الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مِحنةُ ما بعدَ "رؤيةِ" الله!

المصدر: "النهار"
لوحة "الانفجار الكبير" للفرنسيّ كلود غيومي.
لوحة "الانفجار الكبير" للفرنسيّ كلود غيومي.
A+ A-

عبد الغني طليس

تَعِبتُ منَ الأرضِ المريضةِ يا أنا

إلى أينَ أمضي، بعد ذلكَ.. مِنْ هُنا؟

فَحَيَّاً خُذوني للسماءِ وأهلِها

هناكَ أُلاقي الله.. في أجملِ المُنى

تَعِبتُ، ولن أرضى بقَولةِ قائلٍ

إلى ساعةِ الحَشْرِ.. السُّكوتُ هو الغِنى!

***

تَعِبتُ، بَلى، مِنْ ثرثراتٍ عجيبةٍ

تُبارِكُ مَنْ يُطْري على الجَهْلِ مؤمِنَا

وصرتُ إذا ما قيلَ هَزْهَزْتَ ثابِتاً

أجبتُ: هو الإنسانُ حرٌّ بما اعْتَنى

حياةٌ على مَدِّ الزمانِ أُحبُّها

فأُحرَمُ رؤيا الربِّ.. إلّا مع الفَنَا؟

لقد خَصّني التكوينُ في رِفْعةٍ حَكَتْ 

مفاتيحَ عقلٍ قاربَ اللهَ في الجَنى

فكيفَ أُجافيها، وأُؤْثِرُ خَيبةً

وأقعدُ عن دربٍ تُبَلِّغُني السّنا

إذا كانَ غَيري راضياً، فأنا لَهُ

حبيبٌ، وإيماني لإيمانِهِ دَنا

ولكنني سافرتُ أبعَدَ  ناهِداً

لمعرفةٍ.. ربي لِحامِلِها رَنا

فهل بسمةٌ أو عبْسةٌ مِنْ ظلالهِ

ستُقنِعُنا، أم ما بِنَا هوَ.. ما بِنَا؟

وهل نحنُ أهلٌ كي نُشاهدَ غامضاً؟

ونَعلَمَ سرّاً عن هناكَ.. وعن هُنَا؟

وأسألُ نفسي إنْ حَظينا برؤيةٍ

أَنَعرفُهُ؟ أم يستبدُّ بنا الضّنى؟

نَعَم ، "ثَمَّ وجهُ الله" أنى تلَفَتَتْ

عيونٌ.. فأينَ الوجهُ يُشرقُ بَيِّنَا؟

وهل وجهُهُ نورٌ كما قيل دائماً؟

أمِ الوجهُ إنسانٌ.. وفَيْضٌ منَ الْهَنا؟

لَكَمْ خَرَّ كُهّانٌ بتفسيرِ كُنْهِهِ

وكَمْ عَرَّ شيخٌ.. بالفتَاوَى مُدَنْدِنا

وكَمْ غُرَّ حاخامٌ فطَمْأَنَ شعبَهُ :

إلَهٌ  عَلى  أعْلى  إلَهٍ  إِلَهُنا !

وَهَبْ أنّ شخصاً قد "رآه"،أيكتفي

بهِ الخلقُ، أم كُلٌّ سيطلبُ أنْ "أنا"؟

فكُلٌّ لهُ رأيٌ بما "راءَ" وحدَهُ

وكُلٌّ سيروي ما رأى فيهِ أحسَنا

ونَشْطَحُ: كيفَ الروحُ؟ ماذا مصيرُها؟

وهل لَوْحُ كلّ الناسِ باتَ مُدَوَّنا؟

وأينَ مكانُ الأنبياءِ وكُتْبِهِمْ؟

ومَنْ منهُمُ عن غيرهِ كانَ أوْزَنا؟

وأسئلةٌ شتّى، كأنّ مرادَكُمْ..

حواراً صحافيَّ المعاني.. مُؤَنْسَنا

ونرجعُ  أفواجاً تقاتلُ بعضَها

لأجلِ سَمانا.. و"القَنا يقرعُ القَنا"..

***

إذا كنتَ لمْ تُبْصِرْ سوى الضوءِ فاجراً

وسَمْعُكَ يأبى الصوتَ إلّا مُطَنْطِنا

فإنكَ لم تُبصِرْ بعُمركَ خافياً

ولن تسمعَ النّجوى ولن تفهمَ الغِنا

ومَنْ لم يجدْ ثبْتَاً لقُدرةِ ربّهِ

فأنكَرَها، قد زادَ في اللُّغْزِ مَكْمَنا !

وتشْكيكُهُ بالربّ ليس إجابَةً

 لِمِحْنَتِهِ، بل خَلْطُ حبٍّ مع الزِّنى 

هو السرُّ.. إلّا أنني لستُ خائفاً

منَ الغوصِ فيهِ مُمْكِناً ليس مُمْكِنَا

فلا اللهُ وجهٌ كي أراهُ على المَلَا

ولا اللهُ نورٌ شاءَ في الأرضِ مَسْكِنا

أنا، مَنْ أنا في الكونِ ؟ حَفنَةُ كائن

إذا فَهِمَ الأشياءَ طاحَ بهِ العَنَا

فكيفَ بِهِ في فَهْمِ كَونٍ مُجَمَّدٍ..

على حالهِ مليونَ دَهرٍ.. فما انْحنى؟

ومَنْ أنا في عِلْمي، أذا لستُ عالِماً

بما تحتَ جِلْدي مِنْ خبيثٍ توَطَّنا!

ولستُ أرى ما بعدَ بَعْضِ دقيقةٍ

بوَقتي، وبي ما بالذليلِ منَ الخَنَا

وأمشي فلا أدري.. أَتَكْمُلُ مِشيَتي

مسافةَ شِبرٍ.. أم سأسقُطُ مُثْخَنا؟

كأنيَ عن كشْفِ الغطاءِ مُقَصِّرٌ

فأرفضُ ما أصلُ الغطاءِ وما عَنَى. 

***

وقيلَ "انْفجارُ الكونِ" كانَ حقيقةً..

فكيفَ انْفجارٌ يسكُبُ الكونَ مُتقَنا ؟

نظاماً طبيعيَّاً مَهُولاً وسَامِياً:

وفيهِ بهاءُ الكائناتِ تَلَوَّنا

وفي العقلِ لو أنَّ انْفجاراً جَرى فما

سوى مشهَدِ الأطلالِ يرزَحُ مُزمِنا

أوِ احْكُوا بأنّ "الانْفجارَ" مُعَقْلَنٌ

ليأتي: بِناءً !.. إيْهِ يا كِذْبَةَ البِنَا !

***

لَسوفَ يظلُّ الخَلقُ يرعَونَ عالَماً

وفيهِمْ سؤالُ الله والكَونِ أَذَّنَا؟

"فمَن شاء فلْيؤمِنْ".. فتلكَ كِفايةٌ

ومَنْ شاءَ فَلْيَهْتَزَّ.. أيْسَرَ أَيْمَنا !

وما دُمْتَ نَكّاراً لِدِينٍ، وغيرِهِ

وللّهِ.. هل حدّدتَ مَنْ أنتَ مَعْدِنَا؟

وهلْ لكَ أنْ تَتْلو رؤاكَ على الوَرى

فؤاداً وعقلاً وابْتِكاراً وألْسُنا؟

وهلْ مُقْتَناكَ البِكْرُ في العِلْمِ قاطعٌ

لتقفزَ فيهِ فوقَ أيّانَ مُقْتَنى؟

"حَفِظتَ" الأطاريحَ.. اعتباطاً ورِيبةً

فبِتَّ لِما قالوا، بِنَفسِكَ.. مُذْعِنا

هوَ اللهُ.. لو أعطاكَ "رؤياهُ" لحظةً

لَنادَيتَهُ هَوِّنْ عَلَيَّ.. وَهَوَّنا؟

ومِنْ لُطْفهِ أنّا نراهُ كوالِدٍ

تجسّدَ: في قلبٍ يُحاوِرُ.. أرْعَنا

وفي هَيْنَماتِ الثلجِ يُلقي عبَاءةً

وفي نظراتِ الأُمِّ ترقبُ مِعجَنا

وفي ثوبِ فلّاحٍ تعَرّقَ عُنْقُهُ

لترتفعَ الأعناقُ.. حَوْراً وسَوسَنا

وفي الأرضِ: بحراً أو فضاءَ كواكبٍ

وناساً، وكَوناً ما عرفناهُ مُوْهَنا

وفي أعيُنِ الأطفالِ يومَ وِلادةٍ

وقد رَفَعَتْ أصواتُهُمْ قيمةَ الدُّنَى ..

خُذِ اللّه مِثْلَ الحُبّ حِسّاً مُسَيطِراً

يقودُكَ للمحبوبِ ملآنَ بالمُنى

ففيهِ انْخِطافُ الرّوحِ أروعُ سَفْرةٍ

نبوحُ بها سِرّاً على الخَلْقِ مُعْلَنا

ولكنْ مُحالٌ أنْ ترى الحُبَّ، يا فتى

خُذِ الله.. ولْتَفْتَحْ لعينيكَ أعْيُنَا.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم