الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

خامنئي ومجلس صيانة الدستور... تبادل أدوار؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي متحدثاً إلى مجموعة من الطلاب الجامعيين عبر الفيديو، 11 أيار 2021 - "أ ب"
المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي متحدثاً إلى مجموعة من الطلاب الجامعيين عبر الفيديو، 11 أيار 2021 - "أ ب"
A+ A-

في انعطافة سياسيّة بارزة توقيتاً ومضموناً، طلب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من مجلس صيانة الدستور إعادة النظر في قراره بشأن استبعاد مرشّحين من الانتخابات الرئاسيّة. في التوقيت، من المقرّر تنظيم الانتخابات قبل أقلّ من أسبوعين. وهذا يعني أنّه حتى مع افتراض إعادة المرشّح الوسطيّ علي لاريجاني إلى السباق الرئاسيّ، لن يكون الوقت كافياً بالنسبة إليه من أجل خوض حملته الانتخابيّة. تنطبق القاعدة نفسها على نائب الرئيس الإيرانيّ إسحق جهانغيري.

 

وكانت استطلاعات الرأي قد وضعت لاريجاني والمرشّح المحافظ ابرهيم رئيسي في سباق محتدم. وسبق لخامنئي أن رفض النظر في قرار مجلس صيانة الدستور أواخر أيار الماضي حين ردّ رسالة من الرئيس حسن روحاني سأله فيها إصدار "حكم دولة" لإعادة النظر في قائمة المرشّحين.

 

ما التوقعات؟

في خطاب موجّه إلى مجلس الشورى (البرلمان)، استبعد خامنئي الأسبوع الماضي فكرة أن يكون للأسماء التي سمح لها المجلس بالترشّح أو تلك التي منعها من ذلك أيّ تأثير على نسب المشاركة. وقال إنّ وجود برامج انتخابية واقعيّة وحضور المديرين الأقوياء (مثل محافظ البنك المركزي عبد الناصر همّتي) يرفعان نسبة المشاركة. اليوم، عاد خامنئي ليتحدّث عن أنّ بعض المرشّحين المستبعدين عوملوا بطريقة تخلو من الإنصاف إذ نُسبت إليهم أشياء غير حقيقية انتشرت على الإنترنت (ازدواج الجنسيّة لبعض أقاربهم). لكنّ مجلس صيانة الدستور أصدر بياناً أمس الجمعة اعترف فيه بانتشار "تقارير خاطئة ولا أساس لها" على الفضاء الافتراضيّ بشأن بعض المرشّحين وأقاربهم لكنّ هذه "التقارير غير صحيحة" ولم تؤثّر على الرأي النهائيّ لمجلس صيانة الدستور. واستبعد مسؤولون بارزون في إيران مثل عضو مكتب "حفظ ونشر آثار خامنئي" مهدي فضائلي وعضو مركز أبحاث مجلس صيانة الدستور محمد بهادري جهرمي تغيير المجلس قراره.

 

تأثير القرار على نسبة المشاركة

كانت الجمهوريّة الإسلاميّة تنظر عادة إلى نسب المشاركة في الانتخابات كتأكيد لشرعيّة نظام ما بعد الثورة. لكنّ هذه النسب لم تعد تعني صنّاع القرار بالشكل الذي اتّخذته الأمور في السنوات والعقود الماضية. خلال الانتخابات التشريعيّة في شباط 2020، وصلت نسبة المشاركة إلى 42.6% بحسب الأرقام الرسميّة، وهي النسبة الدنيا منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية سنة 1979. حينذاك، اتّهم خامنئي "البروباغندا السلبيّة عن فيروس" كورونا بأنّها السبب وراء انخفاض الإقبال على صناديق الاقتراع. علماً أنّ إيران سجّلت حالات الإصابة الأولى بفيروس "كورونا" قبل يومين فقط من تلك الانتخابات. اليوم، تبدو التوقّعات إزاء نسبة الاقتراع أكثر تشاؤماً. ومن غير المستبعد أن يكون قرار مجلس صيانة الدستور قد ساهم في إحباط عدد من الإيرانيّين.

 

في مسح لـ"مركز استطلاع الرأي العام للطلاب الإيرانيين" (إيسبا) أجري بين 26 و27 أيار، تبيّن وجود انخفاض بـ 7% بين الذين قالوا إنّهم "سيقترعون بالتأكيد" أو "سيقترعون على الأرجح" في الانتخابات الرئاسيّة. فبعدما كانت نسبة هؤلاء 43% في استطلاع الرأي الذي نُظّم بين 16 و17 أيار، انخفضت إلى 36% بعد عشرة أيّام. وفي استطلاع لاحق للمركز نفسه أجرته بين 30 أيار و1 حزيران، قال 32% إنّهم لن يصوّتوا "تحت أيّ ظرف" بالمقارنة مع 34% قالوا إنّهم سيصوّتون بالتأكيد.

 

لو تحقّقت نسبة مشاركة متدنّية إلى حدّ 36%، مع الإشارة إلى أنّ استطلاعات رسميّة أخرى تظهر أرقاماً أدنى تصل إلى 30%، فستسجّل الانتخابات الحاليّة نصف نسبة المشاركة التي شهدتها في انتخابات 2017. في ذلك الحين، فاز روحاني (57% من الأصوات) على المرشّح الأوفر حظاً اليوم ابرهيم رئيسي (حصد حينها 38% من الأصوات) مع نسبة إقبال بلغت أكثر من 73%.

 

ليس مجلس صيانة الدستور فقط

اللافت في قرار المجلس أنّه لم يأخذ بالاعتبار، على الأقلّ ليس بشكل مباشر، ما تحدّث عنه أحد أعضائه في أوائل أيّار عن أهمّيّة مشاركة الشباب في الاستحقاق الانتخابيّ. ففي حديث إلى وكالة "فرانس برس"، قال الناطق باسم المجلس عباس علي كدخدائي إنّ "دخول الشباب (المعترك السياسي) هو أيضاً مهم بحسب وجهة نظرنا ويمكن أن يكون وعداً بأن... يؤدّي شبابنا دوراً على مستويات أعلى في السلطة التنفيذيّة". لكن لا يمكن تفسير انخفاض المشاركة في الانتخابات بقرار مجلس صيانة الدستور وحسب. تقدّم الانتخابات الماضية مثلاً على العامل الاقتصاديّ الذي يؤدّي دوراً في تعبئة الناخبين. فاز روحاني في انتخابات 2017 مع نسبة مشاركة عالية بسبب أمل الإيرانيّين بقدرة حكومته على تحقيق نموّ للبلاد بعد حوالي سنتين من التوقيع على الاتّفاق النوويّ. برزت ريبة في إيران بسبب مجيء دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركيّة، لكنّ الريبة كانت لا تزال في بداياتها لأنّه لم يكن قد انسحب بعد من الاتّفاق.

 

وفي انتخابات 2016 التشريعية التي أجريت بعد شهر على دخول الاتّفاق النوويّ حيّز التنفيذ، وصلت نسب المشاركة إلى حوالي 60% وفاز فيها الإصلاحيّون. أجواء التفاؤل نفسها بإمكانيّة تحقيق تغيير اقتصاديّ حقيقيّ أحاطت بكلا الاستحقاقين الانتخابيّين وهذا ما يفسّر إلى حدّ بعيد نسب الإقبال العالية. بالنسبة إلى الوضع الحاليّ، يرى محلّلون في الشأن الإيرانيّ أنّ الناخبين قلقون من الوضع الاقتصاديّ المشوب بتضخم وبطالة عاليين إضافة إلى ازدياد في غياب المساواة الاقتصاديّة. وفي الوقت نفسه، يشكّك الناخبون بتمتّع الحكومة بالوسائل لمعالجة هذه المشاكل، وبالتالي، ينسحب تشكيكهم على إمكانيّة أن تكون أصواتهم قادرة على إحداث الفارق المرجوّ.

 

مجموعة مكاسب

قد يحقّق خامنئي عبر تفضيله مراجعة قرار مجلس صيانة الدستور مكاسب عدّة، حتى ولو رفض الأخير مطلبه. من جهة، هو يظهر أنّه بذل جهده لتقديم انتخابات عادلة قدر الإمكان الأمر الذي قد يحفّز بعض المتردّدين على المشاركة في الانتخابات ورفع نسبة الإقبال. من جهة ثانية، وعبر رفض المجلس المحتمل لتمنّياته، يظهر أنّ الأخير هيئة مستقلّة في نهاية المطاف عن المرشد الأعلى بالرغم من أخذها بتوجيهاته العامّة. بذلك، يحمي المتشدّدون أنفسهم من اتّهام أنّهم دبّروا سلفاً نتائج الانتخابات.

 

في هذا الوقت، بإمكان المرشد الأعلى أن يتحمّل نسبة إقبال ضعيفة لا تقلّ عن 30% طالما أنّها تضمن فوز مرشحّه إلى حين جني ثمار مفاوضات فيينا من خلال رفع العقوبات. سينتج عن ذلك، ولو في قراءة أوّليّة، تحويل الأموال المفرج عنها إلى حكومة إيرانيّة بقيادة محافظ تعيد ثقة الإيرانيّين بمؤسّسات الحكم وبالتالي، تعيد رفع نسب مشاركاتهم في الاستحقاقات الانتخابيّة المقبلة. وسيصبّ الزخم الانتخابيّ في المستقبل لصالح المحافظين/المتشدّدين بما أنّ استفادتهم متوقّعة من رفع العقوبات. بالانتظار، سيعيد المراقبون توجيه أنظارهم في الأيّام القليلة المقبلة لمعرفة القرار النهائيّ لمجلس صيانة الدستور بشأن طلب إعادة النظر في القائمة النهائيّة للمرشّحين.  

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم