الجمعة - 17 أيار 2024

إعلان

الفخ الأوكرانيّ - الروسيّ: كلاكيت رقم 3!

المصدر: "النهار"
من مخلّفات الحرب في كييف (أ ف ب).
من مخلّفات الحرب في كييف (أ ف ب).
A+ A-
بقلم هادي جان بو شعيا
 
 
يجتمع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي الناتو واضعين نصب أعينهم الغزو الروسي لأوكرانيا. فما فعلته روسيا شكل اختبارًا حقيقيًا لهذا الحلف؛ الذي كان في الأمس القريب في "غرفة إنعاش" وضعه فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندئذ.
 
أما اليوم فقد اختلفت المعطيات ودبّ النشاط في عروق الحلف الذي بات كثير الاجتماعات والحوارات والمشاورات، وبما أنه ليس بيده عقوبات أقصى كي يفرضها على موسكو دون أن يعاقب نفسه، فضلاً عن تجنّبه حربًا مع روسيا قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة، فلم يبقَ أمامه إلا التركيز على تسليح الجيش الأوكراني ليخوض الأخير المعركة بالإنابة عنه، وبطريقة غير مباشرة، بوجه روسيا، محاولاً أن تكون شديدة مؤلمة وطاحنة، ولكن شرط أن تكون محدودة جغرافيًا.
 
ولعلّ هذا ما أكدته غالبية وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي "الناتو" في خلال اجتماعهم الأخير، وعلى رأسهم، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي تعتبر بلاده أكبر دولة من حيث المساهمة المالية في "الناتو"، إذ تعهّد بلينكن بالمزيد من الدعم العسكري ليؤكد ما سبق أن أكده الرئيس الأميركي جو بايدن وهو أن "الناتو لن يموت".
 
منذ بداية الحرب وحتى اليوم، قدمت أميركا لأوكرانيا أكثر من 1.7 مليار دولار في صورة مساعدات أمنية، و2.4 ملياري دولار منذ تولي بايدن منصبه بحسب مذكرة وزّعها البيت الأبيض. إذ تضمنت قائمة الأسلحة الأميركية: 1400 وحدة من منظومة "ستينغر" المضادة للطيارات، 5 آلاف وحدة من منظومة "جافلين" المضادة للدروع، و7 آلاف وحدة من الأنظمة المضادة للدروع الأخرى، ومئات الطائرات المسيّرة من طراز "سويتش بليد".
 
وشملت القائمة أيضا 7 آلاف قطعة من الأسلحة الصغيرة، و50 مليون قطعة ذخيرة، و45 ألف درع واقية وخوذة، وأنظمة صواريخ موجّهة بالليزر، وأنظمة "بوما" الجوية بدون طيار، وأربعة رادارات مضادة للمدفعيات، وأربعة رادارات مضادة لقذائف الهاون، ومركبات مدرّعة متعدّدة الأغراض.
 
وفيما خصصت واشنطن مساعدة عسكرية إضافية بقيمة 100 مليون دولار، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن وضع منظومة الدفاع الجوي "باتريوت" في سلوفاكيا تعويضًا للأخيرة عن منظومة مماثلة قدمتها لكييف.
 
وأمام هذه المعطيات لا بد من الإشارة إلى إن مجلس الشيوخ الأميركي وافق على مشروع قانون بشأن "الإعارة والتأجير"، وتفعيل برنامج يسمّى بـ"ليند ليز"، لتبسيط تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا. كما خصصت واشنطن 1.7 مليار دولار بطلب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وسيكون على كييف دفع ثمن الهدايا الأميركية مع فوائد، ولن يفعل ذلك بالطبع زيلينسكي وفريقه، إنما الأجيال الصاعدة وربما حتى القادمة من الأوكرانيين.
 
فيما يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تحويل أوكرانيا إلى أرض لمواجهة طويلة ومديدة أو ما يمكن وصفها بـ"أفغانستان أوروبية". ذلك أن واشنطن لا تدفع شيئًا من دون مقابل فهي تريد استنزاف موسكو وتحويل كييف إلى مستنقع على غرار كابول.
 
وإلى جانب واشنطن، قدّمت بريطانيا مساعدات ضخمة لأوكرانيا، وأعلن رئيس وزرائها بوريس جونسون تعزيز المساعدة العسكرية لأوكرانيا عبر إرسال صواريخ إضافية مضادة للدروع وطائرات مسيرة. كما كانت بريطانيا قد أرسلت نحو 6 آلاف صاروخ إضافي لأوكرانيا، بالإضافة إلى 3615 من الأسلحة الخفيفة NLAW)) المضادة للدبابات، فضلاً عن متخصصين بريطانيين لتدريب القوات الأوكرانية.
 
وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إن لندن تعهّدت بمضاعفة عدد الصواريخ إلى أوكرانيا عن طريق إرسال 6000 إضافية، وإرسال 25 مليون جنيه إسترليني إضافية إلى الجيش الأوكراني. أما سلوفاكيا، فأعلنت الجمعة، إرسال منظومة "إس ـ 300" الصاروخية روسية الصنع إلى أوكرانيا، لكن بعد توفير بديل أميركي، وهو ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي، وضع منظومة "باتريوت" في سلوفاكيا.
 
بيد أن روسيا، من خلال حربها في أوكرانيا، كشفت عن وجه غير مريح، وربما وجه مخيف لأوروبا، وبالتالي، فكل المساعدات التي قدمتها الآن وتعمد إلى تقديمها لاحقًا، هي إحدى وسائل الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها وحضارتها ضد أي هجوم روسي. ذلك أن الدول الأوروبية نجحت بدرجات كبيرة بإقناع شعوبها بأن دعمها المالي والعسكري والتقني واللوجستي لأوكرانيا يشكّل، إلى حدّ كبير، أحد خطوط الدفاع عنهم ضد أي هجوم روسي آني ومستقبلي.
 
كما عززت المساعدات المالية الضخمة والدعم العسكري الأضخم قدرات أوكرانيا، سواء على مستوى القوات المسلحة النظامية أو على مستوى القطاعات والتراكيب والهياكل العسكرية المسلحة، التي تقوم بعمليات خاصة ونوعية ضد القوات الروسية، حيث باتت كفة المقاومة تميل لصالح هذه القطاعات والهياكل التي تلعب دورًا مهمًا للغاية في العمليات القتالية، وربما تكون هي التي أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من ضواحي كييف ومن المدن الأخرى التي حاولت روسيا احتلالها والتمسك بها في وسط أوكرانيا وغربها، ومن ثم تمت إعادة قواتها إلى شرق أوكرانيا وجنوبها.
 
كذلك يمكن الإقرار أن المساعدات الغربية المالية والعسكرية غيّرت بالفعل من موازين القوى، وسوف تغيّر الكثير في المستقبل، سواء على مستوى الجيوش النظامية أو على مستوى القدرات العسكرية الأوكرانية. من جهتها، لا شك أن روسيا غيّرت من استراتيجيتها العسكرية والسياسية، وخفَّضَت سقف توقعاتها التي كانت تحلم به مع بدء غزوها لأوكرانيا.
 
وكان جليًا اضطرار موسكو لتغيير خططها خلال الأسبوع الخامس من الهجوم حتى لا تقع في نفس الفخ الأفغاني-السوفياتي والذي ينسحب على الفخ السوري- الروسي الحالي، وعلى الرغم من ذلك لا توجد ضمانات أو حتى إرهاصات لعدم استمرار استنزاف روسيا وقواتها في أوكرانيا.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم