الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٧٤ - "جزيرة برغمان": ميا هانسن لاف تستملك أرض السينما

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
"جزيرة برغمان" لميا هانسن لاف المعروض في مسابقة كانّ ٧٤. 
"جزيرة برغمان" لميا هانسن لاف المعروض في مسابقة كانّ ٧٤. 
A+ A-
الفيلم الذي شاهدناه للمخرجة الفرنسية ميا هانسن لاف في هذه الدورة من مهرجان كانّ السينمائي (٦-١٧ الجاري) أحد أكثر الأعمال رقةً وهدوءاً ونعومةً في اطار التشكيلة الرسمية. الفيلم يقع في عنوان "جزيرة برغمان" وفيه ما يثير بهجة السينيفليين، ذلك انه يجري في قطعة الأرض (فارو) التي عاش عليها المخرج السويدي العظيم إنغمار برغمان (١٩١٨ - ٢٠٠٧) وحيث صوّر عدداً من أفلامه. الحجّة التي تجعلنا نحط في هذه الجزيرة هي ان شريكين في الحياة، كريس وتوني (فيكي كريبس وتيم روث)، وكلاهما مخرج، يزورانها بهدف الاقامة فيها لفترة وكتابة فيلمهما الجديد، بحثاً عن الوحي في هذا المكان العابق بروح برغمان وحكاياته وسيرته الشخصية المتداخلة بأعماله. سنكتشف عالماً خاصاً جداً تقدّمه هانسن في سابع تجربة فيلمية لها، ببراعة يد وشغف، قد لا يعنيان الكثير للجمهور العريض، ولكن نحن الذين نبحث عن سينما تجري كالينابيع التي على وشك ان تصب في النهر، وجدنا في هذا الفيلم ما يشبعنا فنياً وإنسانياً. 
 
ميا هانسن لاف، هذه الأربعينية التي عرضت أفلامها في أهم التظاهرات السينمائية، تشارك في مسابقة كانّ للمرة الأولى، رغم حضورها السابق واللافت في أقسام موازية اخرى في المهرجان نفسه. بسرعة صنعت الحدث بعملها الفريد على كلّ المستويات؛ عمل يؤكد مدى سينيفيليتها، وهذا ليس أمراً مفاجئاً كونها عاشت مع الناقد والمخرج أوليفييه أساياس لفترة، قبل انفصالها عنه في العام ٢٠١٦. أساياس الذي تسنت له محاورة برغمان في العام ١٩٩٠ ونشر حواراته معه لاحقاً في كتاب، قد يكون خلف اهتمام ميا هانسن لاف ببرغمان. في أي حال، هي لم تتردد في استلهام علاقة توني وكريس من علاقتها بأساياس. هذا ما يوحي به بعض الحوارات. فلا نستطيع ان نمنع أنفسنا من التفكير فيهما خلال الحديث عن ان برغمان تزوّج عدة مرات وخلّف أولاد عديدين، ولم يكن يهتم بالتربية بل فقط في أفلامه. هنا، تصرخ كريس: "أنا أيضاً كنت أحببتُ ان أنجب عدة أطفال من عدة رجال".  
 
صحيح ان كريس وتوني في فارو للتركيز والكتابة والاستلهام، لكن الوقت المخصص للكتابة لا يصنع فيلماً. لذا نراهما يتجولان في أنحاء الجزيرة الفردوسية ويكتشفانها ببؤبؤ العيون. هذه الفسحة كلها سينما بسينما، تحولّت إلى قبلة للزائرين ممّن يعرفون مخرج "الختم السابع" ولا يعرفونه. كلّ زواية منها لا تزال تسكنها روح برغمان، الحاضر بغيابه الأبدي. شيئاً فشيئاً تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، فنخرج من فيلم لندخل في آخر، أقصد من الفيلم الذي نراه أمامنا إلى مشروع الفيلم الذي تريد كريس تنفيذه فتروي تفاصيله لتوني. الشخصية التي كتبتها كريس تحت اسم إيمي (ميا فاسيكوفسكا) ستترك الورق لتصبح لحماً ودماً أمامنا وسنتابع قصّة غرامها بجوزف. 
 
لا تقيس ميا هانسن لاف نفسها ببرغمان. فيلمها تحية له على طريقتها الذهنية الخاصة جداً. ستروي في شأنه نكات وحكايات جانبية تتأرجح بين الشخصي والعام، ولكن ليس هناك كلام كثير عن أفلامه. أهي محاولة لتحطيم هالة مخرج يحتل مكاناً لا يُزاح في قلوب المشاهدين؟ من أشياء برغمان المعروف بحدية نظرته إلى الطبيعة البشرية، صنعت ميا هانسن لاف كوميديا رومنطيقية تبدو خفيفة ظاهرياً، الا ان هذه الخفّة المزعومة ليست سوى ثقة في الذات عالية جداً. لا شيء هنا يبلغ التراجيديا الإنسانية كما عند برغمان. 
 
قد يبقى بعض التفاصيل في سر الفيلم، وهذا أمر بسيط مقابل المتعة التي نشعر بها ونحن نتابع الأحداث. هناك مقاربة تراهن على الحواس، حواسنا. ما تودّه ميا هانسن لاف من فيلمها واضح لا شكوك حوله: بعد ١٤ سنة على رحيل معلّم السينما المطلق، تحاول استملاك الجزيرة (كما فعلت في فيلمها السابق "مايا" الذي صوّرته في الهند) وتجريدها من "هويتها"، في لعبة سينمائية طريفة حيث السينما تخاطب الحياة والحياة تخاطب السينما. تضيف ألواناً هنا وهناك لإخراج الجزيرة من إيقاعها الرتيب وطابعها الكئيب. قد يسأل القارئ: "… وما الفكرة من هذا الفعل؟". عليكم مشاهدة الفيلم، انها تجربة حواس، لا منطق بليد، في اطار فيلم لا يبحث عن طريق ولا يجدها، كما حال الكثير من الأفلام الجميلة التي تحاول الدوران على الذات لا السفر.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم