الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني سقوط ماريوبول لـ"الخطة باء" في روسيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مبنى في ماريوبول يتعرض لقصف من دبابة روسية، آذار 2022 - "أ ب"
مبنى في ماريوبول يتعرض لقصف من دبابة روسية، آذار 2022 - "أ ب"
A+ A-

فشلت روسيا في السيطرة على كييف واستبدال حكومتها بأخرى موالية لها. كانت هذه خطة روسيا الأساسية في أوكرانيا وفقاً للتحليلات الغربية. نفت موسكو وجود هذه الخطة وقالت إنّها كانت تنفّذ ضغطاً عسكرياً على كييف من أجل تشتيت القوات الأوكرانية ومنعها من إرسال وحدات إلى الشرق حيث تتركز حربها الهادفة إلى "اجتثاث النازية". إنّ الإخفاق الروسيّ في كييف جعل روسيا تنتقل إلى "الخطة باء" في أوكرانيا. بدأ الحديث عن هذه الخطة في بدايات النصف الثاني من آذار، وتصاعد أكثر مع إعلان روسيا في 25 آذار الانتقال إلى "التحرير" الكامل للشرق الأوكراني، بعد "نجاح" المرحلة الأولى من عمليتها العسكرية.

بحلول 20 آذار، كان الهجوم الروسي على كييف قد تعرقل لأكثر من أسبوع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الهجوم على مدينة أوديسا الساحلية في جنوب البلاد. ترافق ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية أنّ الهجمات الصاروخية والجوية المتزايدة التي شنها الروس عبّرت عن "إحباطهم" من مسار الحرب.

في الوقت نفسه، كتب توماس فريدمان في صحيفة "نيويرك تايمس" أنّ الحرب دخلت مرحلة تواجه فيها "الخطة باء" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الخطة أ" للرئيسين جو بايدن وفولوديمير زيلينسكي. كان بوتين قد أدرك أنّه لا يستطيع السيطرة على كامل أوكرانيا، لذلك عمد إلى تدمير ممنهج للمدن آملاً أن يدفع 10 ملايين أوكراني إلى بولونيا والمجر وسائر أوروبا لفرض أكلاف اجتماعية على هذه الدول الأطلسية. يؤدي ذلك إلى ممارسة الأخيرة ضغوطاً على كييف كي تقبل بشروط السلام الروسي.

 

أهمية ماريوبول

بعد أكثر من خمسين يوماً على انطلاق "العملية العسكرية الخاصة"، فشلت روسيا في السيطرة على مدينة بارزة واحدة في أوكرانيا. ولهذا الواقع رمزيته وانعكاساته المعنوية على طرفي الحرب: انعكاس إيجابي على أوكرانيا وسلبي على روسيا. سيتغيّر هذا الوضع على الأرجح في المدى المنظور: تقترب روسيا من السيطرة على مدينة ماريوبول، بحيث قد تحتاج فقط إلى ساعات لتحقيق ذلك. يؤمّن هذا الهدف ربط مناطق الانفصاليين في منطقة دونباس بشبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا في 2014. ويحرّر ذلك بعض القوات الروسية للانطلاق نحو رفد دونباس بالمزيد من التعزيزات أو التوجّه نحو مدينة دنيبرو في الشمال الغربي. وقد تتوجّه القوات الروسية أيضاً نحو أوديسا، لكنّ ذلك يمكن أن يحتاج أولاً إلى تأمين مدينة ميكولاييف وهو ما لم يتحقق.  

كذلك، ستكون روسيا قد وجّهj ضربة قاسية وربّما مميتة لـ"كتيبة أزوف" التي تتهمها بالنازية. وكان مقاتلون من الكتيبة قد استردوا المدينة من الانفصاليين الموالين للروس منذ ثمانية أعوام. من جهة أخرى، ستتمكّن روسيا من إظهار أنّ الحرب تسير في الاتجاه الصحيح وخنق الاقتصاد الأوكراني بقوة أكبر. باختصار، سيمثّل سقوط ماريوبول "أول جائزة كبيرة لروسيا في أوكرانيا"، وهو ما قد يعطيها قوة أكبر على طاولة المفاوضات.

مع ذلك، خدم صمود المدينة خططاً عسكرية أوكرانية أخرى ولو بشكل موقت. توقّع الباحث الزائر في قسم دراسات الحرب التابع لكلية الملك في لندن الدكتور مايك مارتن أن تسقط ماريوبول خلال الساعات الأربع والعشرين أو الثماني والأربعين المقبلة. "لكنّها أدّت مهمتها – إبقاء الروس مقيّدين (و)ممكّنة الأوكرانيين من شنّ هجومهم المضاد" شرق خاركيف باتجاه إيزيوم.

 

أسئلة صعبة

بعد سقوط المدينة، ستواجه روسيا أسئلة إضافية للمرحلة المقبلة تتعلّق بهوية الجهة التي ستقوم بإعادة إعمارها في ظل الانكماش المتوقع في الاقتصاد الروسي وبكيفية ترميم العلاقات المتدهورة مع السكان الروس أو الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا بفعل القصف الشامل للمدن. ربما تستمر روسيا بقصف المدن الأوكرانية بغية تركيعها أو تدميرها بالكامل بسبب عدم استسلامها.

بحسب الكاتب في شؤون الأمن القومي لورن تومسون، يتعلّم بوتين في أوكرانيا ما سبق للأميركيين أن تعلموه في أفغانستان وفيتنام والعراق: "القوة العسكرية يمكن أن تقتل الناس لكنها لا تستطيع أن تغيّرهم". وأضاف في مجلة "فوربس" أنه على "النقيض مما اعتقده بوتين على ما يبدو قبل الغزو، يملك الأوكرانيون هوية وثقافة قوميتين متمايزتين لا يمكن التخلص منهما عبر التهديدات بالعنف". ستعقّد هذه الإشكالية خيارات روسيا في المرحلة المقبلة من الحرب: هل تكمل موسكو سيطرتها على دونباس مستخدمة الأسلوب نفسه الذي طبّقته في ماريوبول؟

هذا الاحتمال وارد بقوة خصوصاً أنّ الأستاذ المساعد في جامعة نيو هافن الأميركية الدكتور جيفري تريستمان يعتقد أنّ التكتيك قد يكون ناجحاً، بالاستناد إلى جملة عناصر وأمثلة تاريخية أوردها في كتابه: "حين تفوز الدول السيئة: إعادة التفكير باستراتيجية مكافحة التمرد". لكنّ نجاح أو فشل التكتيك سيعتمدان أيضاً على إمكانات الغرب في مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا بالتوازي مع اقتراب روسيا سريعاً من نفاد معدّاتها ومقاتليها لاستدامة الغزو الأوكراني، وفقاً للكاتب.

 

ماذا لو فشلت "الخطة باء"؟

يبدو إلى الآن أنّ الخطة باء تتمحور حول السيطرة على كامل منطقة دونباس (كان الانفصاليون يسيطرون على قرابة 30% منها قبل الغزو) وربما حول عزل أوكرانيا عن البحر الأسود لإفقادها شريانها الاقتصادي الحيوي. من المرجّح أن يترافق ذلك مع زيادة حدة الهجمات العشوائية على المراكز السكانية الكثيفة أكانت في الشرق أو حتى في الغرب كما حصل منذ ساعات.

رأى فريد زكريا في صحيفة "واشنطن بوست" أنّ حملة روسيا الأضيق في جنوب وشرق البلاد "قد تنجح فعلاً". وإن حصل ذلك، ستكون روسيا قد "حوّلت أوكرانيا إلى بقايا دولة معطلة اقتصادياً، معزولة عن الشاطئ ومهددة من ثلاث جهات من قوة عسكرية روسية، معرضة دوماً لتوغل آخر من موسكو". وطالب زكريا الغرب بإفشال "الخطة باء" كما أفشل "الخطة أ".

لكن حتى عدم نجاح "الخطة باء" الروسية التي تحدث عنها زكريا لن يعني إمكانية أن يتنفس الغرب الصعداء. لقد تخوّف فريدمان في هذه الحالة من أن يلجأ بوتين إلى "الخطة ج" أو "الخطة د" أي قصف الإمدادات الأميركية داخل دولة أطلسية، ولاحقاً استخدام السلاح النووي. بعد قرابة شهر على كتابة فريدمان مقاله، يبدو أنّ الاستخبارات الأميركية تؤكّد مخاوفه... خصوصاً لجهة احتمال تنفيذ "الخطة د".  

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم