الأربعاء - 15 أيار 2024

إعلان

"آمنة مش سالكة"... الحرب التي لم نشفَ منها

المصدر: "النهار"
رنا حيدر
رنا حيدر
مسرحية آمنة مش سالكة في مسرح دوار الشمس. (تصوير حسام شبارو)
مسرحية آمنة مش سالكة في مسرح دوار الشمس. (تصوير حسام شبارو)
A+ A-
على خشبة مسرح دوار الشمس في بيروت، لبس خمسة ممثلين في مسرحية "آمنة مش سالكة" للمخرج عبد الرحيم العوجي،  بذلة محاربين سابقين بانتظار حكم يُتخذ لمحاسبتهم على مجازر ارتكبوها خلال الحرب الأهلية.
 
ندم، اعتذار، ذكريات أليمة، كلّ منهم حمل عبء الزمن خائفاً من الماضي ومن أفعاله الشنيعة، بانتظار محاكمة عادلة لم تتحقق؛ وكلّ منهم نفض يديه، واسترجع حياته بعد "عفو عام" كما لو أنّه شيء لم يكن.
قصص مُنبثقة من أرض المعارك ومن ذكريات محاربين لم يبقَ لهم إلا صورة الماضي. وقد يسأل البعض لماذا التنقيب في الذكريات لإيقاظ حقد كامن في القلوب؟
"لتحقيق العدالة على أنقاض مقابر جماعية"، عنوان كبير حمله الممثلون لإعادة إحياء ذكريات بعد 48 سنة من حرب أنهكت المجتمع اللبناني. فمن يتحمّل مسؤولية جميع المجازر؟

محاصصة بدل مصالحة
يشدّد رئيس جمعية "محاربون من أجل السلام"، زياد صعب، في حديث لـ"النهار" على أنّ رسالة المسرحيّة هي حثّ النّاس على طرح أسئلة عدّة، منها: هل حقاً تمّت المحاسبة بعد الحرب الأهلية؟ وهل كانت مصالحة حقيقية أم محاصصة، خاصةً بعد قانون العفو العام الذي ميّز بين الفئات والأفراد؟
 
ويرى أنّ المصالحة لم تتمّ في المقام الأوّل بل تبدّلت بالمحاصصة، وما جعله يقرّر نقل قصته وماضيه الحربي هو واقع المقاتلين في الحرب، إذ كانت تعتبر كلّ جهة أنّها تدافع عن لبنان، لكن في الواقع كانت تدافع عن جزء من هذا البلد. ويضيف: "لا يزال البعض منّا يختار الأحداث التي تبرّر وتخدم مصلحته؛ وهذا ما زرعته القوى السياسية والأحزاب في العقول. لم نتعلّم من الحروب التي مرّت عبر التاريخ، وحين انتهت حرب الـ1975 طُلب إلينا أن نتخطّاها".
 

يتابع: "ليس المطلوب "تعليق مشانق" بل الاعتراف بالذنب فحسب. كفرد خاض الحرب، تكاثرت التساؤلات في ذهني. تمتّعنا في الماضي بأدنى متطلّبات الحياة، أمّا اليوم فتبخّرت جميعها. لجأنا إلى العنف حين كنّا نعتقد أنّه الوسيلة الأفضل لتحسين أوضاع البلد، لكن اتّضح لي أنّ هذا الخيار لن يوصل إلى أيّ نتيجة، "فكيف لنا أن ندخل في حرب لبناء بلد ثم ننتهي بتدميره؟".

ولفت إلى أنّ "المحاسبة تحتاج إلى جهد ونضال لتحقيقها. نحن نحاول من خلال المسرح المساهمة في تحقيق العدالة. نمثل قوّة. جميعنا محاربون من مختلف الأحزاب اجتمعنا سوياً لنمثل قوّة جامعة تردع الظلم وتطالب بالحقّ".
 

 
هل المحاربون جلادون أم ضحايا؟
يؤدّي الممثل باسل الأمين من جمعية "لبن" دور المحارب "الفخور والمتعجرف"، الذي لم يرتكب أي خطأ، بل يعتبر أنّه كان يدافع عن أرضه وجماعته، ولو عاد به الزمن لكان فعل الأمر ذاته. وفي حديث لـ "النهار"، اعتبر الأمين أنّ تجسيد الشخصية بدأ مع التعرّف على محاربي جمعية "محاربون من أجل السلام"، بالإضافة إلى فهم حالاتهم النفسية بعد الحرب، لتتحوّل أوجاعهم إلى عمل فنيّ".
 
وأضاف الأمين: "حاولنا تجسيد قصص المحاربين، ومن خلال ذلك استرجعنا مفاهيم مصطلحات فُقدت في الحرب منها: مفهوم الضحية، المجرم، المسؤول، ما هي المحاسبة والمساءلة، وما هو الفرق بين الحقيقة والعدالة؟ كانت لغة هذه المسرحية صعبة إذ حاولنا ترجمة الواقع مؤمنين برسالة العدالة. نعلم مدى تسيس القضاء، والدليل أن أوّل قرار عفو عام خدم الأحزاب السياسية. لكن يجب أن نضع الماضي جانباً لكيلا نبقى ضحايا الحرب وسياسات الحكّام المتعسّفة".

وفي رأي الأمين، المحاربون "ضحايا وقعوا في هذه الخانة بعد انتهاء الحرب. لكنّهم قرّروا الانتفاض ومساعدة الضحايا من خلال مساهمتهم في هذا العمل، ونأمل أن يكشفوا عن وقائع أو معلومات قد تكون بحوزتهم عن المقابىر الجماعيّة والمفقودين لتأمين راحة البال لأهالي الضحايا".
يشعر الممثلون بـ"إرهاق جسديّ بعد نهاية العرض، وذلك جراء الطاقة التي حاولنا إيصالها. استمعنا إلى كلّ قصّة ولعبنا أدوار أفراد ربما لا يزال هاجس المعارك والحرب في ذاكرتهم، فكان تجسيد هذا الواقع صعب. لكن حين كنت أكتب الدور حاولت التركيز على عدم الاختيار بين خانة الجلادين والضحايا، بل أن تكون لدينا الحريّة بعدم الاختيار بين هاتين الفئتين".


"عفا اللّه عمّا مضى"
من جهته، أكّد نائب رئيس جمعية "محاربون من أجل السلام" أسعد شفتري أنّ "الموضوع الأساسيّ هو التركيز على المحاسبة، بالرغم من عدم وجود هذا المصطلح في قاموسنا اللبناني. فبعد انتهاء الحرب جُلّ ما فعلناه هو التذمّر من أوضاع البلد، وتفاقمت الأزمة الأخيرة من 2019 لغاية اليوم بتفشّي الفساد في مؤسّسات الدولة. لكن هذا الواقع سببه أمر واحد هو "عدم محاسبة المسؤولين".

وقال شفتري "كمحاربين شاركنا في الحرب لم نشهد أيّ محاسبة، بل بالعكس "عفا اللّه عن ما مضى". رمينا الوسخ وراءنا، وهذا خطأ وطني. الوسيلة الأفضل للوصول إلى مستقبل وطني هي تحقيق العدالة".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم