الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"ضد خطاب الكراهية" ولكن كيف؟

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
"ضد خطاب الكراهية" ولكن كيف؟
"ضد خطاب الكراهية" ولكن كيف؟
A+ A-

شاركت منذ نحو أسبوع في الاعتصام الذي نظّمته حملة "ضد خطاب الكراهية"، في حديقة سمير قصير. وهي حملة تحاول الرد على الخطاب الرسمي والحزبي والشعبي الذي يطال النازحين السوريين خصوصا.

خطاب الكراهية ضد النازحين السوريين بشكل عام، وضد العمال السوريين تحديدا، ليس خطابا منطقيا متماسكا مبنيا على اسس عقلانية (راجع مقالي في "النهار"، بعنوان "السباق الرئاسي المذل والمدمر"). والمتحمسون او المصفقون له لا يتأثرون بـ"منطقه" او بـ"عقلانيته".

قوة هذا الخطاب، هي في انه جزء من منطق القوة، حيث ان بثه يتم عبر قنوات رسمية او غير رسمية ذات نفوذ. في هذا المعنى، يتأتى تأثير الخطاب من كونه عنصرا من عناصر الخطاب السياسي العام المهيمن في البلد، الذي يتغذى من قيم المذهبية والطبقية والعنف، وهي مصادر رئيسية لخطاب الكراهية هذا.

كما ان هذه الكراهية، وإن صبت اليوم حقدها على النازحين السوريين، انما هي كراهية تستقي جذورها من العجز والقلق والخوف عند المواطنين بشكل عام، وعند المسيحيين بشكل خاص، بسبب الأزمات الكبرى التي يتخبط بها لبنان والمنطقة، ويطال بعضها المسيحيين بالتحديد، وخصوصاً أن المسيحيين يختزنون حقدا قديما يعود الى زمن خضوعهم للهيمنة السورية الامنية والسياسية على لبنان، التي ادت الى خسارتهم إمتيازاتهم السياسية، والى تهميش دورهم السياسي في مرحلة ما بعد الطائف. وقد ارتأوا على ما يبدو تصريف هذا الحقد في وجه الشعب السوري، بعدما قرر بعض زعمائهم التحالف مع النظام السوري المولّد الاساسي لحقدهم.

هذه من العادات المعروفة للعنصرية، الا وهي الانقضاض على الطرف الأضعف، بدل مواجهة اصل الظلم. لعل للكراهية تجاه النازحين السوريين وظيفة إضافية في حالتنا، وهي التغاضي اللاواعي عن "خيانة" زعمائهم لمشاعرهم، عبر التحالف مع النظام السوري. ولا سيما أن زعماءهم هم من يتولى توجيه حقدهم هذا.

لقد سبق للوزير جبران باسيل، وهو رئيس اكبر حزب مسيحي، ان وصف الانتماء اللبناني بأنه "جيني"، ملتحقا بالتيارات العنصرية حول العالم التي اعتبرت ان جيناتها هي السبب الاول لتفوقها على باقي الشعوب. يؤكد الوزير باسيل ان هذا المفهوم الجيني للانتماء اللبناني، "هو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معا، ولرفضنا للنزوح واللجوء". لاحظوا معي التشديد على كون "الانتماء الجيني" هو "التفسير الوحيد" لرفض النزوح، وكأن الحجج من مثل الخوف من التوطين وصعوبة الوضع الاقتصادي والمنافسة في سوق العمل، سقطت فجأة ولم تعد ذات شأن.

يقول إيريك فروم "إن الشعور بالتفوق العنصري يأتي غالبا من جماعات محرومة اقتصاديا او سياسيا او ثقافيا بلا اي امل بتغيير واقع الحال ويصبح سبب رضاها الوحيد هو هذه الصورة المضخمة عن الذات مقارنة بمجموعة أخرى يتم إعتبارها انها دونية".

إذا كانت قيادات الجماعة التي يمثلها الوزير باسيل غير محرومة سياسيا او اقتصاديا او ثقافيا، بل على العكس تبدو مستأثرة بالسلطة وبالمواقع على مستويات عدة، فهذا لا ينطبق على القاعدة الحزبية التي تعاني من الحرمان على المستويات كافة، مثلها مثل معظم اللبنانيين. هذه القاعدة الحزبية ليس لديها على الارجح، امل فعلي بتغيير واقع الحال، لكنها بدل ان توجه نقمتها في إتجاه السلطة السياسية التي يتبوأ زعماؤها مفاصل اساسية فيها، تراها تحول نقمتها في اتجاه الفئات الاضعف، اي النازحين السوريين. وهذا اهم ما تصبو اليه قيادتها السياسية من خلال نشر خطاب الكراهية في اوساطها.

ولأن هذه الجماعة تعرف تماما أن "قوتها" الفعلية و"قوة" زعمائها، ليست ذاتية، بل مستمدة من الدعم الذي تتلقاه من الفئة السياسية الاكثر نفوذا في لبنان، ربما أدى هذا "الوعي" الى زيادة احساسها بالعجز، وخلق حاجة إضافية لديها لتضخيم صورتها عن ذاتها عبر تنشيط دوافع العنصرية والكراهية تجاه الفئات الضعيفة.

هذه الكراهية تخدم بالطبع النظام السوري، على رغم انها موجهة ضد شعبه، اذ ان عودة النازحين الى سوريا، هي ورقة ثمينة يمكنه ان يستخدمها في التفاوض مع المجتمع الدولي، حول الحل السياسي وحول شروط إعادة الاعمار.

لهذه الاسباب كلها، لا يمكن مواجهة خطاب الكراهية بالمنطق وحده، او بالارقام وحدها، او بالمواقف الانسانية وحدها، وإن كانت مجتمعة يمكن ان تخلخل بعض اسسه.

وقد يكون هذا واحداً من الاسباب التي يمكن ان تفسر الغياب الكلي للخطاب المضاد، في الاعتصام الذي نظم في 12 من الشهر الجاري في حديقة سمير قصير، تحت شعار "ضد خطاب الكراهية". فقد اكتفى ناشطون وناشطات برفع الشعار دون إلقاء كلمات تحدد المواقف وتشرحها.

إن لمحة سوسيولوجية، ولو من طريق الملاحظة فقط، للجماعة التي اعتصمت، يمكنها ايضا ان تفيد ببعض التفسيرات الاخرى. فعدد الاشخاص كان قليلا جدا، وخصوصاً بالمقارنة مع العدد الاكبر الذي ساند الحملة عبر ادوات التواصل الاجتماعي. وإذ تنوع الحضور بين نساء ورجال وبين الاجيال، لوحظ غياب وجوه عديدة من المناصرين المعتادين لحقوق الانسان، وغياب فاقع للنقابات وللجمعيات التي تعنى بحقوق العمال والانسان والنساء.

من الواضح ان المعتصمين هم مجموعة أفراد لا رابط تنظيمياً بينهم. للاسف لم يكن باستطاعتنا رصد الانتماءات المذهبية او المناطقية للمشاركين. مع ملاحظة شبه غياب للنازحين السوريين انفسهم.

من الملاحظات المحيطة بالحدث، وجود شاحنة سيترن مياه بالقرب من الاعتصام وإقفال القوى الأمنية بعض مداخل الوسط التجاري، قبيل بدء الاعتصام.

إن تركيبة المعتصمين أعجز بالطبع من انتاج خطاب فاعل مضاد للكراهية. حتى ان الشعار نفسه تحاشى، عن قصد ربما، ذكر الجماعة الموجهة اليها هذه الكراهية، اي النازحين السوريين.

لا يمكن فهم مشاركة اللبنانيين والسوريين الضعيفة في الاعتصام، وكذلك التحفظ الشديد في الشعار نفسه، من دون الأخذ في الاعتبار صدور الخطاب عن جهات حزبية رسمية وطائفية، في ظل مناخ طائفي في البلد تحكمه سلطة سياسية تلاحق قضائيا وامنيا وبشكل متزايد، مختلف اشكال التعبير السياسية المعارضة.

اللافت ايضا، وربما تكون سابقة في لبنان، ان الامن العام وفي بيان صادر عنه حديثا، نبّه "الجمعيات والمنتديات المدفوعة الاجر وصاحبة المواقف المسبوقة الدفع، من الحديث الارتجالي عن ملف النازحين وجعله موضوعا للاتجار السياسي".

تنطلق الحملة اذاً في غياب مطالب واضحة وخصم محدد، من خلال مجموعة قليلة من الافراد غير المنظمين بعد، الا ربما هؤلاء الذين اطلقوا الحملة. فضلا عن الظروف السياسية والامنية المعقدة والصعبة.

هناك ضرورة للاستمرار في الحملة الاعلامية وتطويرها في اتجاه تفكيك الخطاب العنصري، بالاستناد الى القيم الانسانية الجامعة، كما بالاستناد الى الارقام، ومع تسمية الضحايا والخصوم. بالاضافة الى ذلك، أريد أن أقترح كواحد من الافراد الذين شاركوا في الاعتصام، المقاربة الآتية لاستمرار الحملة.

ففي وجه الآثار العملية لخطاب الكراهية، التي تمثلت راهنا بحملة منظمة لطرد العمال السوريين من أعمالهم في المؤسسات والمحال على أيدي جهات رسمية وغير رسمية حزبية، بحجة حماية اليد العاملة اللبنانية، المطلوب إرفاق صيغة "ضد" بصيغة "من اجل"، آخذين في الاعتبار المخاوف الفعلية، وليس الوهمية عند اللبنانيين، من أخطار المنافسة بين العمالة السورية والعمالة اللبنانية في سوق العمل، والعبء الحقيقي للنزوح السوري على اقتصاد البلد كما على تركيبته الطائفية.

الشعار الملائم والمطلوب إضافته على ما اعتقد، هو شعار "من اجل تنظيم العمالة الاجنبية في لبنان". فللشعار فوائد معنوية وعملية على حد سواء.

من الناحية المعنوية، يعترف الشعار بالمشكلة التي يتذمر منها الكثير من اللبنانيين، وهي المنافسة في سوق العمل. هكذا لا يضع مناهضو خطاب الكراهية أنفسهم، خارج اطار هموم اللبنانيين. بل يقولون بصراحة ووضوح، نحن نهتم بمصالح اليد العاملة اللبنانية، وإن كنا نرفض خطاب الكراهية ضد العمالة السورية والطريقة العنيفة احيانا والمهينة دوما التي يجري من خلالها طردهم من أعمالهم. ما نريده هو تنظيم هذه العمالة السورية، وبما يحمي حقوق العمال اللبنانيين والسوريين.

لكن كيف ننظم العمالة السورية؟ على الحملة اولا ان تسحب هذه المسؤولية من أيادي السياسيين، ولا سيما العنصريين من بينهم، وتضعها في إطارها المؤسساتي والقانوني.

المؤسسة المعنية قانونا بتنظيم العمالة الاجنبية، هي المؤسسة الوطنية للاستخدام. هذه المؤسسة هي تحت إشراف وزارة العمل، وهي ثلاثية التمثيل، يديرها مجلس إدارة يمثل الاطراف الثلاثة، الدولة والعمال واصحاب العمل، بالاضافة الى ممثلين عن الجامعة اللبنانية وعن مركز البحوث والانماء، وعن المديرية العامة للتعليم المهني وااتقني.

من مهام هذه المؤسسة: "المساهمة في تنظيم سوق العمل، مكافحة البطالة عن طريق تأمين نسبة مرتفعة للاستخدام، القيام بالدراسات والابحاث الرامية الى تحديد السياسة العامة للاستخدام".

نقاط القوة في هذا الطرح متعددة.

اولا، ان الاطراف الاساسيين المعنيين عمليا بتنظيم سوق العمل هم ممثلون في هذه المؤسسة.

ثانيا، أن وزير العمل وضع من ضمن اولوياته، تفعيل عمل هذه المؤسسة، كما انه كما نسمع، قد أنجز خطة متكاملة للتعامل مع مشكلة العمالة السورية بالطرق القانونية. أضف إلى أن وزير العمل الحالي، المسيحي، أي من الطائفة الاكثر انخراطا علانية في خطاب الكراهية، ينتمي الى "حزب القوات اللبنانية"، الذي لا يتبنى خطاب الكراهية هذا، ولو انه بدا اكثر تشددا حيال الموضوع في الآونة الاخيرة، ربما حتى لا يحرجه مسيحياً خصمُه، اي "التيار الوطني الحر"، الذي يقود الحملة ضد العمالة السورية. ومن مصلحة حزب "القوات" وحلفائه استرجاع هذا الملف من أيادي "التيار الوطني الحر"، وإعادته الى إطاره القانوني الرسمي.

ثالثا، ان طاولة الحوار في إطار المؤسسة الوطنية للإستخدام يمكن ان تستفيد من الدراسة الشاملة التي انجزها حديثا الاحصاء المركزي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، حول العمالة والاوضاع المعيشية في لبنان. لم تُنشر هذه الدراسة بعد، للاسف، ويجب المطالبة بنشرها، حتى يقلع البعض عن استخدام أرقام مغلوطة لاغراض عنصرية، ولمعرفة الواقع الفعلي للمنافسة في سوق العمل على اسس موضوعية. فقد نستنتج مثلا من الارقام العلمية، ان بعض القطاعات الاقتصادية تحتاج في الظروف الحالية الى عمالة أجنبية في حين ان بعضها الآخر لا يحتاج، مما يساعد على تنظيم العمالة من ضمن رؤية إقتصادية تخدم المجتمع اللبناني.

رابعا، لقد جرى وضع استراتيجيا للحوار الاجتماعي في لبنان، في اطار التعاون بين وزارة العمل والاتحاد الاوروبي وقد شارك في وضعها الاتحاد العمالي العام وجمعية الصناعيين ووزارة العمل. ناقشت هذه الاستراتيجيا مشكلات المؤسسة الوطنية للاستخدام من وجهة نظر الشركاء الاجتماعيين، واقترحت خطة لمعالجة هذه المشكلات وتطوير المؤسسة. الخطة تحتاج الى المزيد من التطوير وخصوصاً اذا أريد للمؤسسة ان تلعب دورا فاعلا في تنظيم العمالة الاجنبية.

خامسا، يمكن للحوار حول تنظيم العمالة الاجنبية ان يستفيد من وجود نصوص قانونية محلية ودولية حول حقوق هذه العمالة. مع الاشارة الضرورية إلى ان تطبيق المساواة في الاجر والحقوق بين جميع العاملين المحليين والمهاجرين، الذي تنص عليها الاتفاقات الدولية، لا تستفيد منها فقط العمالة المهاجرة، بل ايضا العمالة الوطنية، حيث ان هذه المساواة في الحقوق تعطيها قدرة اكبر على منافسة العمالة المهاجرة.

يبقى ان لهذه المقاربة صعوباتها وعقباتها ايضا.

فالمؤسسة الوطنية للاستخدام، تعاني من خلل كبير في عملها وهي تحتاج الى دعم والى تطوير اذا اردناها ان تلعب دورا فاعلا.

ووزير العمل اطلق خطة لـ"مكافحة العمالة الاجنبية غير الشرعية على الاراضي اللبنانية". وقد بدأ تنفيذ الخطة من خلال مراقبة شرعية العمالة الاجنبية في بعض المؤسسات والمحال. ومع ملاحظتنا السلبية على تعبير " مكافحة" الذي تعودنا عليه عندما نتكلم عن الفساد، المهم ان تحترم هذه الخطة القانون وحقوق الانسان، والا تطغى على دور المؤسسة الوطنية للاستخام الذي هو تنظيم العمالة الاجنبية وليس مكافحة غير شرعيتها فقط. اهمية دور هذه المؤسسة الاضافي، هو انه عليها ان تضع سياسة للاستخدام، فتنظيم العمالة ومكافحة البطالة بدون هذه السياسة هو عمل عشوائي يستجيب فقط للدوافع السياسية وليس الاقتصادية.

كما ان اصحاب العمل لم يتعاملوا تاريخيا مع المؤسسة الوطنية للاستخدام كمرجعية رسمية اساسية لتنظيم سوق العمل وتطوير سياسة الاستخدام في مؤسساتهم. لكني اعتقد ان حملة الكراهية ضد العمالة السورية تضر بأصحاب العمل وبمصالحهم، مما يجعلهم ربما متحمسين اكثر لمعالجة موضوع العمالة الاجنبية في إطار مؤسسة الاستخدام، حتى ولو ادى ذلك الى ضرورة الاعتراف بحقوق هذه العمالة التي نصت عليها الاتفاقات الدولية.

على النقابات العمالية، أخيراً، ان تتعامل بجدية اكبر مع هذا الموضوع، وتتبنى حياله موقفا عماليا وليس سياسيا. فللاسف حتى الآن تكرر النقابات المعزوفة السياسية نفسها بالرفض المطلق لمنافسة اليد العاملة الاجنبية لليد العاملة اللبنانية من دون تقديم اي رؤية او حلول لقضية تعنيها قبل غيرها. بإستثناء بعض النقابات القليلة التي بدأت بمقاربة الموضوع بطريقة مختلفة ولو ببطء شديد، تحت تأثير برامج ينظمها الاتحاد الدولي لنقابات الخدمات العامة، وبالتعاون مع بعض منظمات المجتمع المدني المعني بالموضوع.

تقوم هذه المقاربة على اسس ثلاثة. اولا إعادة الاعتبار إلى معنى النقابة، القائم على مبدأ أن تأثير العمال على أوضاعهم لا يمكن ان يتم الا من خلال وقف المنافسة بينهم في سوق العمل، أكانوا عمالا محليين ام مهاجرين، وذلك بهدف التفاوض او الضغط كفريق واحد على اصحاب العمل، من اجل الاجور والتقديمات الاجتماعية. فالمنافسة بين العمال في سوق العمل، بين العمال المحليين في ما بينهم او بينهم وبين العمال المهاجرين، هي التي تعطي قوة لصاحب العمل لخفض الاجور وتقليص التقديمات الاجتماعية. تالياً، على النقابات ان تتصدى لآليات المنافسة بين العمال بشكل عام، وليس بين المحليين وغير المحليين منهم فقط، وإلا أضرت بالاثنين معا. ولا يكون ذلك الا من خلال وحدة العمال جميعا بدون تمييز.

ثانيا، الاستناد الى الاتفاقات الدولية في ما يخص حقوق العمال المهاجرين.

ثالثا، الاعتماد على دراسات علمية لفهم واقع المنافسة العمالية في سوق العمل وفي القطاعات كاف.، ومواجهته.

لا يمكن حملة "ضد خطاب الكراهية" الا ان تنسق مع النقابات المعنية، رغم الملاحظات الكثيرة على أدائها. ولا يمكنها أيضا ان تستمر بدون اصحاب القضية، اي العمال السوريين، مع الاخذ في الاعتبار كل المحاذير الامنية والسياسية. وقد جرت أخيرا الدعوة الى مقاطعة التجارة اللبنانية لمدة ثلاثة ايام، كردّ من مجموعة سورية على خطاب الكراهية ضد السوريين.

ربما الافضل في هذه الظروف، اشراك السوريين في التحرك، لكن من خلال النقابات والجمعيات اللبنانية المعنية. اي بمعنى آخر، العمل على خلق ظروف تلاقٍ وحوار بين العمال اللبنانيين والسوريين، وهي الطريقة الفضلى التى اثبتت نجاعتها لمواجهة العنصرية في العالم. حيث ادى التلاقي والعمل المشترك الى كسر الكثير من الحواجز بين الجماعات المتواجهة على اسس عنصرية.

وبعد، فإن مواجهة خطاب الكراهية لا يهدف فقط الى الدفاع عن ضحاياه، او الى إيجاد حلول للمنافسة في سوق العمل، بل وقبل كل شيء، الى محاولة المحافظة على ما تبقى من انسانية في قلوبنا نحن اللبنانيين، بعدما عبثت بها وشوّهتها قيم المذهبية والطبقية والعنف.

لعل طموحنا يذهب الى ابعد من ذلك، اي الى تذكير المسيحيين بأن خطاب المسيحية هو خطاب المحبة وليس الكراهية، ولا معنى للمسيحية بدون هذه المحبة. كما انه لا معنى للكنيسة، كما يكرر البابا فرنسيس، اذا لم تكن كنيسة الفقراء، "فعندها لا تعود كنيسة المسيح".

سنكون بحاجة ماسة الى هذه النزعة الانسانية، عندما سنكتشف في الممارسة ومع الوقت، ما اصبح معروفا، اي ان النظام السوري لا يريد عودة النازحين الآن. وهذا ما افصح عنه صراحة ومنذ مدة، الجانب الروسي إلى رئيس الجمهورية ووزير خارجيته.

فبعد أن نكتشف ذلك، سنكون قد راكمنا المزيد من الاحقاد ومن المشكلات الاجتماعية، المتأتية حكما من فقدان الكثير من السوريين لمصادر رزقهم. ويتحمل رئيس الجمهورية والحكومة مجتمعة مسؤولية الاستمرار في الانزلاق الى هذا المنحدر الخطير.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم