الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ناديا تويني العميقة النفس في الذكرى الـ35 لرحيلها: "أنا مواطنة من بلد الكلمات"

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
ناديا تويني العميقة النفس في الذكرى الـ35 لرحيلها: "أنا مواطنة من بلد الكلمات"
ناديا تويني العميقة النفس في الذكرى الـ35 لرحيلها: "أنا مواطنة من بلد الكلمات"
A+ A-
بعنوان "جوانب من ناديا تويني"، كتب فاضل سعيد عقل في "النهار": ما اعظم البلد الذي يكرم مفكريه ومثقفيه، في حياتهم خاصة، وفي ذكراهم بعد رحيلهم. انه بلد ذاكرة يسجل على نفسه دينا للوفاء الدائم. انه يبرهن، بذلك، عن تقديره لقيمة العقل والشعور. ويبرهن ثانيا عن قوة الحافظة الوجدانية التي لا يموت اشعاعها. هذا ما حدث عندما اقدمت هيئات ومجالس وصالونات ثقافية على انعاش ذكرى الشاعرة ناديا تويني مرتين في اسبوع واحد. المرة الاولى في صالون فضيلة فتال في طرابلس يوم الاحد 25 حزيران 1995. والمرة الثانية في مجلس الفكر في بيروت يوم الخميس 29 حزيران 1995. ناديا تويني شاعرة اكتشفت منذ عطائها الشعري الاول. ليست فقط شاعرة متفوقة بل هي شهيدة الشعر. تشد على خناق الاحزان والاكدار وتقتات بها في آن. ليس من باب التناقض، بل من باب القوة في تحسس الحياة. وهذه النزعة معيوشة وملموسة لديها، حتى ان الاستاذ غالب عبدالله غانم يقول في كتابه "الشعراء اللبنانيون باللغة الفرنسية". صفحة 80: "الموت عند ناديا تويني هاجس الهواجس، والطيف المتسرب الى مسارات الاعراق ومدامع العيون ومسارب الكلمات فهو يتآلف مع الرحيل والحزن والخوف والفراغ ليشكل موضوعا رئيسا من موضوعات ديوانها، لان جميع هذه المسميات تتوحد في موقف الشاعرة منها، وفي انعكاسها على حياتها، فالرحيل هو موت الراحل في المكان والحزن هو موت الفرح في القلب، والخوف هو موت الامل والشجاعة، والفراغ هو موت الكفاية والامتلاء في النفس. ولعل حادثة موت طفلة للشاعرة هزتها، فظهرت مناجاتها جلية للاطفال، وللعصافير البريئة كالاطفال، في قصائد عديدة". ويقول في الصفحة 91: "الموت عند ناديا تويني صفحة في كتاب الاشياء الرهيبة... حتى اننا نسمع انّات ونأمات صوتية وانغاما داخلية حزينة تترجع في قصائدها، فكأنها تكتب الشعر بالغصات التي تريد اخفاءها ولكنها لا تلبث ان تنفجر تموجات نغمية وايقاعات من الحزن والضياع". ناديا تويني قصبة مبحوحة بالكآبة، خالدة بالتقاط المشاعر وتسميرها في كبد الوجود. انها شاعرة عميقة النفس، تبذل من ذاتها الاغلى لتتقابل وشعرها المستخرج من احشاء الحياة. انها شاعرة حية ابدا في المحبة، تتحدث عن الموت ولكنها تحوله الى حياة، تتغرب بفكرها ولكنها في كل مكان فيه نبض الكرامة والتضحية. فشكرا لمن انعش ذكراها قياما بواجب عزيز على كل انسان. في الآتي مختارات من أرشيف "النهار" عن الشاعرة الراحلة، في مناسبة الذكرى الـ35 لرحيلها:(مقدمة أندريه شديد لـ"الارض الموقوفة") رأيت دائماً أن على نتاج أدبي أن يغامر وحيداً، مع حريته ومجازفاته. ونتاج ناديا تويني، الغزير والمعروف، حيث الجسد والدم محبوكان بأوْزَن الكلمات، لا حاجة له الى أي تقديم. إنه يكنّ حصاداً طريفاً ومريعاً؛ إنه يقبض على الزمان. ليست هذه الكلمة اذاً تقديماً؛ إنها فقط انعكاس الآثار المشعّة التي يخلّفها في القلب والعقل، مرور كائن مكتمل. كائن يحشد على مدى "ليالٍ وأيام متداخلة"، في نسيج حياته، كما في نسيج كتابته، كل الجراح وكل القيامات.يا له من رائع وجه ناديا تويني، الذي يضيئه نظر ثاقب ورحب، ويُثريه حضور متوهج ومتحفظ!محطمة، ولكن ايضاً خصيبة بالحياة؛ ومصابة، ولكن مستعيدة في كل مرة، أنفاسها، ودروبها وخميرتها، هذه الشاعرة تدهش، تثير، وتجتذبنا بنشيدها. نشيد مستخرج من دُبال - أو من خُثّ - الاشياء والحدث، ويصب - من فرط وجوده - على "قطعة ضياء"، على تربة سخية ومثمرة. "أنا الرمل الذي يتقشّر ويكتشف الرمل".منذ موت صغيرتها في 1963، تبدأ ناديا تكتب بضراوة بالغة. وسيكون الشعر لغة تعبيرها. هذا الشعر الذي يطّرح قش الكلمات كي لا يحتفظ بغير الحَب؛ نواة تلقى فيها صرخات الظل جوابها الخاص والسريع:"... هاوية وشمس، وجهاي!"ما الذي لم تعرفه، لم تعشه، ولم تعانه هذه الصبية من لبنان، المغتنية بانتمائها المزدوج! علينا أن نقرأ "حزيران والكافرات"، هذا النص المتألق والمتمزّق الذي تهديه الشاعرة الى "أربع نساء، من عمق الارض الواحدة: المسيحية، المسلمة، اليهودية والدرزية".الفوضى المدمرة، تزايد الموتى في شكل مروّع، وهذه الارض المقطعة الاوصال، لم تكفّ عن ملاحقتها. فتنشر في 1982 "محفوظات عاطفية لحرب في لبنان":"لقد ماتوا معاًأي كلٌّ بمفرده كما عاشوا".إن هذه المرأة الهشّة والقوية، حاملة "الليل الاخير"، هي نفسها التي "تنقل حدائق" و"تقطف عيوناً زرقاءكمثل أسئلة شمسية".وفيما كانت المأساة الوحشية تحتدم حولها، بالتوازي - مع عودة الألم الذي سوف تُحبطه، بشجاعة وطويلاً - كان الموت يهدّد جسدها بالذات:"نحن تقاتلنارغبة في تعلّمكبرياء الموت".لقد قاست الكثير، واجتازت الكثير؛ ولكن، في أي حال، ظلّت دائماً تركن الى الحب:"قريباً ستتفتّح الارض الموقوفةفي أوج طيرانها كرمّانةفي شموس الفضاء.كل شيء اذاً ليس محروماً من الحب".يتألّف هذا الكتاب من صفحات عثر عليها غسان تويني وجمعها بمحبة وإكرام. فناديا كانت تكتب كثيراً، وفي كل مكان: على دفاتر مدرسية، على روزنامات، على دفاتر حسابات، على أوراق مبعثرة. مراحل من نتاج يتقدّم في استمرار. إشارات، ورسائل، وكلمات ترتعش.ودون أن تستبعد الايام، ولا الحلم، أسّست لنا ناديا تويني، هذه الـ"حالم الارض"، عالماً من الينابيع والحقيقة المطلقة:"كل يوم هو بعثٌمع تواطؤ الارض".تصرخ في أحد نصوصها: "آه، كم يستحق الرمل الماء".! وآه، كم يستحق هذا النتاج: إصغاء، وحماسة، واهتماماً!أنا والزمانمن الطوبى المطمئنة، الى جردة الموت الكبيرة، ثمة حياتي، عاجزة عن إعادة تكوينها، متألمة آلاماً لا تفسير لها.محكوم عليّ، من ولادتي، بتوعكات الوجود في الزمان، شقيّة بتحمّل الكينونة، ومذعورة في الوقت نفسه مما يمكنه وحده أن يضع حداً لذلك، أي الموت، أمضي متدحرجة كحصاة، من تكيّف الى اكتشاف، ومن كفاح الى سُبات، حتى ذلك الشاطئ المجهول، حيث الموج يقذفني أنتهي.لقد اكتمل زماني.بلد الكلماتمساء الخير.أنا مواطنة من بلد الكلمات.أنتمي الى الخامس من العوالم التسعة،التي أولها عالم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم