الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سمير فريد، الناقد الجنتلمان

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
سمير فريد.
سمير فريد.
A+ A-
أربع سنوات مرت على رحيل الناقد المصري سمير فريد. في زمن أضحت فيه الكتابة السينمائية أمام مصير مجهول، لا بد من ان نتذكّر أحد فرسان النقد في العالم العربي، سواء بمناسبة أو من دونها.

كان فريد ليبلغ الـ٧٨ لو عاش إلى يومنا هذا. لكن، المرض الذي باغته كان له رأيٌ آخر، فخطفه تاركاً كثر ممن تتلمذوا على مقالاته وآرائه في الأفلام يتامى. أحد الأسباب المهمة التي جعلت سمير فريد يشتهر هو انه كان داعماً حقيقياً لمَن كان يراهم أهلاً للدعم في المجالين الإخراجي والنقدي. فهو كان من الذين يشجّعون الآخر بكلمة في مقال أو إتصال هاتفي داعم، وهذه صفة تكاد تكون مفقودة في الوسط السينمائي حيث المنافسة بين الأجيال على أشدها ونكران الآخر منتشر جداً. لا شك ان سمير نصري كان ناقداً أفضل منه بمراحل، الا ان سمير فريد حمل في داخله شيئاً نادراً وهو توظيف ما يملكه من طاقة من أجل النهوض بمواهب آمن بها.

لم تربطني بسمير فريد أي علاقة، لا ودية ولا ثقافية ولا أي شكل من أشكال الصداقة. لم أكتشف السينما في كتاباته كما كانت حال الكثير من المصريين الذين اعترفوا بفضله عليهم عند رحيله في شهر نيسان حزين بعد فترة قصيرة من تكريمه في مهرجان برلين. ولكن كان بالنسبة لي “زميلاً”، جمعتني به مناسبات عدة سمحت لي الاطلاع على شخصية “عاشق سينما” ساهم في تثقيف مصر سينمائياً. أحياناً، كنت أكتفي برؤيته من بعيد، دائماً في المهرجانات السينمائية التي كان بدأ يتردد عليها منذ أكثر من نصف قرن بلا أي انقطاع، ولم أكلّف نفسي عناء عبور الشارع لإلقاء التحية عليه. عندما علمتُ خبر غيابه، ندمتُ عن كلّ تلك المرّات. أتذكّر أن رؤيته من على مسافة قريبة كانت كافية لأطمئن إلى أنّ كلّ شيء بخير. هو من هذه الفصيلة من البشر التي ترتاح لهم، تحبّهم بالاستعانة، أي لشدّة حبّ الآخرين لهم، فهو يجمع بين الأناقة والعراقة، جنتلمان حقيقي، ويكاد لا يعني شيئاً أن تتفق معه على فيلم أو تختلف، فابتسامة صغيرة منه وتستسلم لفكرة معارضته، يهزمك رصيده قبل أن يتغلّب عليك رأيه، وأنت، كنقطة في بحر تجربته، تنسحب بهدوء. رغم أنه جعل من السينما شغله الشاغل وشغف لا ينضب، كان أكثر مَن يذكّرني أنّه ثمة في هذه الحياة، أشياء أهم من السينما. تلك الحياة التي أعتقد أنّه أحبها، عاشها على أوسع نطاق.

المرّة الوحيدة التي شاهدنا فيها فيلماً جنباً إلى جنب، كانت يوم عرض "الحمامة التي جلست على غصن تتأمل في الوجود" لروي أندرسون في البندقية، ثم تمشينا معاً لملاقاة فاتي أكين الذي كانت لي مقابلة معه. دقائق ودعاه إلى مهرجان القاهرة في الدورة التي ترأّسها. أراده فيلم الافتتاح. هالتني سرعة قراره. كان قلبه يسبق تفكيره. وهو من الذين يكتبون بالعاطفة أكثر من أي شيء آخر. أتذكّره أيضاً يوم حدّثني عن كانّ في السبعينات، حين أمكن الجلوس إلى طاولة أي مخرج كبير يطئ أرض المدينة، بلا مرور عبر قنوات معقّدة كما هي الحال اليوم. تحدّثنا وقوفاً أمام صالة دوبوسي نحو الساعة، تحت شمس الجنوب الحارقة.

وكيف أسقط من ذاكرتي يوم علقنا تحت عاصفة مفاجئة هبّت على الليدو، هو وزوجته وأنا، واضطررنا للسير في مستنقعات المياة للوصول إلى الباص. الحكايات التي رواها لي في غير مناسبة، تجعلني أشعر بالأسف. أحزن أنّها لم تؤرّخ، وهي كأي شيء في هذه المنطقة المنكوبة تذهب أدراج الرياح.
سمير فريد لم ألتقه قط خارج دائرة المهرجانات التي ملأها بحضوره المتقشف، الرزين، الهادئ، وطلّته الفريدة. أحبّ اسمه هكذا، حاف، مجرد من أيّ صفة، فهو صنعه طوال سنوات من العمل المتواصل في الكتابة والرصد والمتابعة، يكفيه لتلخيصه والتعريف عنه والإشارة إلى دوره. ترك فراغاً عند مجايليه ممن دفعهم إلى الصالات المظلمة ولن ينسوه أبداً.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم