الثلاثاء - 14 أيار 2024

إعلان

كيف قد يحلّ بايدن معضلة التعاطي مع رئيسي؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الإيراني ابرهيم رئيسي خلال حملته الانتخابية - "أ ب"
الرئيس الإيراني ابرهيم رئيسي خلال حملته الانتخابية - "أ ب"
A+ A-

فرض فوز المتشدّد ابرهيم رئيسي بالرئاسة الإيرانية معضلة على الغربيّين عموماً والأميركيّين خصوصاً بما أنّه مصنّف على لائحة العقوبات الأميركيّة. يعود سبب هذا التصنيف إلى مشاركته خلال مسيرته القضائيّة في انتهاكات عدّة لحقوق الإنسان من بينها إعدام قصّر بحسب اللائحة. واتُّهم رئيسي بمساهمته في قمع الانتفاضة التي قامت في تشرين الثاني 2019 والثورة الخضراء سنة 2009.

 

لكن أهمّ ما يمكن أن يكون قد طبع مسيرته هو مشاركته في ما سمّي "لجنة الموت" التي أشرفت سنة 1988 على عمليّات إعدام جماعيّة للآلاف من المعارضين الإيرانيّين، خارج نطاق القضاء. وانتمى القسم الأكبر من هؤلاء إلى حركة "مجاهدي خلق" بينما انتمى الباقون إلى مجموعات يساريّة. كان رئيسي حينها نائباً للمدّعي العام في طهران وشارك في تنفيذ عمليّات الإعدام التي طالت بين 5000 شخص بحسب منظّمات إنسانيّة دوليّة و30 ألفاً بحسب أرقام المقرّبين من "مجاهدي خلق".

 

في 2018، ردّ رئيسي على هذه الاتّهامات قائلاً إنّ عمليّات الإعدام أصدرها قاض وصادقت عليها المحكمة العليا. وغابت هذه القضيّة عن المناظرات الرئاسيّة خلال الحملة الانتخابيّة الأخيرة. فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة عقوبات على رئيسي في تشرين الثاني 2019 وقد تزامن التصنيف مع الذكرى الأربعين لأزمة الرهائن الأميركيّين الذين احتجزتهم الثورة في إيران. لهذه الأسباب، لن يكون تعامل إدارة بايدن مع هذه الإشكاليّة أمراً يسيراً بما أنّه يُمنع على أيّ أميركيّ التعامل مع رئيسي قبل رفع اسمه عن لائحة العقوبات.

 

انتقدت الخارجية الأميركيّة العمليّة الانتخابيّة برمّتها. وقال المتحدّث باسمها نيد برايس إنّ "الشعب الإيرانيّ حُرم من حقّه بانتخاب قادته في عمليّة انتخابيّة حرّة ونزيهة". وتميّزت الانتخابات الثالثة عشرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلاميّة بانخفاض كبير في نسبة الاقتراع. فقد قاطع أكثر من 51% من الإيرانيين الانتخابات، وهو الرقم الأعلى طوال أربعين عاماً. على الرغم من ذلك، قال برايس إنّ الولايات المتحدة ستواصل تبادل وجهات النظر مع حلفائها وشركائها بشأن العودة المتبادلة إلى التزامات الاتّفاق النوويّ مشيراً إلى أنّ مفاوضات إحياء الاتّفاق أحرزت "تقدّماً كبيراً". بذلك، سيتعامل بايدن مع حكومة إيرانيّة تقول إدارته نفسها إنّها ناتجة عن انتخابات غير نزيهة ويترأسها شخصيّة على لائحة العقوبات.

 

من غير المتوقّع أن تتراجع الإدارة عن المفاوضات بسبب النتائج الانتخابية. فقد عقدت العزم على إحياء المحادثات منذ فترة طويلة وكان تعيينها روبرت مالي موفداً خاصاً للشؤون الإيرانيّة الخطوة التي قطعت الشك باليقين. يُرجّح أن تستخدم إدارة بايدن الحجّة نفسها التي استخدمتها إدارة أوباما حول أنّ منع إيران من الوصول إلى السلاح النوويّ يحتلّ الأولويّة على ما عداه من مسائل أخرى بما فيها حقوق الإنسان. لكنّ ذلك سيأتي على حساب الصورة التي لطالما روّجها بايدن عن نفسه حول تبنّي القضايا الحقوقية في صلب سياسة بلاده الخارجيّة. وقال في المؤتمر الصحافيّ خلال قمّة جنيف إنّ هذا الملفّ "هو جزء من الحمض النووي" للولايات المتحدة. انطلاقاً من هنا، لن تغيب التساؤلات عن سبب تطرّقه إلى قضايا حقوقيّة في روسيا والصين مثلاً بينما يغيّبها تماماً عن محادثاته مع الإيرانيّين.

 

يمكن أن يجادل بايدن بأنّه سيتطرّق إلى هذه القضايا بعد العودة إلى الاتّفاق النوويّ والتي سوف تكون نقطة انطلاق نحو اتّفاق أوسع وأشمل كما كان يقول خلال حملته الانتخابيّة. لكنّ قلّة من معارضيه قد تقتنع بصحّة هذا الكلام. فبمجرّد عودتها إلى الاتّفاق، ستكون واشنطن قد تخلّت عن أوراق قوّتها لدفع طهران إلى التفاوض حول الملفّات الأخرى. علاوة على كلّ ذلك، وفي ما يبدو أنّه يناقض الحدس العام، بإمكان مجيء شخص كرئيسي إلى سدّة الرئاسة الإيرانيّة أن يخدم بايدن إلى حدّ بعيد.

 

في حديث إلى صحيفة "نيويورك تايمس"، يقول أستاذ العلوم السياسيّة في كلّيّة الدراسات الدوليّة التابعة لجامعة جونز هوبكينز والي نصر، إنّ ثمّة فرصة للإدارة الحاليّة يؤمّنها فوز رئيسي. فالإيرانيّون يعتقدون أنّ المتشدّدين قادرون وحدهم على التوصّل إلى اتّفاق مع الولايات المتّحدة بما أنّهم لن يقدّموا تنازلات كبيرة إلى واشنطن. وإن لم يستطع هؤلاء النجاح في مهمّتهم فهذا يعني أن لا أحد آخر قادر على ذلك. ويقارن نصر المطّلع على المفاوضات بين الرأي السائد في إيران اليوم وذاك الذي ساد أواخر الستينات في الولايات المتحدة. حينها، كان الأميركيّون يقولون إنّ نيكسون فقط كان قادراً على التواصل مع الصينيّين بما أنّه كان متشدّداً تجاههم.

 

إلى جانب ذلك، هنالك عامل آخر قد يدفع الإيرانيّين إلى الانفتاح أكثر على فكرة الاتّفاق مع واشنطن، ويطرحه أستاذ العلوم الاقتصاديّة التطبيقيّة في جامعة "برانديس" الأميركيّة نادر حبيبي. يرتكز هذا العامل إلى سيطرة المحافظين على السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة، مع ما يعنيه ذلك من غياب للفريق الإصلاحيّ عن السلطة. بالتالي، لن يجد المتشدّدون حاليّاً من يحمّلونه مسؤوليّة تدهور الاقتصاد. لهذا السبب، سيستفيد المحافظون من رفع العقوبات بموجب أيّ اتّفاق جديد.

 

قد تستخدم إيران هذه المحفّزات لدفع بايدن إلى تخطّي العقبات الحقوقيّة والقانونيّة في التعاطي مع الإيرانيّين. وبإمكان الإدارة الادّعاء بأنّ مفاوضاتها تجري بطريقة غير مباشرة مع إيران، خصوصاً أنّه لا يزال أمامها شهران ونصف الشهر من المفاوضات مع الحكومة المنتهية ولايتها. وهذا ما يشير إليه الباحث البارز في "معهد المشروع الأميركيّ" مايكل روبين في تعليق لـ"النهار": "سيسعى فريق بايدن إلى تسريع المفاوضات النووية لمحاولة التوصل إلى اتفاق قبل التغيير في الرئاسة شهرَ آب المقبل. بهذه الطريقة يعتقدون أنّهم قادرون على تجاوز المشاكل القانونية".

 

طالما أنّ الفرصة متاحة أمام بايدن، قد لا يجد حرجاً في التوقيع على العودة إلى الاتّفاق مع حكومة إيرانيّة يرأسها شخص مصنّف على لائحة العقوبات الأميركيّة. ففي نهاية المطاف، لن يكون مستبعداً تمكّن بايدن من الالتفاف حول هذه العقوبات خلال المحادثات في فيينّا.

 

مع ذلك، وبحسب روبين، "السؤال الأساسي في ما يتعلّق برئيسي هو ما إذا كانت العقوبات المفروضة عليه ستؤدي إلى بروز أي صعوبة لو اختار الحضور إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم