الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"شاي رحمتكَ الأبيض" لمحمد قشمر: إنقاذ الطبيعة من غُربتها

المصدر: "النهار"
نبيل مملوك
نبيل مملوك
الغلاف.
الغلاف.
A+ A-
في باكورة أعماله الشعريّة "شاي رحمتك الأبيض" الصادرة عن "دار رواة" (2020)، أظهر محمد قشمر قدرته على سكب مخزونه اللاوعي بسلاسة في مخزون الوعي الجماعي والفردي آخذًا نصّه نحو العمق الدلالي /الذاتي، في محاولة لإنقاذ الطبيعة وفكرتها من غربتهما.

تعلق الشاعر بثنائية الأرض والتذكّر، مشكلاً توازيًا معنويًا رناناً، إضافة الى هدوء الألوان في الغلاف. وقد أعاد قشمر قراءة الطبيعة بلهجة تفوق "العُشبيّة"، فحضرت اللوبياء، نبتة الدخان والبرقوق والدرّاق وغيرها من الثمار والخضراوات كدليل على تفاهم واضح مع الأرض وفهم مضامين هذه الثمار، مما أعطاها بشكل تلقائي روح الرؤية الاجتماعية الواقعية التي عكسها الشاعر: "شكّني يا الله /ورق الدخان في خاصرة السماء ص. ٦١" / "ناوليني كرّة الهندباء/سأحيك لجياع الأرض صحنا طائرًا/ إلى وطن يبتسم ص. ٦٣"، إضافة إلى عدم انفصاله عن بيئته العاملية والرداء الديني، فتجلت الـمكنة والسور القرآنية والرموز الدينية بقالب فنّي بحت: "يا يعقوب/ لو كشفت الغطاء عن قلبي لأطعمت يوسف لذئب النسيان ص. ٣٣"... و"في كربلاء تذوب الثلاجة شوقا لقطعة لحم ص. ٢٥".
 
 
وتوظيف السور في خدمة ايصال الفكرة: "سورة الرحمن عيدان حبق تسكن حقيبة أمي الصغيرة ص. ١٤"، "سورة الصافات سرب إوز أخضر ص. ١٣". وإن كان الشاعر قد منح الأرض حيّزا مهماً من مساحته الشعرية التعبيرية، إلا انه ترك "المفارقة" عنصرًا مولداً لإيقاع داخليّ وصورة معنويّة تفوق المعيارية:  "الثامنة صباحًا /الشمس تمزمز أسيد جلدي/ عند الواحدة/أصبح غيمة رماد"، "نص غيمة رماد". وفي المناجاة تجلت المفارقة: "أشوط قلبي إلى السماء/ ليعود هابطًا/ بمظلة الرحمة"، "نص مظلة الرحمة".

ومن ناحية الذاكرة، اعتمد الشاعر على الاسترجاع كخيط يرتق فيه قميص ذاكرته، فعبّر بطريقة عصريّة عن الفقر والموت: "جيبة أبي تذوب قبل حبة البوظة/بسمته تبقى جامدة/ حتى بعد صيف رحيله"، "نص بسمة جامدة".
 
وعن حنينه، عارضًا روحية الصراع بين الثقل والخفة على حلبة يحكمها الإنكار بشكل فلسفي جعله يطل بخفة، برغم ثقل الروح والعاطفة: "حتى المنديل لم يستوعب/ هذا الغياب/ما زال يلوح بي"، "نص شوق".

ليفرد بعدها في نصوصه النثرية الطويلة الأقرب الى أقصوصة أو سيرة ذاتية، مساحة مهمة لغنائية لا بدّ منها ومناجاة واسترجاع طيف من فقدهم، من الام والجدة والأب، ضمن مسرح يذكرنا بالحرب وتداعياتها.

استطاع محمد قشمر أن يمشي على حبل الشعر من دون أن يفقد أغلب توازنه، قائلا إنّ الأرض تُقرأ فلا تهملوا أسطرها. 
 

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم