اكتسبت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين أهمية خاصة منذ دعت القيادات الفلسطينية إلى احتجاجات على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وعلى رغم أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة "فتح" وجماعات أخرى تدعو الى عرض أسبوعي للقوة أيام الجمعة، فإن عشرات من الشبان المسلحين بالحجار يتجمعون على الحدود بين غزة وإسرائيل كل يوم حتى عندما يلغى الاحتجاج المقرر، كما حصل الجمعة الماضي نتيجة سوء الأحوال الجوية. ويحمل البعض شارات لفئات مختلفة تتنافس على قيادة المساعي لإقامة دولة فلسطينية تكون القدس عاصمة لها، غير أنه ليس لآخرين أي انتماءات في ما يمثل علامة على الشعور بالاغتراب الذي يجعل الوضع السياسي أكثر عرضة للتقلب. وقال محتج عمره 28 سنة مشيراً الى تجدد الجمود بين "حماس" و"فتح": "أنا مش ضد فتح ولا حماس، لكن احنا ناضجين وأذكياء كفاية لنعلم بأن الانقسام المستمر بيضعفنا كلنا".
ولإدراك كل من "حماس" و"فتح" النفوذ المتنامي للشباب بفضل أعداده المتزايدة، حاولت الحركتان أخيراً استمالتهم فعقدت كل حركة اجتماعات كبيرة منفصلة في غزة لإقناع الشباب بتأييد المصالحة.
لكن الشباب الفلسطيني بات، كما يوضح المشهد اليومي على الحدود، بعيد المنال ينفر من الجمود القائم منذ أربع سنوات في محادثات السلام مع إسرائيل وضآلة ما أحرز من تقدم في رأب الصدوع الداخلية. وتظهر مشاعر الإحباط المتنامية في انتقادات لقياداتهم في وسائل التواصل الاجتماعي يقابلها على نحو متزايد تشديد قبضة السلطات على الزمام. ويرى الشبان الذين يلقون الحجار إنه كلما تزايد الشعور بالاغتراب، زاد احتمال خروجهم إلى الشوارع للاحتجاج.
وقال شاب يدعى أحمد عمره 23 سنة درس التاريخ وهو عاطل عن العمل: "احنا نعاني الجوع ولا يوجد في بيوتنا كهرباء وآباؤنا عاطلون عن العمل وكل هذا لن يوصل إلا إلى شيء واحد هو الانفجار". وسئل عن هدف انفجار كهذا، فأجاب: "ضد الاحتلال الاسرائيلي لأنه المسؤول الأول عن كل شيء ومسؤول حتى عن الانقسام بين فتح وحماس".
وفي غزة تتركز أكثر الشكاوى على انقطاع الكهرباء الذي يرجع إلى 11 سنة ويرى الناس أن الحركتين مسؤولتان عنه.
ومن القضايا الساخنة بطء مساعي الوحدة، إذ يوجه البعض أصابع الاتهام إلى "حماس" لإحجامها عن تسليم السيطرة الكاملة على غزة الى السلطة الفلسطينية، بينما ينتقد آخرون "فتح" لابقاء خفوضات الأجور في غزة. وتوجه الى حركة "فتح" انتقادات أيضا لأن مشاركتها في محادثات سلام مع إسرائيل لم تحقق تقدماً يذكر نحو تحقيق هدف الدولة الفلسطينية ولاحتفاظها بقادة متقدمين في السن. ويمثل الفلسطينيون في الفئة العمرية من 15 إلى 29 سنة ثلث سكان الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة شبه المحاصر وترتفع بشدة نسبة العاطلين عن العمل.
وقالت علا جبارة طالبة الجامعة بنت العشرين سنة في الضفة الغربية المحتلة، والتي كانت طفلة عندما انتخب محمود عباس رئيسا عام 2005: "لا يوجد طرف يمثلني ولا أستطيع أن أقول هذا الطرف يتحدث بالنيابة عني".
وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في كانون الأول 2017 أن نحو ثلاثة أرباع طلاب الجامعة و69 في المئة من كل الفلسطينيين بين 18 و22 سنة يريدون استقالة عباس، مقابل 59 في المئة من الفلسطينيين في سن الخمسين أو أكبر من ذلك.
وفي غياب الحوار السياسي سواء داخل الفصائل الفلسطينية أو بينها وبين إسرائيل، يعاني الشباب الفلسطيني بصمت ويخرج البعض الى الشوارع. وتفجرت انتفاضتان فلسطينيتان عامي 1987 و2000 وجاءت الثانية بعد فشل محادثات سلام في رعاية أميركية. ومن الممكن أن يؤدي تراكم المظالم إلى تفجر انتفاضة جديدة، لكن استمرارها يتطلب دعماً شعبياً واسعاً بين الفلسطينيين ومشاركة الفصائل. ولاحظ المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله أن "الشباب غير المنتمين من الممكن أن يشكلوا رافعة لهبة، انتفاضة ذات عنفوان لكنها قصيرة لا يمكنها أن تستمر طويلاً". وأضاف: "انتفاضة طويلة تحتاج إلى الفصائل لأنها الأكثر تنظيماً وقدرة على مواصلتها وتملك الموارد المالية والطاقات المنظمة".