الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ترامب في 2020... سوء أداء أم سوء حظ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب (أ ف ب).
الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب (أ ف ب).
A+ A-
كانت سنة 2020 الأكثر مفصليّة بالنسبة إلى مسيرة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب. حتى 2016 لم تكن بهذه الأهمّيّة. على الرغم من حديث بعض الإعلام عن أنّ ترامب لم يكن يتوقّع الفوز منذ أربع سنوات، يبقى أنّ عوامل عدّة جعلت هذا الفوز ممكناً: لاشعبيّة منافسته هيلاري كلينتون، تصاعد الموجة الشعبوية حول العالم، نظام المجمع الانتخابي، التحقيقات التي فتحها مكتب التحقيقات الفيديراليّ في رسائل هيلاري كلينتون قبل أيام من الانتخابات، وغيرها.

ليس معنى ذلك أنّ فوزه كان متوقّعاً. على العكس من ذلك، لم يكن فوزه متخيّلاً حتى. وهذا بالضبط ما يجعل 2020 مختلفة كلياً عن 2016. كان المراقبون الأميركيون أكثر حذراً هذه المرة. فاحتمالات فوز الرئيس كانت أكثر جدية، بصرف النظر عن استطلاعات الرأي التي كانت مرّة أخرى على موعد مع إخفاق عظيم في هوامش الفوز. الأهمّ أنّ ترامب في 2020 كان مختلفاً.
 
والاختلاف لم يكن في شخصيّته. لو كان هذا الأمر كذلك، لربّما تمكّن من هزيمة منافسه جو بايدن. الفارق بين ترامب 2020 وترامب 2016 هو أنّه بات يتمتّع برصيد سياسيّ يمكن الشعب تقييم أدائه بناء على إنجازاته. لم يعد ترامب نجم برامج تلفزيون الواقع وقطب العقارات الذي يتحدّى "المؤسّسة". أصبح الرئيس الذي طوّر الأداء الاقتصاديّ لبلاده. وعلى هذه الخاصّيّة ركّز حملته الانتخابيّة. طبعاً، أراد ترامب الاستفادة أيضاً من مناهضته "للمؤسّسة" مستقياً دعايته من حملة 2016. لكن لا قانون سياسيّاً أو طبيعيّاً يؤكّد أنّ ما نجح منذ أربع سنوات سينجح عند كلّ استحقاق.


انطلاقة متأرجحة
انطلق ترامب في 2020 بإصدار أمر اغتيال القائد السابق لـ "قوة القدس" قاسم سليماني. وهذا ما تمّ في 3 كانون الثاني. على الأرجح لم تكن هذه الخطوة سهلة بالنسبة إليه. أراد تجنّب الانجرار إلى حرب مع إيران في سنة انتخابيّة، لكنّه لم يكن يريد أن يكون نسخة ثانية من أوباما. فالسفارة العراقيّة كانت تتعرّض للحصار من قبل مجموعة متظاهرين موالين لإيران ممّا أعاد إلى الأذهان مشهد تعرّض القنصليّة الأميركيّة في بنغازي إلى هجوم من دون أن تحرّك إدارة أوباما ساكناً. لجأ ترامب إلى الخيار الثاني ونجح بتفادي توريط بلاده في حرب كبيرة، مع اكتفاء إيران بردّ رمزيّ على قاعدتين عسكريّتين في العراق. بمرور الوقت، برهن ترامب أنّه كان الرئيس الذي لم يجرّ بلاده إلى حرب خارجية منذ عقود.

بعد تخطي الأزمة العسكريّة، توصّل ترامب إلى التوقيع على المرحلة الأولى من الاتّفاق التجاريّ مع الصين في 15 كانون الثاني بعد سنتين على حرب تجارية بين الطرفين بدأت في كانون الثاني 2018. أعقبت المرحلة الأولى تراجعاً في حجم النموّ الاقتصاديّ الصينيّ بلغ 6.1% سنة 2019 وهو الرقم الأدنى منذ حوالي 30 عاماً بسبب الحرب التجارية. بالمقابل، حقّق الاقتصاد الأميركيّ أداء أفضل نسبيّاً مع تقلّص حجم العجز التجاريّ مع الصين سنة 2019 للمرّة الأولى منذ ست سنوات.

بالرغم من ذلك، تضرّرت بعض القطاعات الاقتصادية الأميركيّة من تلك الحرب وخصوصاً القطاع الزراعيّ. وارتدّ فرض الرسوم على الصادرات الصينيّة ارتفاعاً في الأسعار على المستهلك الأميركيّ. وانخفض حجم القطاعات التصنيعيّة في البلدين مع تفاقم الأضرار بسبب تباطؤ الاقتصاد الدولي الذي خسر تريليون دولار بسبب تلك الحرب. ومن بين بنود الاتفاق، رفع الصين حجم وارداتها من السلع الأميركيّة إلى 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر سنة 2017. ومن هذه الواردات، 50 مليار دولار تتعلّق بالقطاع الزراعيّ. كذلك، وافقت واشنطن من جهتها على تخفيض نسبة الرسوم على 120 مليار دولار من البضائع الصينيّة من 15% إلى 7.5%.

لقيت المرحلة الأولى من الاتّفاق ترحيباً من مؤيّدي ترامب وانتقاداً من مناوئيه. لكنّها لم تكن المسألة الوحيدة على جدول الأعمال الأميركيّ حينها. في 18 كانون الأوّل 2019، كان مجلس النوّاب الأميركيّ ذو الغالبيّة الديموقراطيّة قد وجّه اتّهاماً إلى ترامب باستغلال نفوذه في أوكرانيا لدفع كييف إلى التحقيق في السياسات الأوكرانيّة لمنافسه جو بايدن خلال تولّيه نيابة الرئاسة.
 
قام الاتّهام على تعسّف ترامب باستخدام سلطاته وعرقلة تحقيق الكونغرس. ووجد مجلس النوّاب أنّ ترامب احتجز مساعدة عسكريّة لأوكرانيا وامتنع عن استضافة رئيسها فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض من أجل أن يحقّق في أعمال منافسه المستقبليّ المحتمل. (في ذلك الوقت لم يكن بايدن قد أصبح مرشّحاً رسميّاً للحزب الديموقراطيّ). ووجّه مجلس النوّاب بنود الاتّهام إلى مجلس الشيوخ في 16 كانون الثاني كي يدرسها ويصدر قراره بعزل الرئيس أم بتبرئته. وبما أنّ المجلس يسيطر عليه الجمهوريّون فقد برّأ الرئيس في 5 شباط بـ 52 صوتاً مقابل 48، علماً أنّ التصويت على عزل الرئيس يتطلّب 67 صوتاً.

نجح ترامب في تخطيّ الاتّهام الديموقراطيّ، لكن ليس بلا ندوب. فقد أصبح أوّل رئيس أميركيّ متّهم من مجلس النوّاب يترشّح إلى ولاية ثانية. في ذلك الوقت، كان فيروس "كورونا" قد بدأ يستعدّ كي يصبح جائحة عالميّة.


التحدّي القاتل
دافع ترامب بداية عن بيجينغ قائلاً إنّها تبلي بلاء حسناً في مكافحة الفيروس. لم يكن يرغب ترامب في مواجهة مع بيجينغ بعد أسابيع قليلة على توقيع المرحلة الأولى من الاتّفاق التجاريّ. لكن بعدما وصل الفيروس إلى البرّ الأميركيّ في آذار انقلب ترامب من الدفاع إلى الهجوم فراح يصف "كوفيد-19" بأنّه "فيروس صينيّ" ويتّهم الصين بـ "سوء الإدارة" الذي "قتل" مئات الآلاف حول العالم.

في إطار حديثه عن "كورونا"، كان ترامب يرتكب هفوات إعلاميّة كبيرة مثل اقتراح حقن المطهّرات لمواجهة الفيروس (قال لاحقاً إنّ اقتراحه ساخر)، أو توقّع اختفاء الفيروس بشكل "سحريّ" مع ارتفاع الحرارة، أو ركّز على تناول أدوية لم يُجرَ عليها أبحاث بشكل كامل. ولم يصرّ على ضرورة ارتداء الكمّامات والتباعد الاجتماعيّ. لكنّه بالمقابل أوقف الرحلات مع الصين في 31 كانون الثاني وهو أمر رفضه الديموقراطيّون بداية كما صعّبوا إطلاق الحزمات الإنقاذيّة. وفي حين قلّل ترامب من شأن الفيروس في البداية قائلاً إنّه أقلّ خطورة من الإنفلونزا، تبيّن لاحقاً أنّه كان يدرك خطورته منذ شباط وفقاً للصحافيّ بوب وودورد. ودافع عنه الجمهوريّون بالقول إنّه لم يكن يريد إثارة الهلع وإنّه أراد الموازنة بين الصحّة والاقتصاد.

لكن مع الارتفاع الكبير في عدد الإصابات (أكثر من 17 مليوناً حالياً) والوفيات (أكثر من 300 ألف) بات ترامب أقلّ قدرة على تحويل اللوم إلى الديموقراطيّين أو إلى الصينيّين، بصرف النظر عمّا إذا كان الديموقراطيّون سيبلون بشكل أفضل لو كانوا في الحكم. وفي أيار 2020، أطلقت إدارة ترامب بالشراكة مع القطاع الخاص "عمليّة سرعة الالتفاف" (operation warp speed) من أجل تسريع القضاء على "كورونا" (تشخيص، اختبارات، علاج، لقاح، توزيع...).

ككلّ مسألة داخليّة، ثمّة انقسام حول مدى مساهمة ترامب في إنجاح هذه العمليّة. لكن حين تحدّث عن لقاح ضدّ "كورونا" قبل نهاية السنة الحاليّة، سخر كثرٌ منه. أوضح الكاتب السياسي في صحيفة "واشنطن بوست" مارك ثيسن أنّ الرقم القياسيّ الأخير الذي تمّ تسجيله على مستوى سرعة تطوير ايّ لقاح كان أربع سنوات. اليوم، أصبح الرقم تسعة أشهر. لهذا السبب، طلب ثيسن من بايدن أن يشكر ترامب على نجاحه في "عمليّة سرعة الالتفاف" إذا أراد أن يقدّم خطاباً جامعاً للأميركيّين، لأنّ الرئيس المنتهية ولايته يستحقّ إشادة في هذا الموضوع بالرغم من أنّ ثيسن ليس من مؤيّديه.


هزمه في تشرين الأول فانتقم في تشرين الثاني
حقّق ترامب نجاحاً في تسريع كبح الجائحة، كما حقّق إنجازاً في دفع الاقتصاد الأميركيّ إلى القفز بنسبة قياسيّة تخطّت 30% في الثلث الثالث من السنة الحاليّة. لكنّ الخسائر البشريّة كانت قد فعلت فعلها خصوصاً بعدما أجاد منافسه جو بايدن الضرب على وترها خلال الحملة الانتخابيّة.

من المفارقة أن يكون ترامب قد نجح في تخطّي إصابته بفيروس "كورونا" بسهولة كبيرة، علماً أنّ وزنه السائد وعمره عاملان أمكن أن يلعبا ضدّ شفائه. لكن إذا كان ترامب قد هزم الفيروس صحّيّاً في تشرين الأوّل، فإنّ الأخير هزمه انتخابيّاً في تشرين الثاني. لا شكّ في أنّ الحظّ السيّئ لعب دوره. لو انتشرت الجائحة قبل أشهر قليلة، لربّما تمكّن ترامب من خوض حملته بناء على النجاح في تسريع إنتاج اللقاح. لكنّ الحظّ جزء من اللعبة السياسيّة، ولهذا السبب لا يمكن اختزال كلّ المشهد السياسيّ به. فترامب نفسه غير قادر على التعلّم من أخطائه إلّا بشكل صعب ومتأخّر. عدم احترامه السيناتور الراحل جون ماكّين أفقده ولاية أريزونا. فظاظته تجاه الإعلام الأميركيّ السائد عزّز حدّة المواجهة علماً أنّ ذلك الإعلام أيضاً لم يكن دائماً موضوعيّاً تجاهه. وكان لهذه الفظاظة ثمنها خصوصاً بين الناخبات.

وخلال المناظرة الرئاسيّة الأولى، ظلّ ترامب يقاطع بايدن كما فعل مع كلينتون منذ أربع سنوات، في استنساخ مملّ لسلوكه في ذلك الحين. حدث ذلك على الرغم من أنّ مستشاريه حثّوه على التهدئة. عدّل طريقته في المناظرة الثانية، فأصبح أكثر هدوءاً وقدرة على الاستماع إلى حجج منافسه حتى النهاية ثمّ الردّ عليها. فاز ترامب في المناظرة الأخيرة. لكنّ الفوز جاء بعد فوات الأوان. في النهاية خسر ترامب، لكن بفارق ضئيل على الرغم من اقتران سوء أدائه (أحياناً) بسوء حظّه.

ومع ذلك، لم تنتهِ مهمّة التعلّم من الأخطاء. على الرغم من أنّه يسلك طريق الخروج من البيت الأبيض يبقى على ترامب تعديل سلوكه. فقبول الخسارة بطريقة "رئاسيّة" لا يعني فقط عدم الوقوف عائقاً أمام تسلّم بايدن مهامه، بل يوجب عليه أيضاً حضور حفل تنصيب بايدن: إن لم يكن بهدف الحفاظ على التقاليد الديموقراطيّة العريقة في البيت الأبيض، فأقلّه للحفاظ على حظوظه إذا أراد الترشّح في 2024.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم