التّهمة "خرتي"... المصريّون "ممنوعون" من اصطحاب الأجانب في الأماكن السياحية!
في المناطق الأثرية في مصر، ربما تخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر من دون أن تدري، وقد تفضي بك إلى السجن، لا لشيء سوى لأنك تصطحب مجموعة من أصدقائك الأجانب، فتصير متهماً بأنك تعمل "خرتياً".
يجرّم القانون المصري مهنة "الخرتي" التي يعمل أفرادها على "اصطياد" السائحين، فرادى أو جماعات، من شوارع المدن السياحية، وإقناعهم بشراء بضائع من البازارات، أو اصطحابهم في جولة، وفي أحيان كثيرة يحتالون عليهم. ويعمل في هذه المهنة شباب عاطلون عن العمل، يتحدثون لغة أجنبية، وأحياناً لغات عدة.
وفي سياق الارتباك الذي تجلبه مهنة "الخرتي" إلى الشارع المصري، روى المهندس المصري محمد مبروك واقعة تعرض لها أخيراً، إذ استوقفه شرطي في أثناء اصطحابه مجموعة من أصدقائه الأجانب في شارع المعز بالقاهرة الفاطمية.
وأوضح مبروك في منشور عبر حسابه الشخصي على موقع "فايسبوك"، أنّ رجل أمن استوقفه، وسأله عن الشركة التي يعمل بها، ظناً أنه مرشد سياحي، لكن مبروك أخبره أنه مهندس، ويرافق أصدقاءه الأجانب وحسب.
وعلى ما يقول المهندس المصري في روايته، احتد النقاش مع الشرطي، وكادت تنتهي به الحال إلى قسم الشرطة لتحرير محضر، إلا أنّ الموقف قد تم تداركه في نهاية المطاف، وترك لحال سبيله. لكنه يتساءل باستنكار حيال تأثير هذا السلوك على السياحة، والانطباع الذي قد يتركه هذا الموقف لدى أصدقائه. التساؤل مشروع بالطبع، لكنّ للقضية أوجهاً أخرى.
التّهمة "خرتي"
في العادة، تتكرر هذه الظاهرة في المناطق السياحية بمجرد أن يرى أفراد شرطة السياحة مصرياً بصحبة مجموعة من السياح الغربيين، فيسألونه إذا ما كان مرشداً سياحياً، وإن لم يكن فلا بُدّ من إبراز هويته والتأكد من أنه ليس "خرتياً".
وإذا تشكك أفراد الأمن في أنّ الشخص المصاحب للأجانب يعمل "خرتياً"، فتلك مسألة أخرى، إذ يصير حينها في مرمى اتهامٍ يقود فوراً إلى السجن، وفقاً لنص المادة 17 من قانون المرشدين السياحيين ونقابتهم رقم 121 لسنة 1983.
تنص المادة على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد عن مئتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول مهنة الإرشاد السياحي دون الحصول على الترخيص المنصوص عليه في هذا القانون، وتضاعف العقوبة في حالة العود".
يقول سمير عبد الوهاب، رئيس لجنة تسيير أعمال نقابة المرشدين السياحيين، إنّ "المخول مرافقة السائحين هو المرشد السياحي، الحاصل على تصريح بمزاولة المهنة من وزارة السياحة المصرية، ويكون عضواً في النقابة العامة للمرشدين السياحيين".
ويضيف لـ"النهار العربي": "مهنة الخرتي تقوم على استغلال السائحين باعتبارهم لا يعرفون شيئاً عن مصر، وربما يكون هذا نمطاً قديماً، لأن السائحين الآن يعرفون كل شيء عن مصر تقريباً، عبر المقاطع المصورة المنتشرة على الإنترنت، فضلاً عن أنهم يُحذَّرون بالفعل من الخرتية قبل زيارتهم، لذا ظهر جيل جديد من الخرتية يظهرون بطاقات تعريفية مزيفة تعرِّفهم بأنهم مرشدون سياحيون".

يحتال الخرتية على السائحين في كثير من الأحيان.
أهميّة التّخصص
تستوجب مهنة الإرشاد السياحي دراسة أكاديمية لمدة أربع سنوات، يدرس خلالها الطلاب مناهج في التاريخ والآثار واللغة المصرية القديمة، فضلاً عن دراسة لغتين أجنبيتين، لذا فالمرشد السياحي هو الأكثر جدارة بشرح التاريخ المصري.
ويلفت عبد الوهاب إلى أنّ القانون المصري لا يحظر وحده على غير المرشدين السياحيين مرافقة السائحين داخل المناطق الأثرية، فهذا نهج متبع في معظم الدول.
ويستدعي مثالاً لتوضيح الصورة، فيقول: "في إحدى زياراتي لأحد المتاحف بالنمسا، كان يرافقني صديق نمساوي، وقبل الولوج إلى داخل المتحف، سألني عما إذا كان لديّ أسئلة أخرى، لأنه لن يستطيع الشرح في المتحف كونه لا يحمل تصريحاً بذلك".
ويستطرد رئيس لجنة تسيير أعمال نقابة المرشدين السياحيين قائلاً: "كل دولة تسعى إلى اعتماد مرشدين سياحيين مؤهلين في مجال السياحة الثقافية. وفي مصر، لا بُدّ من العناية بتأهيل المرشد السياحي، لا سيَّما أن التاريخ المصري القديم يواجه حملات تشكيك لا تتوقف، سواء من الأفروسنتريك (المركزية الأفريقية) أو العبرانيين، لذلك لا بد ألّا تُسلّم المهنة للدخلاء".

رئيس لجنة تسيير أعمال نقابة المرشدين السياحيين سمير عبد الوهاب.
وحيال واقعة المهندس المصري في شارع المعز، يوضح عبد الوهاب أنّ هذه المنطقة أثرية بأكملها، لذا فمن الطبيعي ألّا يشرح للسائحين سوى من هم مرشدون سياحيون، احتراماً لنص القانون.
ويردف بقوله إنّ "مهمة تقييم هوية مرافقي الأجانب، والتمييز بين الخرتية والأشخاص العاديين، ترجع إلى تقدير رجل الأمن، إذ يكون من اللافت تكرار زيارة الخرتي رفقة أفواج مختلفة، فيمكن التعرف إليه وتمييزه عن الآخرين الذين لا يعملون في هذه المهنة".
ويؤكِّد أنّ "مرافقة المصريين للأجانب في غير المناطق السياحية، تعد أمراً طبيعياً، وغير ممنوع على الإطلاق".
تشديد العقوبة
تعكف الحكومة المصرية على إدخال تعديلات على قانون المرشدين السياحيين ونقابتهم الصادر برقم 121 لسنة 1983، بحسب تصريحات سابقة للمستشار حازم اللمعي، مستشار وزير السياحة المصري.
وفي هذا الصدد، يكشف رئيس تسيير أعمال نقابة المرشدين السياحيين لـ"النهار العربي" أنّ من بين التعديلات المزمع إدخالها على نص القانون، تشديد العقوبة على مزاولة مهنة الإرشاد السياحي من دون ترخيص، لتصبح مدة الحبس عاماً بدلاً من ستة أشهر.
من جانبها، تقول نورا علي، رئيسة لجنة السياحة والطيران المدني في البرلمان المصري في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي"، إنّ "مهنة الخرتية تضر بمهنة الإرشاد السياحي أيما يكون الضرر، إذ يعتبر المرشد السياحي سفير مصر لدى السائحين".
وتضيف: "قانون المرشدين السياحيين لا يزال قيد الدراسة من قبل وزارة السياحة، ولم يقدم للبرلمان بعد"، متوقعة اعتماد القانون في دور الانعقاد المقبل، الذي يبدأ خريف هذا العام، وينتهي في صيف عام 2024.
نبض