السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

روايات صادمة ... كيف انعكست الحرب على أطفال الموصل؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
روايات صادمة ... كيف انعكست الحرب على أطفال الموصل؟
روايات صادمة ... كيف انعكست الحرب على أطفال الموصل؟
A+ A-

صور الوكالات العالميّة تظهر مجالات التناقض في العراق بأفضل الطرق الممكنة: مشهد أشخاص يعبّرون عن فرحهم بالتحرير في العاصمة بغداد يقابله مشهد الدمار الهائل وما يختبئ تحت الأنقاض من قصص مروّعة. يكفي أن يستمع المرء إلى كلام سالي بيكر، مديرة الجمعيّة الخيريّة البريطانيّة "الطريق إلى السلام"، عمّا عاشه المواطنون تحت حكم داعش ليتلمّس جزءاً من الصورة القاتمة. ففي حديثها إلى هيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي" الذي أعطت من خلاله فكرة عن صعوبات إنقاذ متطوّعيها للأطفال، قالت إنّ هؤلاء "كانوا يعيشون كالفئران" في الموصل. وتوضح أنّ الأطفال وصلوا إلى مرحلة انتفت فيها مشاعرهم، إذ باتوا طوال الوقت مصدومين وينظرون بعيون فارغة من دون أن يعوا ما يبصرونه، بحسب بيكر. 


عرفت أنّ ولدي يموت

الحديث عن الأطفال الواقعين في قبضة الصدمة يكاد لا ينتهي. كتب فرانسوا دومون، مدير التواصل في منظّمة "أطبّاء بلا حدود" على موقعها الإلكترونيّ البريطانيّ، عن معاناة الممرّضين والضحايا في الموصل. أصيبت عائلة الممرّض "أحمد" خلال المعارك في الموصل وتوفّي ابنه الأصغر بين يديه. "لقد رأيت عدّة جروح (ناجمة) عن طلقات ناريّة في ظهره وصدره. كممرّض عرفت أنّ ابني كان يموت. لم يكن هنالك شيء أمكنني فعله لإنقاذه".



ويروي دومون كيف أنّ ولدي "أحمد" الآخرين كانا سليمين جسديّاً لكن مصدومين نفسيّاً. "كانا يحدّقان بصمت في الفضاء الفارغ". وينقل عن كونشيتا فيو، معالج نفسي في الجمعيّة قوله إنّ "جميع زملائنا العراقيّين، (أكانوا من القطاع) الصحّي أم لا، يطلبون الدعم النفسي".


أهدوه سيجارة ثمّ قتلوه

كان لمنظّمة "أنقذوا الأطفال" البريطانيّة رواياتها المأسويّة الأخرى. يارا رودريغيز فاولر أوردت ضمن مدوّنة المنظّمة شهادات لأطفال رووا معاناتهم النفسيّة والجسديّة. "يراودني حلم عن امرأة دامية الوجه" تقول طفلة لم تتخطّ الثانية عشرة من عمرها. "(أرى) أحلاماً سيّئة عن جثث موتى" تقول أخرى. أحد الصبيان يتحدّث عن ألم آخر: "قدّم مقاتلو داعش لنسيبي سيجارة. وحين قبلها، أعطوه إيّاها وقتلوه بطلق ناريّ في ظهره".


ضغط نفسيّ سامّ

وتحدّثت فاولر عن أنّ الخبراء في منظّمتها لفتوا النظر إلى إظهار الأطفال الهاربين من الموصل أعراضاً حقيقيّة من "الضغط النفسيّ السام". قسم منهم يعاني من كبت عاطفيّ وقسم آخر يشكو من استيقاظ فجائيّ على وقع كوابيس ليليّة، فيما يتصرّف آخرون مثل "رجال آليّين". هذه الحالات النفسيّة يمكن أن ترافق هؤلاء لوقت طويل مودية إلى أمراض متنوّعة كالقلب والسكّري والقلق وغيرها بحسب فاولر.



"هيكل عظميّ" يتحرّك

انتهاء معركة الموصل كان بمثابة فرج لكثير من الأطفال المتروكين الذين اختبأوا من داعش لفترة طويلة وفي ظروف قاسية. فقد تناقلت وسائل الإعلام خبر إنقاذ أحد الأطفال المتضوّرين جوعاً من مبنى قديم كان قد اختبأ في طابقه السفليّ لمدّة 20 يوماً. وقال الولد المصاب والذي "يظهر هيكله العظمي بوضوح" لقناة "روداو" الكرديّة التي خسرت مراسلة لها في حرب الموصل، إنّه يعاني من وجع كبير ولا يستطيع التحرّك.



زومبي

إنّ خروج المدنيّين، ومعظمهم من النساء والطفال، سالمين من بين أعمدة الدخان هو أشبه بالمعجزة على حدّ تعبير توم ويستكوت في موقع وكالة "إيرين" للأنباء ومقرّها سويسرا. لكن حين يهرب هؤلاء من هول المعارك والحصار باتجاه آليّات "الهامفي" العسكريّة يبدون مثل "الزومبي" أو الأموات الحياء مادّين أيديهم طلباً للمياه في حرارة تبلغ 42 درجة مئويّة. هذه الحرارة التي تحلّل الجثث وتبعثر رائحتها في الأجواء، تحرق الطرقات التي يمشي عليها الأطفال حفاة الأقدام بحسب التقرير الذي نقل تزايد عدد الانتحاريّات في الأيّام الأخيرة للمعركة.


الداعشيّات أسوأ

لكنّ الانتحاريّات لم يكنّ أقلّ وحشيّة من مقاتلي داعش في استغلال الأطفال بطرق لا تعدّ ولا تحصى. فقد نقلت صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانيّة خبراً يرتبط بهروب امرأة داعشيّة حاملة طفلها بين يديها قبل أن تفجّر نفسها بمجموعة من الجنود في مدينة الموصل القديمة. وقال مصوّر من قناة "الموصليّة" للصحيفة إنّهم لم يدروا بأنّهم التقطوا صوراً للداعشيّة إلّا لاحقاً بعد تحليل الفيديو، حيث حاولت المرأة أن تفجّر نفسها بين الجنود لكنّ القنبلة الموضوعة في حقيبتها لم تنفجر إلّا بعد وقت قصير على تخطّيها للعناصر.


ليتني دست بدل أمّي على اللغم!

وروت المندوبة في القسم الإعلاميّ للصليب الأحمر الدوليّ يارا خواجة ما شهدته من عذابات الأطفال المصابين في الموصل ضمن مقالها في موقع قناة "بي بي سي" البريطانيّة حيث التقت بفتاة قتلت والدتها التي كانت ترافقها بعدما داست على لغم: "لا أريد العيش من دون أمّي. أتمنّى لو كنت أنا من دست على اللغم". وكتبت عرجة عن نفسها تقول إنّها للمرّة الأولى ترى شخصاً ينزف من عينيه، لذلك، أعربت جميع من شاهدها وراحت تسأل: "هل أنا عمياء؟".

لا شكّ في أنّ ما خفي من قصص مأسويّة أعظم ممّا كشف حتى الآن. لقد كلّفت رحلة تحرير الموصل من داعش الكثير على الصعيد البشريّ والمادّي والمعنويّ، فيما تحمّل ثقله الأكبر أطفال الموصل والمدن الأخرى بحيث سيتحمّلون جروحهم لوقت طويل. لكن في هذه الأثناء، ما زال مصير حوالي 900 ألف نازح من المدينة معلّقاً بانتظار خطط الإعمار والتمويل وإعادة النازحين المنتظرة للتحرّك الأمميّ و العراقيّ. حتى ذلك الحين، يحقّ للعالم والعراقيّين أن يفرحوا ببداية دفن الكابوس الداعشيّ.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم