الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مرافعة الغيم والريح

المصدر: "النهار"
لوحة للرسامة الأميركية فيكتوريا أدامز: "إيحاءات الغيم".
لوحة للرسامة الأميركية فيكتوريا أدامز: "إيحاءات الغيم".
A+ A-
جو قارح

 

ريح أيلول

لا تخف،

الريح لا تبغي الأذيّة،

ستمرّ من أمامك وتقبّل وجهك،

ستُفرغ سائلها الحيويّ في جيوب عينيك،

ستضحكان معًا،

كيف كنت تظنّ أنّ الشمس تلاحقك،

كيف كنت تقطف الورد لئلّا يتنافس معك على التغلغل في التراب،

كيف كنت تمشي من ضوء إلى ضوء طالبًا فكرةً،

مفتّشًا في فمك عن الكلمات اللازمة،

لا أكثر ولا أقلّ،

توازنٌ دقيق بين التعبير والتفكير،

بين الأحاديث المتعثّرة والسهوات المعلّقة.

لا تخف،

الريح لا تقتل،

لها غطاء ترشّه عليك كلما حاولت الهرب في تأمّلاتك،

أمّ حنون،

ليس فقط هذا لكنّها أيضًا تنتظرك أمام الشبّاك لتعود،

تحفّ أذنيك عندما تسدل جسدك في السرير،

تأتي لك بالنعاس من أجود المصانع المحلّية،

علاقة أموميّة،

دلعٌ ودلالٌكأنّ العالم ليس في الخارج.

لا تخف،

الريح ستحملك فوق الغيوم لتقابل الطيور،

ستتآلف معها،

تستمع إلى أخبارها، مشاريع سفرها ومشاكلها،

ستطير وتطير،

تحلّق فوق قمم الجبال هاتفًا الحياة من خربشات جناحيك،

وعندما يبدأ الوقت بالتنقيب عن الليل وتترصّع اللآلئ البيضاء،

وعندما ينفذ منك النفَس وتتقطّع أنظارك،

ستغطّ على رصيف فراغ،

الطريق تحتك لن تناديك حينها،

ستجمع جناحيك، تفتح قلبك وتخبّئهم،

الريح ستوصلك إلى باب البيت،

تقرع وتُدخلك من الشبّاك،

سريرك جاهز،

المخدّة دافئة،

ستغفو على وقع رندحاتها المتقطّعة،

وتحلم أنّها عشيقتك السّرية.

 

غيم تشرين

من يسأل الغيم إن أكل؟

هل أكمل حلمه أم حرمه الهواء منه؟

كيف كانت سهرته البارحة تحت أغصان الزيتون المنشرحة؟

أين سيبيت الليلة؟

وحيد،

لا يصادقه سوى عابر السبيل،

لا يكرمه سوى العامل والعاشق حينًا،

والزارع الأحدب حينًا آخر،

يكدح نهارًا ويختفي ليلًا،

يأكل خبزه برماد فيئه،

يعمل عدّة دوامات متداخلة،

شاربٌ للجبال التي تسدّ فراغات السماء،

قبّعةٌ خفيفة لطيفة للبحر النائم،

مخدّة للطيور تغفو عليها بعيدًا عن أنظار الشجر،

يؤمّن جوًّا مناسبًا حسب الطلب:

لرجل عجوز يحتضر على كرسيه الخشبيّ الهزاز،

لأولاد يرسمون على زجاج شبابيكهم أجسداهم وهي تلعب على الطريق،

لعاشقين تمدّدوا على فرشة عشب وشلحوا أفكارهم وراءهم في الوادي.

وفي مناطق أخرى،

حيث تنحصر الحيطان في إبرة انتظار،

وتغمض الشمس عينيها عندما تشاء،

حيث يموت القهر جوعًا،

ويتسوّل الملل فرائسه،

الغيم إله الخير،

أيقونة الفرح،

ودرجُ الحياة الراسي على ميناء العيون المبتسمة،

يطمئنّ دوريًّا على أطفاله،

يستلم رسائل الشكران من نوافذ المستشفيات وغرف النوم،

تصله المطالب مكدّسة في عربة يقودها النسيم الهارب،

لا يردّ طفلًا خائبًا،

كلّ مَن تمنّى الفيء حلّ عليه،

له مذابح على طول الأنفاس المستشرية،

يرتفع له بخور العجائز والترانيم تتقطّر من سواعد العصافير،

هياكله من ماء يتبخّر على وجهه فيدمع،

حيطانها ظهور الهضاب الصلبة التي يُضحكها،

الأنوار تغازلها من كلّ حدب وصوب،

لها جوقاتها الخاصّة،

أصوات سماويّة ملائكيّة مهلّلة:

"إلهُنا هزم الموت!

رفعَ المتعبين وعلّقهم على حبال السّهو،

والمنشغلين باركهم بظلاله".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم