الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اختتام "المهرجان اللبناني للأفلام المستقلة"... الصحة النفسية تحت أضواء السينما الحرّة

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
غوتييه-شربل رعد مع مجموعة مشاركين في المهرجان.
غوتييه-شربل رعد مع مجموعة مشاركين في المهرجان.
A+ A-

زمن مائع بلا ملامح يجترّ يوميات لبنان. ماذا لو أتيح للناس أن يعيشوا يومين خارج هذه الفقاعة؟ سؤال لا بدّ من أنّه غزا زوّار "المهرجان اللبناني للأفلام المستقلّة"- (LIFF) برعاية السفارة السويدية في لبنان، الذي أقيم يومي السبت والأحد في الـ25 والـ26 من شهر أيلول، فيما هم يصعدون سلالم مركز "ستايشن بيروت" (Station Beirut) وصولاً إلى السّطح، حيث نُصبت الشاشة الكبيرة، وانتشر بانتظار العرض حشدٌ غفير، يمدّ أو يستعيد أحاديث قطعتها كورونا. جرعة هواء في الهواء الطلق. علاوة على اشتياق الجماهير، يُخبرنا المهرجان بأنّ صناعة السينما لم تنتهِ، فقد تقدّم 1400 فيلم لجائزة المهرجان في نسخة العام 2021.


أعلنت أسماءُ الأفلام الفائزة، ليل الأحد، ضمن 14 فئة، ضمّت أفضل فيلم روائيّ قصير دولي: "غرفة 217" لسروشت أباراش (كردستان العراق)، أفضل فيلم روائي قصير عربي: "كان مرة في ولد" لأنطونيوس باسيلي (مصر). وحصد مخرجون لبنانيون 12 جائزة جاءت كالآتي: أفضل وثائقي محلي: "مرحبا بكم في أوزفيل" لجاي بلال، أفضل وثائقي محلي قصير: "إم حسون" لإيلي صهيون، و"الريح الثانية" لطارق قبلاوي، أفضل فيلم بالرسوم المتحركة: "كيف تحوّلت جدتي إلى كرسي" لنيكولا فتوح، جائزة التنوع الخاصة: "عنوان الفيلم" لفاطمة جمعة، جائزة أفضل ممثلة لجوي فريم، جائزة البحر الأبيض المتوسط الخاصة: "اسمعني يا رضا" لسارة صفي الدين، أفضل إخراج فني لداني صليبا في "غرفة 16"، وهنري باسيل في "الحب"، أفضل مونتاج: "تموزي" لعلي دقماق، أفضل رواية: "محادثة أخرى" لنور المجبّر، أفضل تصوير سينمائي: "رحيل" لراشيل مخلوف، أفضل مخرج: "بطل الخيول" لريتا رزق، وفاز عن أفضل رواية قصيرة محلية فيلم "في زمن الثورة" لسهى شقير.  

منذ إطلاق المهرجان في العام 2018، يواصل مدير LIFF، المخرج والمنتج اللبناني-الفرنسي غوتييه-شربل رعد "تكريس المهرجان منصّةً مستقلّةً ولدت في لبنان. وتشارك في إدارته الممثلة والمنتجة الأميركية دينيتا ويليامز- تريغز. نهدف للوصول إلى قاعدة عالميّة، وتأمين الأطر لمجتمع يدعم الفنّانين من خلال مشاركة شغفهم ومعرفتهم في السينما وتبادل الخبرات"، ويُشير لـ"النهار" إلى "الازدهار الملحوظ للسينما المستقلّة في لبنان"، ومرّده إلى "أزماتنا التي وجد خلالها المبدعون السينما ملاذاً كوسيلة تعبير، بل أصرّ البعض على اتّخاذ لبنان منصّة للعرض الأوّل لأفلامهم".

في مسعاه لنشر "النور والأمل"، يتولّى المهرجان مهمّته في "تصحيح الفكرة القائلة إنّ السينما المستقلّة هي سينما خريجين وهواة. هذا النمط تعبير عن الاستقلاليّة في الفكرة وطريقة الكتابة وأسلوب المخرج"، وفق رعد.

هذا العام، تبنى LIFF موضوع "الصحة النفسية التي يجب أن يوليها اللبنانيون اهتماماً خاصّاً في ظلّ كلّ العواصف والصدمات التي يختبرونها. ودعوتنا لهم أن يتكلّموا عن أوجاعهم بدل كبت الألم والخوف، والاهتمام بمعالجة اضطراباتهم النفسية. كذلك أصررنا على أن يكون اللقاء حضورياً بعد غياب السنة الماضية، لثقتنا بأنّ التفاعل الإنساني هو أهمّ عوامل الصحّة النفسيّة، ولا يمكن لـ"الأونلاين" أن يحلّ مكانه. جدّدنا شراكتنا مع منظمة "إمبرايس" (embrace) المعنيّة بالصحة النفسية، بالإضافة إلى منظّمات "كفى"، "حماية" و"أبعاد""، يوضح رعد. 

وتبعاً لموضوع السنة، اختير فيلما "نطفة" للمخرج اللبنانيّ سالم حدشيتي و"محاولة" (An attempt) للمخرجة اللبنانية باميلا نصّور ليعرضا خلال الحفل الرسمي ليلة السبت، الذي شاركت فيه سفيرة أميركا في لبنان دوروثي شيا، وممثلون عن السفارة السويسرية، وفنّانون ومهتمّون بالسينما.


يمكن اعتبار فيلم باميلا نصّور خياراً صائباً في اختياره نموذجاً لروح المهرجان، إلا أنّ المخرجة بدورها تسأل "لبنان صدّر الحرف والثقافة والفن والجمال، فهل يحقّ لمدينة أكثر من بيروت أن أعرض فيها فيلمي للمرة الأولى؟"، معدّدة لـ"النهار" عوائق الإنتاج، التي رافقت الفيلم منذ بداية تصويره في آذار 2020، إذ "تقطّعت مراحل التّصوير بسبب الحجر، وتضخّمت الليرة، وكدنا نستسلم. لكن الفيلم أداة لنقول "علينا ألا نتوقّف" فأنجزناه، وسيكمل دورته في عدة بلدان بدءاً من البرتغال".

وأكّد "محاولة" (18 دقيقة) إشارة المخرجة إلى أنّ رسائلها المرتبطة بالصحّة النفسية كانت مبطّنة، إلّا أنّها تخلق شعوراً عميقاً لدى المشاهد برغبته في استنطاق الشخصيّة الرئيسة، أستاذ المرحلة الثانوية ألفرد (جوزف شمالي)، الّذي برع في تجسيد مواطن لبنانيّ يعيش صراعات مع ذاته، محاولاً التأقلم مع أحداث حوّلتها تلفزيونات لبنانية في ثورة 17 تشرين إلى إعصار خبريّ ينهال على المواطن، فتركته في ذهوله. راح يبتلع تناقضات الواقع ويقذفها في الداخل؛ شرخ مع الذات وهوّة تتّسع مع الزوجة والتلامذة. المجريات تندرج في "الخلفية"، لكن روح الشخصية مرتوية بالثقل إلى حدّ يجعل المشاهد يخطىء بين التمثيل والواقع. زوايا البورتريه في بداية الفيلم، وبعض المؤثرات الصوتية، أعطت دلالات عن اللبنانيّ الذي لا صوت له، بالرغم من كلّ الصراخ. 

أما "نطفة" (11 دقيقة)، فإشكاليّته غير مركّبة، وتثير موضوع الإجهاض من دون عظات. اختار مخرج الفليم وكاتبه سالم حدشيتي الممثلة ورد الخال لطرح هذه القضية على سرير الإجهاض ضمن مشهد في داخل عيادة طبيب نسائيّ. المسافة من المسألة الأخلاقية احتفظت بموضوعيّتها، لكنّنا نتشابك مع الممثلة في ملامحها، ومن دون أن تنبس ببنت شفة، مؤدّية تجربة الارتطامات الداخليّة ومشاعر الحيرة والذنب والتحرّر وكراهية الذات والحماية والقتل وصراع حرية الشخص مع قيود المجتمع. وإن كان الإجهاض خياراً، يؤكّد الفيلم أن حضيضه النفسي ليس طوعيّاً.

من جانب آخر، لم يصرف التزام "الصحة النفسية" اهتمام المهرجان عن الجانب الفني. كرّس فترة ما بعد الظهيرة لنقاشات مع المخرجين حول طريقة عرض الأفلام، وسبل مقاومة الظروف الراهنة عن طريق الفنّ والسينما ومساعدتهم بشتى الوسائل المتاحة على الاستمرار بإنتاج الأفلام وتطوير مواهبهم.

خلاصة المهرجان، تمثل أمامنا القديرة وفاء طربيه بكلماتها التي خفقت عالياً ليلة الافتتاح بوجدان الحضور ومعنوياتهم "السينما في لبنان لا تزال بخير بفضل شبابه. نحن أرض أعراس الجليل وسيضيء الفرح حياتنا مهما أرادوا تحويلها إلى مآتم".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم