الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

50 عاماً على "ناطورة المفاتيح": وينن؟ ربّاه كم يُشبه هذا السؤال المآل اللبنانيّ!

شربل بكاسيني
شربل بكاسيني
فيروز في "ناطورة المفاتيح" (أرشيفية).
فيروز في "ناطورة المفاتيح" (أرشيفية).
A+ A-
ليلة صدح صوت فيروز في بعلبك قبل 50 عاماً، مُعلناً أنّ بلادها "صارت منفى"، كان لبنان بعيداً من قاع الدرك. يومها، قدمت مغنّاة "ناطورة المفاتيح" التي قدّمتها في سياق المهرجان الدوليّ، رؤية استشرافيّة للمصائر المرعبة.
 
أطلّت "زاد الخير" من قلب الليل، تروي مآل مملكة شعبها المقهور. وفي قالب غنائيّ ليريكيّ، ولدت مغنّاة ملحميّة من ضلع المسرح السياسيّ الساخر الذي طوّعه عاصي ومنصور. "من كتر ما ناديتك وسع المدى"، ناجت فيروز الله فذاب الحضور هياماً، وما هي إلّا ثلاث سنوات حتّى نهشت الحرب لبنان، فتحوّلت مناجاة "زاد الخير" صلاة اتّفق عليها المتصارعون.
 
"أنا ملك المنفى، ملك البيوت الفارغة والساحات المهجورة، هربوا وانتصروا". هكذا يصرخ غيبون الملك كثور جريح، في لحظة انكسار أدرك فيها أنّ رعيّته هجرت المملكة وتخلّصت من ظلمه ومزاجيّته. وحدها "زاد الخير" ترفض الرحيل فتبقى. يسلّمها الشعب مفاتيح البيوت المظلمة ويرسمها ناطورةً للمفاتيح. يعرف الملك أنّه أصبح بلا رعيّة وأنّ "زاد الخير" أصبحت وحدها رعيّته المؤهّلة لفرض الشروط على عرش هشٍّ.
 
بقدر ما يقترب الحكم من الشعب، يقترب الشعب منه. هذه هي الغاية، وهذا ما أراد الأخوان رحباني قوله. تُقرّر "زاد الخير" الرحيل، فيعرف الملك أنّه بات وحيداً في مملكة حالكة، خالية إلّا من الغبار وعويل الذئاب. بات غيبون الملك قشّة على بيدر، فانهار ونزل عن عرشه صوب البيوت المهجورة يستعطي كرامةً وحبّاً وكلمةً حلوة. لم يُجدِ إطلاق المساجين نفعاً، فقد استنشقوا ريح الحريّة فهربوا من البطش.
 
للمرّة الأولى، خرجت فيروز من إطار الدبكة الشعبيّة مع دخول الرقص التعبيريّ المشهد الرحبانيّ. ومشت على حبل مشدود بين الفنّ الملحميّ والسذاجة، التراجيديا والسخرية، في خطّ التراجي - كوميك. "هون الشوك غطّى الشوارع، لازمنا حدا يدعّس، انزل"، هكذا خاطبت الملك في حوارهما الأخير والذي كشف عن فيروز جديدة بلغت أقصى قدراتها التمثيليّة صوتاً وأداءً.
 
روت "ناطورة المفاتيح" على نحو مكثّف قصّة الصراع الأبديّ في المسرح الرحبانيّ بين الخير والشرّ، وسَمَت فيروز، الضابطة الكلّ، بالمغنّاة التي بلغت نضجاً مسرحيّاً استكمل ما بلغته مسرحيّة "جبال الصوان" (1969).
 
ولم تكن المغنّاة عملاً مسرحيّاً عابراً، بل جاءت أقرب إلى النبوءة. "وينن؟"... ربّاه كم يُشبه هذا السؤال المآل اللبنانيّ! كم فكرة تنطوي عليها هذه الكلمة، وكم غصّة تضمّ! ساعتان إلّا 10 دقائق، فيها 90 دقيقة من الموسيقى، اختصرت مصير بلد وشعب فُطر على الرحيل والهجرة. "أنا ما قلتلن يفلّوا"، يصرخ الملك فتنتهره "زاد الخير" قائلة: "ظلمك قلّن! راحوا وما سألت عليهن!".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم