18-09-2021 | 10:43

من "إسبرطة الصغيرة" إلى "سنغافورة الصغيرة"...الإمارات تتحرّك نحو "تصفير المشاكل" في المنطقة

في مقاله الأخير في صحيفة "الواشنطن بوست"، قال الكاتب الأميركي ديفيد إغناثيوس إن الإمارات تتحول من "إسبرطة الصغيرة" إلى "سنغافورة الصغيرة" ساعية إلى دور إقليمي يساهم في تبديد الخلافات في المنطقة، مع تركيز أكبر على الاقتصاد الداخلي. وفي مقاله أيضاً، ينقل عن الديبلوماسي الأميركي مارتن أنديك تشبيهه ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد بـ "كيسنجر العرب"، في قراءته لميزان القوى والتكيف معه دون أن يسمح للمشاعر بأن تعيق دربه.
من "إسبرطة الصغيرة" إلى "سنغافورة الصغيرة"...الإمارات تتحرّك   نحو "تصفير المشاكل" في المنطقة
Smaller Bigger
في مقاله الأخير في صحيفة "الواشنطن بوست"، قال الكاتب الأميركي  ديفيد إغناثيوس إن الإمارات تتحول من "إسبرطة الصغيرة" إلى "سنغافورة الصغيرة" ساعية إلى دور إقليمي يساهم في تبديد الخلافات في المنطقة، مع تركيز أكبر على الاقتصاد الداخلي.  وفي مقاله أيضاً، ينقل عن الديبلوماسي الأميركي مارتن أنديك تشبيهه ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد بـ "كيسنجر العرب"، لناحية قراءته لميزان القوى والتكيف معه دون أن السماح للمشاعر بأن تعيق دربه. 

 

ويشرح المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش أن الإمارات تسمي نهجها الجديد "تصفير المشاكل". وقال في مقابلة يوم الثلثاء إن عملية "إعادة النظر" هذه بدأت في عام 2019 بعد الخطر المتزايد الذي سببته الحرب في اليمن، والهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات والسعودية، والشعور بـ "تآكل" القوة الأمريكية في المنطقة.

وعملياً، شهدت الإمارات العربية المتحدة في الأشهر الأخيرة نشاطاً دبلوماسياً حيوياً، إذ كانت لافتة الزيارات التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد للقاهرة وعمان، لكن المفاجأة كانت في زيارتيه لتركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقطر التي التقى خلالها أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، في تحركات أوحت بأن أبوظبي تسعى الى خفض التوترات في المنطقة بعد سنوات من عدم الاستقرار، كذلك لتفعيل نطاق نفوذها على المستويات الخليجية والعربية والدولية.

ويمهد التحرك الإماراتي لمرحلة جديدة تقوم بحسب قرقاش على "طي صفحة الخلاف"، مضيفاً: "بناء جسور التعاون والازدهار مع الأشقاء والأصدقاء عنوان المرحلة، وركيزة رئيسية من ركائز السياسة الإماراتية".

وإذا كانت الإمارات تولي اهتماماً كبيراً لمحيطها الخليجي فإنها تولي اهتماماً موازياً لمحيطها الخارجي من منطلق أن البيئة غير الخليجية (العربية والغربية) هي خط الدفاع السياسي الأول لها وهي ملاذها الاستراتيجي، إذ تتبنى أبو ظبي سياسة خارجية حكيمة في موازنة علاقاتها وفي التعامل مع التطورات التي تشهدها المنطقة.

تحركات ملفتة
تجذب تحركات الامارات الاخيرة الانتباه خاصة مع حضورها اللافت في افغانستان بقوة. فقد برزت أبوظبي بين أوائل الدول التي أرسلت طائرات تقل مساعدات طبية وغذائية للشعب الأفغاني، وكذلك استضافت 5000 من المواطنين الافغان الذين أجلوا من  بلادهم، كما أن دبي هي المحطة التي اختارها الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، للجوء إليها.

علاوة على ذلك، التقى نائب رئيس الدولة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد وزير الخارجية الايراني أمير حسين عبداللهيان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد على هامش قمة بغداد. وهنأ وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد نظيره الإيراني في اتصال هاتفي بعد تعيينه في منصبه، 

التحركات الإماراتية هذه تزامنت في الواقع مع التحولات الزلزالية التي تشهدها المنطقة أبرزها  الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسيطرة "طالبان" على الحكم، كذلك سعي واشنطن الى خفض وجودها العسكري، وتقارب  دول  متخاصمة بعد قمة العلا التي أدت الى إنهاء مقاطعة قطر، ما جعل البعض يربط  تحركات أبوظبي من زيارات واتصالات بهذه التحولات في المنطقة، فيما ربطها البعض الآخر بسياسة القوة الناعمة التي تتبعها وتفعلها الإمارات في علاقاتها مع الدول، وما يتطلب ذلك من علاقات دبلوماسية تستند على الودية مع الجميع.

ويرى المحلل السياسي الإماراتي د. عبدالخالق عبدالله في حديث لـ "النهار العربي"، أن "كل الزيارات تصب في سياق أن الإمارات تمهد الطريق لمنطقة خالية من التوترات والنزاعات، وتحمل على عاتقها مشروعاً توافقياً تصالحياً، وتتخذ قرارت مفاجئة وتقوم بزيارات مدهشة. كل ذلك من منطلق مشروع توافقي تمهد به الطريق لغيرها من الدول، وتذهب إلى أبعد ما يجب الذهاب إليه لتعزيز دور الإمارات الإقليمي الصاعد كقوة إقليمية وكدولة من القوى المتوسطة التي لها حضور اليوم من المغرب حتى الهند شرقاً، وبالتالي لا شك في أنها تقود المنطقة نحو مرحلة جديدة". وأشار إلى أن هذا التحرك "ليس تكريساً فقط لاتفاق العُلا، وإنما تكريس لمزاج عام في المنطقة نحو التوافق والتصالح، الذي لا يزال في دقائقه الأولى وأمامه تحديات كبيرة، ونجد به الإمارات من أوائل الدول التي تسعى لإخراج المنطقة من النفق المظلم المليء بعدم الاستقرار".

وتوضح المحللة السياسية د. سمية العسلة لـ "النهار العربي" أن "زيارة الشيخ طحنون بن زايد لكل من مصر والأردن وتركيا وقطر يمكن أن نصفها بمحطات متتالية ضمن رؤية إماراتية بالتنسيق مع الرباعي العربي، وتسير أيضاً ضمن رؤيته وأهدافه وسياسته المتعلقة بالدول المذكورة سلفاً وهي قطر وتركيا، فهناك العديد من القضايا المشتركة الآن بين مصر والأردن والإمارات، خصوصاً في ملفات التصدي للإرهاب وتحجيم دوره في المنطقة، ظهر ذلك بشكل واضح بعد إعلان الأردن أن جماعة الإخوان إرهابية، وإدانتها السابقة لتدخلات أردوغان في ليبيا قبل أن ترسم مصر الخط الأحمر "خط سرت الجفرة" أمام الغزو التركي، ما أدى إلى اهتزاز الهيبة العسكرية للأتراك وخروجهم من ليبيا نحو أرض جديدة وهي أذربيجان".

وزيارة الشيخ طحنون لقطر أمر طبيعي، بحسب العسلة، "على سبيل إعادة العلاقات السياسية بين الدولتين ولو بشكل جزئي حتى تظهر حقيقة النوايا القطرية من المصالحة، ودخول قطر في خط إعمار العراق بحضور تميم بن حمد قمة بغداد برفقة الرئيس السيسي والشيخ محمد بن راشد، إذ إن هناك توقعاً بعقد اتفاقيات اقتصادية قريبة بين مصر والأردن والعراق والإمارات في ما يخص مجالات الطاقة والكهرباء والغاز أيضاً". واعتبرت أن "اتفاق العُلا مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح لتسوية الأمر في المنطقة. ولكن ليست مساعي الإمارات كلها لتكريس اتفاق العُلا، فالاتفاق هو  جزء من هدف إماراتي كبير يؤدي في نهايته إلى استقرار المنطقة ومنع التدخلات الخارجية".

الإمارات ومشروع الإسلام السياسي 

اعتبر البعض أن زيارة الشيخ طحنون لكل من تركيا وقطر الراعيين الرسميين لجماعة "الإخوان المسلمين" والتي تصنفها الإمارات ومصر والسعودية ودول كثيرة منظمة إرهابية، تغيير في أولويات أبوظبي في مواجهة الإسلام السياسي. وهو ما نفته  العسلة بقولها: "لا يمكن القول إن الإمارات تخلت عن مشروعها في التصدي لمخططات جماعات الإسلام السياسي المتطرفة ومن يدعمها ويقف خلفها. لكن الدولتين المذكورتين لم تعودا بالقدرة نفسها على اللعب في المنطقة من خلال دعمهما للجماعات الإرهابية المتطرفة، بل يمكننا القول إن الرباعي العربي استطاع أن يفشل مخططات قوى الظلام وتحجيم دور الإرهاب ومن يموله، بخاصة بعد أن استطاعت مصر التصدي لأطماع أردوغان في ليبيا، فأصبح النظام التركي محروقاً حتى في نظر مواليه وأتباعه".

ويشرح عبدالله أن "ما حدث هو تغيير في الموقف والخطاب التركي القطري تجاه تيار الإسلام السياسي. ونرى تراجعاً  لافتاً لتركيا في دعمها السابق للإسلاميين، فالتيار الإسلامي اليوم يجد نفسه يتيماً بعد أن تخلى عنه أردوغان كما أنه يجد نفسه معزولاً بعد أن انقلبت الدوحة على هذا التيار وأخذت تتجه نحو دول الخليج العربي بعد قمة العُلا، فالتغيير ليس في اللهجة الإماراتية تجاه الإسلام السياسي الذي يعيش أسوأ حالاته بخاصة بعد الانقلاب عليه بتونس".

تنسيق إماراتي - سعودي 
وخلافاً لما يشاع هنا وهناك، يسود تنسيق بين الرياض وأبو ظبي في ما يتعلق بالمرحلة المقبلة. 

وهو ما أكده عبدالله بقوله إن "هناك تنسيقاً إماراتياً - سعودياً - خليجياً، وبتقديري أن التحركات الإماراتية تمت بالتنسيق التام مع الرياض، فالإمارات دائماً ما تمهد الطريق لبقية الدول لاتخاذ مثل هذه القرارات الجريئة والزيارات التي تبدو مدهشة. السعودية لديها حساباتها واعتباراتها والإمارات كذلك والرياض للعلم سبقت الإمارات في التصالح مع قطر والتواصل مع  أنقرة. ويجب ألا نقلل شأن التنسيق الإماراتي- السعودي إطلاقاً وبين البلدين تنسيق وتعاون متكامل".

وعما إذا كانت الإمارات تسعى لتشكيل محور سنّي في المنطقة، يجيب عبدالله بأن "  أبوظبي لا تسعى الى تشكيل أي حلف لمواجهة إيران، ولا تود أن تكون في صدام معها، فإيران هي التي في صدام مع دول الخليج، ونسمع منها يومياً التهديد والوعيد منذ 1979، والفضاء الخليجي مملوء بالتهديد والوعيد الإيراني. أكثر من ذلك إيران نفذت بعض هذا الخطاب بأعمال القرصنة في بحر عمان وباستهداف ناقلات نفطية وسفن تجارية وذهبت إلى أنها شنت هجوماً على منشآت نفطية".

ويرى عبدالله أن "الخطر الإيراني قائم دائماً ولا يحتاج لتشكيل محور سنّي لمواجهته وإنما ينبغي أولاً التكيف والتعامل معه، وهذا الأمر ليس أمراً سنّياً أو شيعيّاً أو أمراً خليجياً - إيرانياً، بل إن العالم بأسره والعواصم العربية الكبرى قلقة من السلوك الإيراني على منذ 40 سنة، فلا تحتاج الإمارات لتشكيل محور سنّي لمواجهة إيران، وإنما مواجهتها بقدر ما هي قضية خليجية عربية إسلامية هي أيضاً قضية أممية".

وفي المقابل، تعتقد  العسلة أن "الإمارات تسعى الى إنشاء تحالف سنّي في المنطقة وهو مسعى مدعوم من الرباعي العربي ويتماشى مع سياسته الهادفة إلى تحجيم التوغل الشيعي المتطرف الذي تقوده إيران".

وتتابع  أن هناك "خطأً كبيراً وقع فيه الإعلام ويخدم مصالح بعض الدول الغربية وهو إلصاق كلمة إسلام سياسي بالطائفة السنّية فقط وغض النظر عن كل ما تقوم به إيران من تجاوزات في المنطقة وصلت الى حد نهب ثروات الدول التي تقع تحت نفوذها بأمر مباشر من الولي الفقيه في طهران. وما يحدث من جرائم في اليمن ولبنان والعراق أكبر دليل على ذلك".
 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
اقتصاد وأعمال 12/29/2025 5:34:00 AM
"بات من مصلحة المكلفين التصريح عن مداخيلهم وتسديد الضرائب ضمن المهل القانونية، تفاديا لرفع السرية المصرفية عن حساباتهم"