السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

نتنياهو قريباً أمام خيار "أوزيراك" مع إيران؟

المصدر: "النهار"
مشهد من الشارع الإسرائيلي ورفع علم يحمل صورة نتنياهو (أ ف ب).
مشهد من الشارع الإسرائيلي ورفع علم يحمل صورة نتنياهو (أ ف ب).
A+ A-

قارن المدير التنفيذي لـ"منتدى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" التابع لجامعة "كمبريدج" جاي مَنز بين الظروف التي أحاطت قصف تل أبيب مفاعل "أوزيراك" (تمّوز) النووي في العراق سنة 1981، وبين الظروف التي قد تحضها اليوم على توجيه ضربة مماثلة إلى البرنامج النووي الإيراني. ووجد في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أنّ هنالك الكثير من نقاط التشابه "الفاقعة" بين المرحلتين.

 

تشابه سطحي وتشابه أعمق

منذ 40 عاماً بالضبط تقريباً، قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة مناحيم بيغن تدمير البرنامج النووي العراقي الناشئ. بعد ثلاث سنوات ونصف من التخطيط، دمّر سرب واحد من الطائرات الإسرائيلية ست سنوات من الجهود العراقية النووية في 60 ثانية فقط. قبل ذلك، كانت الأساليب غير التقليدية لتأخير البرنامج العراقي مثل التخريب والاغتيال والديبلوماسية قد فشلت. مع استنفاد هذه الخيارات شنت حكومة متشددة الضربة بناءً على شعور بتخلي المجتمع الدولي عنها وبناءً على ذاكرة حديثة حول الهولوكوست. كانت الضربة ناجحة. تم تدمير البرنامج بشكل شبه كامل حيث خرجت إسرائيل سالمة ديبلوماسياً وعسكرياً بحسب الكاتب.

 

ذكر منز أن الصقور الإسرائيليين وحتى الحمائم القلقين ناقشوا هذا المثل في المحادثات حول خيارات إسرائيل تجاه إيران اليوم. ورأى أنّ هنالك بعض التشابه بين عراق صدام 1981 وإيران 2021، مثل اللاسامية العلنية ودوافع إبادية وراء البرنامجين النوويين والشفافية غير الكاملة حولهما والتهديد الوجودي من المنظار الإسرائيلي. لكن منز يلفت النظر إلى تشابه أعمق: الدينامية السياسية الداخلية زمن شن الغارة والتي قد تكون نفسها موجودة اليوم.

 

المسار

سنة 1975، أطلق صدام برنامجه النووي. في السنة التالية، وقّع العراق اتفاقاً مع فرنسا لبناء مركز أبحاث نووي باسم "أوزيراك". أقلق صدام الإسرائيليين بإصراره على تخصيب اليورانيوم في المفاعل إلى حدود 93% وهي نسبة تُستخدم لغايات عسكرية. بدأت حكومة بيغن التخطيط لقصف المفاعل سنة 1977، بعد مجيئها إلى السلطة بفترة قصيرة. لكن قبل المخاطرة بإثارة أزمة ديبلوماسية أو حرب إقليمية، نظر بيغن إلى جميع خياراته الأخرى.

 

بين 1977 و 1981، استخدمت إسرائيل الاغتيالات والتخريب والديبلوماسية غير التقليدية لإبطاء وتفكيك البرنامج العراقي. شن الموساد هجوماً إعلامياً وسرب معلومات استخبارية لإنشاء ضغط سياسي ضد البرنامج. واغتيل رئيسه في فندق داخل باريس، كما واجه علماء نوويون عراقيون المصير نفسه في أوروبا. كذلك، تم قصف شركات فرنسية وإيطالية منتجة لمكونات البرنامج. طلب بيغن من الرئيس الأميركي جيمي كارتر الضغط على فرنسا لكن الأخير رفض إصدار بيان في تموز 1980.

 

في تشرين الأول من السنة نفسها، ذكر الموساد أن العراق حصل على 30 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصص للاستخدام العسكري. صوتت الحكومة الإسرائيلية لصالح الضربة لكنها أعطت الديبلوماسية فرصة أخيرة بما أن الرئيس رونالد ريغان كان قد دخل البيت الأبيض حديثاً. لأسباب لا تزال خاضعة للجدل الحادّ، لم تقدّر الإدارة مدى اقتراب الضربة، ولم تستطع أو لم تتمكن من تدبر خرق ديبلوماسي. في نيسان 1981، زار وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ الإسرائيليين وأخبرهم أن بلاده ناقشت مسألة "أوزيراك" مع الفرنسيين والإيطاليين من دون جدوى.

 

في 7 حزيران 1981، شنت إسرائيل بنجاح "عملية أوبيرا" مدمرة استثماراً عراقياً في التكونولوجيا النووية بـ 10 مليارات دولار وقتلت بعض العلماء النوويين البارزين. الضربة التي لم تَعلَم بها إدارة ريغان قبل إتمامها أعادت البرنامج النووي العراقي عقداً من الزمن إلى الوراء. وجهت الأمم المتحدة إدانة قوية للضربة وعلّقت الولايات المتحدة تسليم 4 مقاتلات أف-16 إلى إسرائيل، لكنها منعت صدور عقوبات أممية ضدها قبل أن تسلّم مقاتلتين من "أف-16" إلى الإسرائيليين بعد شهرين. وسط حرب قوية مع إيران، لم يهاجم العراق إسرائيل وسقطت خططه لإعادة بناء المفاعل سنة 1984 بحسب الكاتب.

 

ماذا بالنسبة إلى نتنياهو؟

ينتقل منز لإبراز التشابهات بين تطورات اليوم وتوقيت قصف "أوزيراك". مثل بيغن، استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإعلام والتخريب والاغتيال لتأخير البرنامج النووي الإيراني خلال العقد الماضي. ومثل بيغن أيضاً، ينظر نتنياهو إلى السلاح النووي من منظار التهديد الوجودي. وإيران اليوم غير مقيدة في مسعى البحث النووي كما كانت الحال مع العراق سنة 1981. الفرق الأساسي بين بيغن ونتنياهو أن وضع الأخير الداخلي أضعف بكثير. سنة 1977، فاز بيغن بـ 43 مقعداً وكان شريكاه الحكوميان، حزب "أغودات يسرائيل" و"الحزب الوطني الديني"، قد تبوآ وزارتي الداخلية والتعليم. بالتالي، هيمن الليكود على السياستين الدفاعية والخارجية.

 

في تناقض فاقع، تابع منز، استندت رئاسات حكومة نتنياهو الأخيرة إلى حكومات وحدة متقلبة حيث حصل خصومه الأساسيون على وزارات الدفاع والخارجية ووزارات استراتيجية أخرى. بعد الانتخابات الأخيرة، لا يستطيع نتنياهو البقاء في الحكم إلا إذا شكل تحالفاً جديداً. هنالك نقطة تشابه بين التحالف المستقبلي المحتمل وتحالفات بيغن: الصقور والمصالح الحزبية الخاصة "المحايدة". حتى كتابة المقال، حصل الليكود على 30 مقعداً.

 

ومثل بيغن، يحصل نتنياهو على دعم أحزاب "الحريديم" بما يرفع عدد المقاعد إلى 46. ومع حزب "الصهيونية الدينية"، يصل العدد إلى 52. قد يحصل أيضاً على دعم "الحركة الإسلامية – الجناح الجنوبي" التي حصدت ستة مقاعد. قد تدعم الحركة نتنياهو من خارج الحكومة في مقابل تنازلات اقتصادية للمجتمع العربي الإسرائيلي. لكن مستقبل نتنياهو قد يعتمد على رجل واحد: كبير موظفيه السابق نفتالي بينيت. الذي كسب سبعة مقاعد، مما يعني أن الأخير قادر على إنقاذ نتنياهو أو إكمال التكتل المناهض له.

 

مصالح مشتركة لتوحيد القوى

يرى منز أنه لو قبِل بينيت بدخول الحكومة تحت قيادة نتنياهو فسيتولى على الأرجح حقيبة الدفاع التي تولاها لفترة سريعة منذ أربعة أعوام. التوقيت قد يخدم الرجلين. يحتاج بينيت إلى أوراق اعتماد أمنية إذ إنّ وزارة الدفاع كانت تاريخياً نقطة انطلاق نحو رئاسة الحكومة التي يطمح إليها بينيت. في هذا الوقت، قد يكون نتنياهو في ولايته الأخيرة كرئيس للوزراء. يتطلع الرجلان إلى إرث خاص بهما ولهذا لديهما سبب لتوحيد قوتيهما وتأمين القطعة المفقودة من لحظة "أوزيراك": ائتلاف حكومي مستقر وحكومة أمنية متشددة.

 

ويشير الكاتب أيضاً إلى تغير الإطار الدولي وخصوصاً الشرق أوسطي الذي قد يعطي الرجلين فرصة التحرك. طوال حوالي 20 عاماً حذر نتنياهو العالم من أنّ إيران تقترب من الحصول على سلاح نووّي. وفي الفترة نفسها، نقلت وسائل إعلام عن "مسؤولين كبار" مجهولي الهوية تحذيراً من أنّ ضربة إسرائيلية ضد إيران وشيكة.

 

لكن حين نبّهت مجلة "نيويوركر" في 2006 إلى أن الضربة الإسرائيلية تلوح في الأفق، كان الشرق الأوسط مكاناً مختلفاً. مضى حينها على اجتياح العراق 3 أعوام وكان صدام حياً بينما رأى صناع السياسة حول العالم أن الخطر الأساسي هو الإرهاب الدولي. وبعد 15 عاماً، تطبعت العلاقات بين دول عربية عدة وإسرائيل. ويضيف منز أن الظروف في إيران تشير إلى سياسة أكثر تشدداً. فيدا الرئيس الإيراني الذي فقد حظوته وشارفت ولايته على الانتهاء مكبّلتان من قبل مجلس شورى يسيطر عليه المتشددون ومن قبل المؤسسة الدينية المتشددة. سيصوّت الإيرانيون لصالح رئيس جديد في حزيران. وفقاً لاستطلاع رأي أعدته جامعة ميريلاند، أيّد 75% من الإيرانيين الاتفاق النووي حين تم توقيعه، وانخفض الرقم إلى 50% اليوم.

 

"عاجلاً لا آجلاً"

يشعر أصحاب القوة في إيران بأنهم متجرئون ويراهنون على أن إدارة بايدن ستقدّم تنازلات أحادية ثمينة وتضمن انتصاراً إعلامياً للإيرانيين. في هذا الوقت، تواصل إيران الابتعاد عن موجباتها النووية وتحقق تقدماً غير قابل للتراجع عنه على مستوى أبحاثها النووية. وفقاً لمسؤولين متشددين بارزين، تفكر البلاد برفع مستوى التخصيب إلى 60%، ولن تصبر إسرائيل كثيراً على هذا المسار.

 

أضاف منز أنه لأسباب سياسية وإقليمية عدة، سيكون "من المنطقي" بالنسبة إلى إسرائيل أن تضرب إيران "عاجلاً لا آجلاً". ثمة تغيرات في الحسابات لدى الحكومات الإقليمية لكن أيضاً لدى عدو إسرائيل الأول: "حزب الله". كتب منز أن الحزب لا يزال يملك حوالي 150 ألف مقذوف وصاروخ وقوة كوماندوس قوامها 20 ألف مقاتل يمكن أن يردوا على ضربة إسرائيلية ضد إيران. لكن بما أن "حزب الله" هو أيضاً حزب سياسي وهو يخسر شعبيته بشكل متزايد بالنظر إلى دوره في تدهور الاقتصاد اللبناني، يبدو أن قدرته بالرد على الإسرائيليين بالنيابة عن إيران وبالنجاة سياسياً في آن أقل احتمالاً احتمالاً مما مضى وفقاً لتعبيره.

 

كيف سترد إيران؟

يجيب كاتب المقال بأنه سنة 1981، كان العراق وسط حرب ساحقة مع إيران. لكن الأخيرة تملك اليوم القوة للرد على إسرائيل. لو قصفت إسرائيل منشآت نووية إيرانية، لن يكون لإيران خيار غير الرد. تقدّر القيادة المركزية الأميركية وجود بضع مئات من الصواريخ البالستية الإيرانية التي تطال إسرائيل. من غير المرجح بشكل شبه محسوم أن تستطيع تل أبيب اعتراض جميع تلك الصواريخ. لكنّ متشدّداً قد يجادل، كما فعل بيغن، بأن وابلاً من الصواريخ التقليدية أفضل من صاروخ نووي واحد.

 

يرى منز أن إيران ستراهن على بقاء واشنطن خارج النزاع إذا كانت الضربة الإسرائيلية الأساسية قد نُفذت من دون تورط أميركي. لكن تعرض الإسرائيليين لصواريخ بالستية سيعرقل قدرة إدارة بايدن على إعادة إحياء الاتفاق أو رفع عقوبات ترامب عن إيران. ستواصل هذه العقوبات منع طهران من إعادة بناء برنامجها النووي وتعافيها الاقتصادي وإمداد وكلائها الإقليميين بالمال.

 

خلاصة

يشير منز إلى أن نتنياهو ليس بيغن وإيران ليست عراق صدام. البرنامجان النوويان يختلفان بطرق بارزة. لكن دوافع تل أبيب الداخلية لشن هجمات ضد إيران تشبه إلى حد فاقع الدوافع التي حضتها على ضرب مفاعل أوزيراك. إذا عاد نتنياهو إلى الحكم مع بينيت كوزير للدفاع، ستنظر تل أبيب إلى حكومة أكثر تشدداً مع جرعة إضافية من الأنوية والطموح السياسي. إلى الآن، يبدو أكثر ترجيحاً أن تتمكن واشنطن من ضبط تل أبيب وربما من إغراء إيران للعودة إلى الاتفاق النووي. لكن إذا واصلت الديبلوماسية إخفاقها، فستشعر إسرائيل بأنها مدفوعة للتحرك – وخلال أسابيع قليلة، قد يكون لديها فعلاً حكومة للضغط على الزناد، يختم منز.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم