تقصد إيمان كلّ أسبوع الحمّام التقليدي (أو الحمّام العربي كما يسمّى في تونس) في حيّها للاستحمام والاستمتاع بـ"طقوسه"، وتؤكد لـ"النهار العربي" أنّها لا تزال تحافظ على العادات والطقوس ذاتها التي كانت ترى والدتها تقوم بها عندما كانت طفلة في اليوم الأسبوعي المخصّص لـ"الحمّام".
وتوضح إيمان أنها تخصص يوماً ثابتاً للذهاب إلى الحمّام، عادة ما يكون في عطلة نهاية الأسبوع، إذ تحرص على إعداد طعام الغداء باكراً، ثم تتجه إلى الحمّام القريب من بيتها، حاملة معها بعض حبّات من البرتقال تتناولها بعد الانتهاء من عمليّة الاغتسال، إضافة إلى مشروب غازي.
وتناول الحمضيات والمشروبات الغازية من العادات التي ارتبطت بذاكرة التونسيين، في سياق حديثهم عن الحمّام التقليدي.
وفي فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كانت أغلب الأسر التونسية تفضل الاستحمام في الحمّام التقليدي، ولكن مع تقدم السنوات تقلّصت هذه العادة، فيما ظهرت الحمّامات العصرية أو ما يعرف بـ"الساونا"، لكنّها لم تنجح في افتكاك مكان الحمّام التقليدي في ثقافة التونسيين وعاداتهم، رغم أن قسماً كبيراً من زبائنه من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
ويقبل التونسيون إقبالاً كبيراً على "الحمّام العربي" في فصل الشتاء بسبب برودة الطقس، وخصوصاً في مناطق الشمال الغربي المعروفة ببرودتها الشديدة.
وتتشابه هندسة الحمّامات التقليدية في تونس، إذ تتكوّن في معظمها من ثلاثة أجزاء: "غرفة الاستقبال" ودرجة حرارتها باردة، وفيها ينزع المستحمّون ملابسهم ثم يرتدونها بعد الانتهاء من عملية الاستحمام، ثم غرفة واسعة متوسطة الحرارة يغتسلون فيها بعد الانتهاء من عملية الفرك والتدليك، و"البيت السخون" (الغرفة الساخنة) وهي غرفة ذات درجات حرارة مرتفعة يغطيها البخار بكثافة، ويمكث فيها المستحمّون لبعض الوقت، ما يساعد على فتح مسام الجلد، وتحتوي على حوض للمياه الساخنة.
مدخل حمام عربي
علاقة خاصّة
وللتونسيين علاقة خاصة بـ"الحمّام العربي" تكاد توصف بالعلاقة الروحانية، لأن الاغتسال فيه يتجاوز مفهوم الطهارة الجسدية لاقترانه بمناسبات احتفالية ودينية مهمة في حياتهم.
وتقصد المرأة بعد وضعها طفلها بأربعين يوماً الحمّام التقليدي، ويطلق على هذه العادة تسمية "حمّام النفاس"، وتصطحب رضيعها معها، وهناك تحرص عجائز الأسرة على تدليك جسدها وشدّ بطنها بواسطة قطعة قماش كبيرة.
أما العروسان فيقصد كل منهما "الحمّام" قبل يوم من موعد الزواج رفقة الأهل والأصحاب على وقع الزغاريد وأنغام الطبل والمزمار، وهناك توزع المشروبات والحلويات على الحاضرين، وتعرف هذه العادة باسم "حمّام العرس".
كما تحرص الأم على اصطحاب طفلها إلى الحمّام قبل أيّام من موعد ختانه، وفي المقابل لا يقصد التونسيون الحمّام بعد وفاة قريب لهم إلا بعد مضي أربعين يوماً.
وفي الأعياد الدينية تشهد الحمّامات التقليدية ضغطاً كبيراً، إذ يدخل الاستحمام بها ضمن العادات الاحتفالية بهذه المناسبات.
وقديماً كانت النساء يلتحفن "السفساري'' المصنوع من مادة الحرير عند الخروج من الحمّام، وهو غطاء تقليدي تلتحف به نساء تونس، واليوم صار ارتداؤه مقتصراً على "حمّام العروس".
دور اجتماعي
وليس الحمّام بالنسبة الى التونسيين مكاناً للاغتسال فقط، إذ أن له دوراً اجتماعياً مهماً. فهناك يلتقي الأقارب والجيران ويتبادلون الأخبار والأحاديث، وقد يكون فرصة لاختيار الأم زوجة لابنها، وقديماً كانت الحماة تحرص على اصطحاب "كنتها المحتملة" إلى الحمام لإبداء رأيها بها قبل الموافقة على زواج ابنها منها.
وعادة ما تكون فترة النهار مخصصة للنساء للاستحمام، بينما يكون المساء مخصّصاً للرجال، إذ يمنع الاختلاط في هذه النوعية من الحمّامات.
ولـ"الحمّام العربي" فوائد كبيرة بحسب ما يؤكده أغلب رواده، إذ إنه يمنحهم شعوراً بالراحة لأنه يساعد الجسم على التخلص من الطاقة السلبية والتوّتر، إضافة إلى اقتناعهم أنه يساعد على فتح مسام الجلد ومداواة البشرة بفضل البخار المنتشر بكثافة، لكن أطباء في أمراض الجلد ينفون ذلك.
غرفة في حمام
عادة قديمة
يعود تاريخ الحمام في تونس الى فترة حكم الرومان. ويقول المتخصص في التاريخ محمد علي الشهيدي لـ"النهار العربي" إن الحمام ليس فقط مكاناً للاستحمام في الثقافة التونسية، فهو مؤسسة عريقة ظهرت في الفترة القرطاجية، ثم تطورت مع الرومان، وهو ما تؤكده الآثار والحفريات التي تبرز أن كل مدينة رومانية كان لها حمّام أو أكثر، بعضها للخاصة وبعضها الآخر لعامة الشعب.
ويوضح الشهيدي أن للحمّام في القديم أدواراً عديدة منها الاجتماعي والصحي والترفيهي والثقافي، وحتى السياسي. فقد كانت الحمّامات مكاناً لتمضية الوقت وللتداوي ولمناقشة القضايا السياسية وإبرام العقود والصفقات.
وفي الفترة الإسلامية، عرفت هندسة الحمّام بعض التغييرات وأضيفت إليها "المطاهر"، وهي غرف صغيرة للاستحمام، ويشدد الشهيدي على أن الحمّام صار في مرحلة لاحقة جزءاً من النموذج المعماري الإسلامي في تونس، القائم على وجود الجامع والسوق والحمّام.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي
12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي
12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.
اقتصاد وأعمال
12/11/2025 10:44:00 AM
تكمن أهمية هذا المشروع في أنه يحاول الموازنة بين 3 عوامل متناقضة: حاجات المودعين لاستعادة ودائعهم بالدولار الحقيقي، قدرة الدولة والمصارف على التمويل، وضبط الفجوة المالية الهائلة التي تستنزف الاقتصاد