذكِّرة بوجوب عدم المساس بالاحتياطي الإلزامي، لا بل بعدم جواز المساس بإيداعات المصارف لدى المصرف المركزي، وبوجوب الحفاظ عليها كاملة من دون نقصان. وقد أتاها الجواب بأنه يُمكن للمصرف المركزي تسديد الودائع بالليرة وفقاً لسعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي...".

كالعادة، تحاول المصارف إبعاد كأس تحمّل المسؤولية عنها، وتبكي البليّة التي هي فيها مع خشيتها من أن تكون الضحيّة بوجود هذه المنظومة السياسية. قد تكون على صواب، أو غير ذلك. دور المصرف المركزي يتمثّل في وضع السياسة النقدية وإصدار التعاميم. أمّا من ناحية مراقبة الالتزام فالصلاحية مناطة بلجنة الرقابة على المصارف، التي تُصدر التعاميم والمذكّرات التطبيقية وتُتابع تنفيذها مع المصارف. إذن يُفترض بالتعاميم والمُذكّرات التطبيقية أن تُزيل أيّ التباس. ولكن ما أقدم عليه الحاكم من إجراءات بهدف تهدئة السوق بغياب السلطة التنفيذية، سواء أكان سليماً أم عكس ذلك، يحوّل إلى ميزان العدالة للحكم عليها، بعيداً من تصفية الحسابات، بالرغم من أن المودعين دفعوا الثمن مسبقاً، وإن استفادت شريحة محدّدة، من بينها أصحاب المصارف والمديرون فيها والمقرّبون منهم من تعميم منصّة صيرفة المبتكرة وبعض تعاميم السحوبات النقدية المتاحة.

وسط الضجّة المتصاعدة في القضاء حول مصير حاكم مصرف لبنان عشية انتهاء ولايته وانزلاق لبنان إلى دائرة الخطر هناك تساؤلات عن التغييرات التي قد يأتي بها خلفه.
كيف سيكون المشهد في "المركزي" بعد توالي الدعوات الموّجهة إليه للتنّحي؟

بدارو: المراحة للمراوحة النقدية بانتظار الرئيس العتيد

الاقتصادي الدكتور روي بدارو يعتبر "ما نشهده اليوم مؤشّراً على أنّ لبنان ليس معزولاً عن السياسة الاقتصادية العالمية وعن صندوق النقد الدولي؛ فالوضع الماليّ والنقديّ اللبنانيّ تحت المجهر الدوليّ. وبانتظار تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، أصبح مرّجحاً اليوم أن يستلم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري المهام، وأن تكون إدارته بعيدة حكماً عن أيّ تدخّل سياسيّ، لمعرفته بأهمّية القضايا والإجراءات المطلوبة وبالدور المطلوب منه القيام به، بانتظار انتظام العمل المؤسساتيّ، بعد إنجاز الاستحقاق الدستوريّ بانتخاب رئيس للجمهورية، وتعيين رئيس للحكومة ومجلس وزراء وصولاً إلى تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان نأمل في أن يكون ذلك قبل آخر حزيران المقبل.

ووفق المعطيات، ثمة اتفاق بين نواب الحاكم الأربعة، خصوصاً بين الحقوقيّ وسيم منصوري، والاقتصادي النائب الثاني سليم شاهين، حول المسار الواجب اتّباعه في تطبيق السياسة النقدية، علماً بأن الاجتماع الأخير للمجلس المركزي مع الحاكم كان عاصفاً في النقاش والتباين في وجهات النظر.
قد لا نشهد تغييراً جذرياً في التدابير المتّخذة إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين حاكم جديد بارع ومميّز. ولكن هناك إشارات لدى منصوري بتوقيف العمل بمنصّة صيرفة مع التوّجه نحو توحيد تدريجيّ لسعر الصرف".

وعن لجم تدخّلات السلطة السياسيّة في الوضع النقدي، يؤكد بدارو لـ"النهار" أن هذه السلطة أدركت اليوم أن زمن التحكّم بالسياسة النقدية والمالية قد ولّى، وما يواجهه رياض سلامة من اتّهامات رسالة لأركانها. ومعظم الذين شاركوا أو حتى باركوا هذه السياسات النقدية والمالية المنفذّة منذ عام 1993 هم شركاء، ولو بتفاوت، ويتحملّون مسؤولية الانهيار الحاصل اليوم".

وإذا كانت استقلالية البنك المركزي أساسية لحماية حرية وفاعليّة السياسة النقدية في الدفاع عن هدفها الرئيسيّ المتمثل بالحفاظ على الاستقرار النقدي والقدرة الشرائية، فأين الحوكمة الرشيدة في إدارة السياسة النقدية؟
يقول بدارو هنا: "لا بدّ من التركيز على الحوكمة لناحية إدارة الهيئات التي تدور في فلك مصرف لبنان، ومنها هيئة التحقيق الخاصّة، لجنة الرقابة على المصارف، لجنة الأسواق المالية، الهيئة المصرفية العليا، الميدل إيست... فهي جميعها بحاجة إلى التمتّع بالاستقلالية التامة عن مصرف لبنان، حتى لا يعود حاكم المركزي الحكم والفريق في الوقت نفسه. يجب التخلّي عن دور ديكتاتور الاقتصاد والأسواق المالية الذي منحه لنفسه".


أصدر سلامة خلال سنوات الأزمة رزمة من التعاميم، بعضها كانت موفّقة، والبعض الآخر تشوبه ثغرات، فعجزت المصارف عن تطبيقها أو تغاضت عن ذلك بذرائع مختلفة. لكن نتيجتها كانت واحدة، وهي السطو على أموال المودعين وانتزاع الثقة بالقطاع الذي كان ركناً أساسياً في الاقتصاد.
كيف سيكون مصير أهمّ هذه التعاميم التي أصدرها سلامة منذ بداية الأزمة في 17 تشرين الأول 2019 بعد انتهاء ولايته في آخر حزيران؟

عجاقة: التعاميم من صلاحيات المجلس المركزي والحاكم الجديد

أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفيسور جاسم عجاقة يعتبر "هذه التعاميم عبارة عن تنفيذ لقرارات المجلس المركزي، يصدرها الحاكم، وهي موجّهة حصراً إلى المصارف والشركات المالية وشركات تحويل الأموال. وبالتالي، لا يُمكن إلغاؤها أو تعديلها إلا من قبل المجلس المركزي على أن تصدر على شكل تعميم جديد".
ويرى أن "التعاميم، التي تتعلّق بأوضاع المصارف وطريقة عملها مع المودعين، أتت على خلفية غياب قانون الكابيتال كونترول، وهي ليست حلّاً للأزمة، ولم يكن هدفها يوماً أن تحلّ محل قانون الكابيتال كونترول"، موضحاً بأن "المركزي طلب من المجلس النيابي بواسطة وزير المال في تشرين الثاني من عام 2019 صلاحيات استثنائية لإقرار قانون الكابيتال كونترول، إلا أن المجلس النيابي رفض هذا الأمر. لذا أتت هذه التعاميم (الموفّقة أحياناً وغير الموفّقة أحياناً أخرى) لتعوّض جزئياً عن الكابيتال كونترول".
ويُبيّن أن "بعض هذه التعاميم أخذ طابعاً اجتماعياً، وبالتالي، من دون حلّ إجمالي للأزمة، لا يُمكن إلغاؤها. والبعض الآخر يرتبط بطريقة عمل الحاكم الجديد. وهنا يُطرح السؤال عن صلاحيات الحاكم الجديد إذا ما تمّ تعيين خلف لسلامة من قبل حكومة تصريف الأعمال، وفي ظلّ غياب رئيس للجمهورية. ممّا لا شكّ فيه أن الوضع سيكون مُعقّداً".

يمثل البنك المركزي في الكثير من الدول الأداة الرئيسية التي تتدخّل بها الحكومة للتأثير في السياسة الاقتصادية عن طريق السياسة النقدية، لذا برز في مقدمة اهتمامات الاقتصاديين موضوع استقلالية البنوك المركزية، فأصبح من المواضيع الأساسية المطروحة في الساحة المصرفية.
تتجسّد استقلالية البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية بما لا يسمح بتسخير السياسة النقدية لتمويل عجز الموازنة العامة، وإعطاء الأولوية في المحافظة على استقرار الأسعار وقيمة العملة كهدف رئيسيّ.

وخلال السنوات الأخيرة، عمل العديد من الدول على تعديل أنظمته المصرفيّة بما يمنح الاستقلاليّة لبنوكها المركزية، فكانت من التجارب الرائدة تجربة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الألماني "بوندسبنك". أمّا في لبنان، فالتسلّط السياسي متجذّر في كلّ القطاعات من دون حسيب ورقيب.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم