الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

جميل عون طيّب آخر يغادرنا

المصدر: "النهار"
غسان حجار
غسان حجار @ghassanhajjar
الفقيد جميل عون.
الفقيد جميل عون.
A+ A-
ثمة دائما مَن يعمل في الخفاء. الجنود المجهولون الذين يكدّون لاصدار الجريدة. ليسوا كتابا ولا صحافيين ولا مصورين يتعاملون مع الناس مباشرة. من دون هؤلاء العاملين في الخفاء لا نجاح لأي عمل. من هؤلاء زميل طيب القلب، بطيب قلب مروان عساف المصور الذي طوى الصفحة قبل ايام قليلة. انه جميل عون. الرجل الودود والمتواضع والمتفاني في العمل. عمل في "النهار" نحو نصف قرن، في رسم الماكيت والاخراج الصحافي. كان قريبا من الجميع، يبتسم بهدوء. وكم من مرة كان يلعب دور الوسيط عندما تلتقي عنده التعليمات متضاربة، يدخل بخفر، يبتسم بخجل، ويسأل: "ما رأيك، أليس من الافضل ان نتمم العمل على هذا النحو؟". بداية كنت اصدقه، ولاحقا صرت ادرك انه يعمل على تفادي التباعد في وجهات النظر، فأضحك لديبلوماسيته المقنعة غالباً. ولما كنت اتصلب في موقفي، يقوم بالدور نفسه مع آخرين من دون ان يفصح عن السبب.
 

وجميل عون، ليس كأي موظف آخر، عاش الرفاهية في العمل، بل على العكس تماما، فقد ترك منزله لايام واشهر خلال الحرب واقفال المعابر، وانقطاع التواصل الهاتفي، وبالطبع لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي متوافرة. كان يمضي ايامه في مبنى "النهار" في شارع الحمراء، ولم يكن الوصول الى منزله في "بيروت الشرقية" امراً متيسراً، وكان مع زملاء، وعلى رأسهم مدير التحرير آنذاك، فرنسوا عقل، كبيرنا اطال الله في عمره، ينزلون الى الطبقة السفلية الثانية تحت الارض، حيث المطابع، وينامون على "رولو" الورق، اذ ان شدة القصف كانت تحول دون وصولهم الى فندق مجاور او اي مكان آخر. ويروي لي زملاء ان جميل عندما عاد مرة الى المنزل بعد انقطاع استمر نحو اسبوعين، وجد ان زوجته الحامل قد وضعت مولودتها في غيابه.

وذات مرة، في احد ازمنة الهدنة، قرر ان يشتري سيارة، وأتى "النهار" مفاخرا بها، لكن ليل بيروت الذي اشتعل فجأة حوّلها ركاماً، وظل جميل عون لعشر سنين يسدد الاقساط الى مصرف من دون ان يملك سيارة.

هذه المعاناة، وربما كثرتها، اثّرت في شخصيته، وجعلته قادرا على تحمّل الصعوبات وتقبّلها مع ابتسامة رافقته الى اليوم الاخير. جميل عون، ومن مثله، صاروا قلائل، لان التفاني في العمل تراجع كثيرا، وصار الانتقال من شركة الى اخرى هو السائد، علماَ انه ليس بالضرورة عمل مدان.

جميل عون اليوم تودّعك اسرة "النهار" كبيرا، شهما، خلوقا، ضاحكا، ووفيا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم