الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ليالي الأرق في انقرة

المصدر: "النهار"
امين قمورية
ليالي الأرق في انقرة
ليالي الأرق في انقرة
A+ A-

منذ عام 2002 سعى رجب طيب #اردوغان إلى إبعاد تركيا عن حلفائها الغربيين التقليديين. وتركزت سياسته على فكرة مفادها انه من خلال إقامة علاقات أفضل مع دول مثل إيران وروسيا، وكسر العلاقات بين الحين والآخر مع أوروبا والولايات المتحدة، قد تكسب أنقرة النفوذ في الشرق الأوسط وأوراسيا، فتبرز كقوة إقليمية ذات شأن.


لكنّ ما حدث هو العكس من ذلك. فنتيجة فشل سياسات تركيا في سوريا والعراق، فقد النفوذ الإقليمي التركي الكثير من زخمه. وبناءً على ذلك، فإن الدول غير الأوروبية الأربع المجاورة لتركيا، أي روسيا وإيران والعراق وسوريا، تجمعت في محور تاريخي تَشكّل حديثاً ضد أنقرة. ولم يبق نظريا لتركيا اي حليف سوى واشنطن. ولعل خسارة تركيا لعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن أحد المؤشرات التي توضح تراجع وزنها.


وللمرة الاولى في التاريخ تطوق روسيا تركيا من الشمال والجنوب، فمنذ دخول الروس إلى سوريا وهم "يقلبون تركيا على الطرفين" كما كتبت فيردا اوزير في صحيفة "حرييت". أما أيران المنافِسة الابدية لتركيا فهي تتقارب مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتزيد نفوذها المتصاعدقوة، وتقلب الموازين في سوريا والعراق لتصب في مصلحتها وعكس المصالح التركية. الأسوأ من ذلك بالنسبة لتركيا ان إيران وروسيا تتحركان في خط واحدفي اتجاه هدف واحد، بينما تقف واشنطن متفرّجة على النشاطين الروسي والايراني في الشرق الاوسط.


الى ذلك يستفيد الاكراد، خصوم تركيا الابرز، من التغيرات والتحولات الحاصلة في الاقليم للتسلق على احداث المنطقة وحجز بطاقات دخول الى قلب اللعبة الجارية على الارض، مستدرجين في الوقت نفسه دعما متزايدا من الاميركيين والروس على حد سواء، في حين تتهمهم انقرة بتصدير الارهاب الذي انفلت داخل تركيا وصولا الى العاصمة نفسها لهز الاستقرار الداخلي وبث حال الفوضى.


وفي سوريا التي راهن اردوغان طويلا على قلب نظام الحكم فيها والاتيان بحلفاء له الى رأس السلطة المستقبلية سارت السفن بعكس ماتشتهي رياحه. وجاء التدخل الروسي بذريعة محاربة ارهاب"داعش" ليصب الزيت على النار، فبعد نحو اربع شهور من وصول الترسانة الروسية الى الارض السورية، ينصب القصف الروسي على قوات المعارضة الموالية خصوصا لتركيا وحلفائها، وليس على "داعش" وبات هدفها الواضح تقوية نظام دمشق وحمايته، لابل رأت موسكو في اكراد سوريا، لاسيما حزب الاتحاد الديموقراطي، حليفا مهما لنظام الاسد على الحدود السورية التركية، فدعمتهم بما يلزم لتثبيت نفوذهم في مناطق وجودهم التي تشكل "عقب اخيل" لانقرة على حدودها الجنوبية.


وفي الوقت نفسه، وبعدما فشلت كل محاولات الادارة الاميركية لجر تركيا الى مواجهة مباشرة وبرية مع تنظيم "داعش"، تطلعت صوب اكراد سوريا ايضا وأبرمت اتفاقات شركة معهم. وتقول الكاتبة اوزير ان "الامر المثير للسخرية في هذه النقطة أن الطائرات الأميركية التي تقدم الدعم لقوات حزب الاتحاد الديموقراطي تقلع من الأراضي التركية وتحديدا من قاعدة إنجرليك الجوية. الولايات المتحدة التي استشعرت حاجتها للروس والإيرانيين على حد سواء في الحرب على داعش غضت الطرف عن مكانة الأسد في أجندتيهما وعن الدعم المقدم لنظام الأسد من كلا الدولتين".


وفي مقابل تراجع الدور التركي في سوريا ، يتعزز الدور الايراني ويصير اكثر فاعلية بفضل الشركة مع روسيا، ويصير وجود ايران على طاولة المفاوضات لحل القضية السورية مطلبا ملحا لكل القوى المعنية بهذا الصراع، بما فيهم واشنطن التي رحبت بمشاركة طهران في محادثات جنيف. وهكذا تنشئ خريطة جديدة لتوازن القوى في سوريا، وبحسب الباحث الاميركيجوشوا لانديس فان "ما يقارب 75 في المئة من المقيمين السوريين لايزالون يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها نظام الاسد. أضف إلى ذلك أن حزب الاتحاد الديموقراطي وبمرور الوقت يزداد تقاربا مع الأسد، وتاليا يمكن القول إن الأكراد الذين يمثلون 10 في المئة من سكان سوريا هم ايضا تحت راية النظام".


وتشير الكاتبة التركية اوزير الى ان الحزب الكردي السوري الذي يتقدم بشكل حثيث نحو ربط القطاعات الكردية الثلاثة في شمال سوريا بفعل الدعم الخارجي، صار هو ايضا موضع إلحاح روسي ( وعدم اعتراض اميركي) للجلوس الى طاولة المفاوضات، وتاليا فإن حصول ذلك سيكون بمثابة بطاقة حمراء تخرج تركيا من هذه المفاوضات بعدما رهنت انقرة مشاركتها بتغييبه. أما قوات المعارضة التي تتلقى الدعم من تركيا، وقطر والسعودية تتعرض للقصف والتدمير على يد القوات الروسية مع توقف العمليات الجوية التركية بعد أزمة الطائرة الروسية.


وفي العراق، ظهر الوزن التركي خفيفا بعد قضية معسكر بعشيقة التركي، على عكس الدور العراقي الذي يعزز هيمنته في هذا البلد. ولم يبق لتركيا اصدقاء ذوي وزن في العراق، سوى كردستان العراق، لكن رئيس الاقليم مسعود البارزاني لايكف عن التصريح بأن "كردستان الحرة المستقلة باتت اقرب من اي يوم مضى"، فكيف لانقرة ان تهضم الاعلان عن اقليم مستقل للاكراد؟


الى ذلك، فان اعراض "امراض الاقليم" ولاسيما الارهاب والتعصب المذهبي والاتني، بدأت تتفشى في الجسم التركي، وبينما تواجه حكومة انقرة هذا التحدي وهذا الخطر فانها تبث المزيد من الاوجه الدينية في شرايين الكيان السياسي التركي. وبما ان انخراط الدين في السياسة ليس الا منافسة ينتصر فيها الطرف الاكثر تشددا وتزمتا، فان الاسلمة تعرض البلاد للتأثيرات السلبية المتأتية من تنظيم "داعش" الذي يتخذ من جوار تركيا، أي العراق وسوريا، مقراً. وقد سبق أن برزت مؤشرات مقلقة حول التطرف داخل البلاد. فعلى سبيل المثال، إن معظم الهجمات التي شنها التنظيم منذ الصيف الماضي والتي أودت بحياة 145 شخصاً على الأقل كانت من تنفيذ مواطنين أتراك عزز تنظيم "داعش" في سوريا من تطرفهم. كما أن المزيد من التطرف في سوريا سيولّد المزيد من التطرف في الداخل التركي.


كذلك ساهم في تضرر الصورة الخارجية لتركياالاتهامات المتتالية لها بدعمها للتيارات الجهادية والتكفيرية على الساحة السورية وفي العراق، وتسهيل عملية عبور المقاتلين عبر حدودها مع الدولتين، والتلكؤ في دعم الائتلاف الإقليمي – الدولي لمحاربة تنظيم "داعش". هذه العوامل أسهمت في تراجع الحديث عن "النموذج التركي" على المستوى الأكاديمي والإعلامي والشعبي، ولم تعد تركيا على المستوى الرسمي تشكل فرصة بالنسبة لدول المنطقة وإنما في أغلب الأحيان تمثل عبء إقليمي.


هذه التطورات الى التحديات المتمثلة بالتراجع الاقتصادي وازمة الحريات والاعلام والصراع على الهوية، بات تؤرق النخب السياسية التركية وتدفعها الى البحث عن آليات التعاطي معها، ذلك إلى الحد الذي دفع بعض القوى التركية للحديث عن أن تركيا بحاجة إلى إجراء إصلاحات عاجلة في مسار سياساتها الخارجية، والعمل دوليا على تحسين صورتها. فهل يتجاوب اردوغانويبحث عن مخرج يعيد لتركيا بريقها المفقود ام يصر على انتهاج السياسات نفسها، بما قد يفضى إلى مخاطر محدقة بـ"قوة تركيا الناعمة" التي استثمرت فيها كثيرا، وروجت لكونها دولة ديموقراطية لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى.


[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم